تواجه مفاوضات وقف إطلاق النار الجارية في العاصمة القطرية الدوحة تعثّرًا جديدًا في ظل إصرار إسرائيل على تقديم خرائط انسحاب تبقي جزءًا كبيرًا من قطاع غزة تحت سيطرتها العسكرية، وهو ما ترفضه حركة حماس بشكل قاطع.
وفي تصريحات لوكالة فرانس برس، قال أحد المصدرين إن "مفاوضات الدوحة تواجه تعثرًا وصعوبات معقدة نتيجة إصرار إسرائيل على خريطة للانسحاب قدمتها الجمعة، تتضمن إعادة انتشار وإعادة تموضع للجيش الإسرائيلي وليس انسحابًا فعليًا، وتشمل إبقاء القوات العسكرية على أكثر من 40% من مساحة قطاع غزة"، مشيرًا إلى أن هذا الطرح "مرفوض تمامًا من قبل حركة حماس".
وأضاف المصدر الثاني أن "إسرائيل تواصل سياسة المماطلة وتعطيل الاتفاق لمواصلة حرب الإبادة"، معتبرًا أن تل أبيب تسعى من خلال طرح خرائطها إلى فرض وقائع ميدانية جديدة لا تتوافق مع أهداف التهدئة ولا مع شروط الفصائل الفلسطينية.

محور الخلاف يتعمق.. الانسحاب أو إعادة التموضع؟
تشير المعطيات الميدانية والدبلوماسية إلى أن خرائط الانسحاب التي عرضتها إسرائيل مؤخرًا تشكل العقبة الرئيسية في مسار التفاوض. وبينما تطرح إسرائيل انسحابًا جزئيًا في جنوب القطاع مع إبقاء انتشارها في مناطق وسطى وشمالية، تصر حركة حماس على انسحاب كامل وشامل كشرط جوهري لإنهاء الحرب والدخول في أي ترتيبات لاحقة.
وفي هذا السياق، أفاد موقع أكسيوس الأميركي نقلًا عن مصادر مطلعة على فحوى المفاوضات، أن الولايات المتحدة دخلت على خط الأزمة الدبلوماسية وطلبت من حركة حماس تأجيل مناقشة حجم الانسحاب الإسرائيلي من غزة، والانتقال مؤقتًا إلى مناقشة قضايا أخرى، وذلك في محاولة لوقف انهيار المحادثات الجارية بشأن صفقة تبادل الأسرى.
الموقف الأميركي: تجاوز النقاط العالقة مؤقتًا
وبحسب المقترح الأميركي، فإن بحث قضية حجم الانسحاب الإسرائيلي من غزة يجب أن يُؤجَّل حتى الانتهاء من معالجة النقاط الأساسية الأخرى، ومنها آلية تنفيذ صفقة تبادل الأسرى، وضمانات استمرار وقف إطلاق النار، والترتيبات الإنسانية داخل القطاع.
لكن حماس، بحسب مصادر التفاوض، ترفض من حيث المبدأ تجاوز ملف الانسحاب، وترى أن حجم وطبيعة التواجد العسكري الإسرائيلي بعد الاتفاق سيكون بمثابة المؤشر الحقيقي على نية إسرائيل في إنهاء العدوان أو الاستعداد لمرحلة جديدة من الهيمنة العسكرية والسياسية.
مرونة محدودة من الجانب الإسرائيلي
رغم ما يُوصف بـ"المرونة المحدودة" التي أبدتها إسرائيل بخصوص تواجدها في جنوب القطاع، إلا أن حماس ترى أن الخرائط المقدمة ما تزال تكرس الاحتلال وتُقوّض مبدأ السيادة الفلسطينية. وبحسب أحد المفاوضين الفلسطينيين، فإن المقترحات الإسرائيلية الحالية "لا ترقى إلى الحد الأدنى من مطالبنا".
التهديد بانهيار كامل للمفاوضات
في ضوء ما سبق، تُواجه مفاوضات الدوحة خطر الانهيار الكامل إذا لم تُحدث القوى الدولية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، اختراقًا جديًا في ملف الانسحاب العسكري الإسرائيلي من غزة.
وتُؤكّد المصادر الفلسطينية أن أي اتفاق جزئي لا يتضمن انسحابًا واضحًا وكاملًا سيفشل في تلبية تطلعات سكان غزة، ولن يكون قادرًا على إنهاء حالة الحرب القائمة، بل قد يُمهد لجولات تصعيد جديدة، خاصة مع استمرار العمليات الإسرائيلية في مناطق متفرقة من القطاع.
وفي انتظار ما ستؤول إليه الساعات أو الأيام المقبلة، تبقى الأنظار موجهة إلى الدوحة، حيث تتقاطع خرائط الاحتلال مع خرائط الحل، وسط مشهد تفاوضي شديد الحساسية والتعقيد.
وفي ظل تصاعد الضغوط الدولية والتعقيدات السياسية التي تحيط بمفاوضات وقف إطلاق النار في غزة، تتعدد التحليلات وتتكشف أبعاد جديدة تشير إلى أن ما يجري خلف الكواليس ليس مجرد سعي لتهدئة مؤقتة، بل صراع محموم حول مستقبل القطاع وهويته الجغرافية والسياسية.
الإدارة الأمريكية تُمهّد الطريق لنتنياهو وليس للسلام
من جانبه، يرى الدكتور أيمن الرقب، أستاذ العلوم السياسية والمحلل الفلسطيني، أن الإدارة الأمريكية لم تمارس ضغوطًا حقيقية ومباشرة على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لفرض وقف إطلاق النار، بل منحته فعليًا وقتًا إضافيًا لترتيب أوراقه السياسية الداخلية، مستفيدًا من اقتراب عطلة الكنيست الصيفية في نهاية الشهر الجاري.
وأضاف الرقب في تصريحات لـ “صدى البلد”، أن تقارير إسرائيلية تحدثت عن تأجيل الإعلان الرسمي عن وقف إطلاق النار لفترة تتراوح بين أسبوعين إلى ثلاثة، بانتظار دخول الكنيست في عطلته، ما يفسح المجال لنتنياهو لتعزيز موقعه السياسي.
وأكد الرقب أن القاهرة والدوحة تبذلان جهودًا متواصلة وتضغطان بقوة لدفع الأطراف نحو توافق، في حين أن واشنطن تبدو غير راضية عن الخرائط الإسرائيلية للانسحاب، إذ تراها غير متطابقة مع ما تم التفاهم عليه في يناير الماضي.
ورجّح الرقب وجود نية أمريكية لإحداث تهدئة مؤقتة في الشرق الأوسط، قد تتبعها مفاوضات أعمق يمكن أن تفضي إلى وقف دائم لإطلاق النار، إذا توفرت الشروط السياسية والأمنية لذلك.