في لحظة فارقة بين الحنين والرؤية، اجتمت اللجنة العليا لمهرجان القاهرة للعرائس داخل أكاديمية الفنون في اجتماعها الأول، لتضع الخطوة الأولى على طريق مهرجان فني وإنساني يحمل بين تفاصيله أصالة الماضي وروح المستقبل، في احتفاء نادر بفن يوقظ الذاكرة ويمنح الخيال أجنحة.
ترأست الاجتماع الدكتورة غادة جبارة، رئيس الأكاديمية، التي ألقت كلمة حملت كثيرًا من الإيمان والاعتزاز، مؤكدة أن مهرجان القاهرة للعرائس ليس مجرد فعالية جديدة، بل مشروع ثقافي يُراهن على الخيال كقوة تربوية وجمالية، ويُعيد للفن مكانته في تشكيل وجدان الأجيال. قالت:
نُطلق اليوم مهرجانًا يُخاطب الروح، ويستدعي جمالًا ناعمًا لا يُشبه إلا ذاته. هو فن لا يشيخ، يُربّي الذائقة ويعلّم الصمت أن ينطق، ويمنح الدمية حياة كاملة على خشبة المسرح.



وفي سياق الاجتماع، تحدث الدكتور حسام محسب، رئيس المهرجان ومستشار رئيس أكاديمية الفنون، مؤكدًا أن هذه الدورة التأسيسية تأتي كمنصة لإعادة الاعتبار لفن العرائس، وأن الهدف ليس الاحتفال بالماضي فقط، بل تقديم صيغة معاصرة لهذا الفن، قادرة على مخاطبة الطفل والبالغ، وتكريس حضور دائم لهذا النوع من العروض داخل المشهد الثقافي المصري.
وبنظرة تحتفي بالإبداع وعمق المعنى، عبّر المخرج خالد جلال، رئيس قطاع شؤون الإنتاج الثقافي، عن حماسه لهذا الحدث، معتبرًا فن العرائس من أرقى الفنون المسرحية، وأكثرها تركيبًا ورمزية، حيث تتلاقى فيه المهارة بالصمت، والتصميم بالإحساس، والحكاية بالحركة. وقال:
هذا المهرجان ليس مجرد احتفاء بفن، بل ولادة جديدة لوعي مسرحي مختلف، يُفسح الطريق أمام جيل جديد من الحالمين.
أدار اللقاء الفنان محمود فؤاد صدقي، مدير المهرجان، بروح تنظيمية واضحة، وبفهم دقيق لطبيعة المشروع، مما أضفى على الحوار جوًا من التركيز والحماسة، وساهم في بلورة الملامح الأولى لدورةٍ ستُكتب في تاريخ فن العرائس المصري.
شارك في الاجتماع عدد من الشخصيات البارزة في المشهد المسرحي والإداري، بوصفهم أعضاء اللجنة العليا للمهرجان، حيث حضر محمد حافظ نائب رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة، والدكتور أسامة محمد محمد مدير مسرح القاهرة للعرائس، ومحمد نور المدير السابق للمسرح، والدكتورة مي مهاب نائب رئيس المهرجان، والدكتور محمد زعيمة، والمخرج رضا حسنين، والمحاسب محمد أبو المجد أمين عام أكاديمية الفنون، وعمرو مصطفى مدير عام الشؤون الإدارية، وخالد التوني مقرر اللجنة والمدير المالي والإداري لمسرح نهاد صليحة، ومصممة الديكور سماح نبيل، والفنانة منى سليمان، والفنان عادل الكومي، والفنان مايكل رافله، والكاتب الصحفى قدري الحجار.
وقد جاءت الدورة الأولى للمهرجان باسم الفنان الكبير جمال الموجي، تكريمًا لإبداعه الذي شكّل جزءًا من الذاكرة السمعية والفنية للمصريين، وربطًا حيًا بين الموسيقى والمسرح، بين النغمة والحكاية، بين الإحساس وصوت العروسة.
وناقش الحاضرون مجموعة من المبادرات التي سترافق فعاليات المهرجان، في مقدمتها إقامة ورش فنية متخصصة في تحريك العرائس، الإخراج، الكتابة، الإضاءة والديكور، إضافة إلى عروض ستُقام في القاهرة، وسوق حر للفنانين لعرض وبيع أعمالهم العرائسية، مع إطلاق مشروع توثيقي يُشرف عليه الفنان محمد النمس، يُرصد فيه تاريخ هذا الفن في مصر ويُقدَّم كمرجع حي للأجيال القادمة.
وقد تحدد موعد مبدئي لإقامة المهرجان في أوائل أكتوبر 2025.
ويأمل المنظمون أن تمتد روح المهرجان نحو آفاق أرحب، لتتحول دوراته المقبلة إلى منصة دولية تحتفي بفن العرائس من مختلف الثقافات، وتُرسّخ مكانة القاهرة كعاصمة للفنون البصرية والمسرحية في العالم العربي.
إن مهرجان القاهرة للعرائس لا يوجَّه للأطفال وحدهم، بل يُخاطب العقل البصري للمتفرج أيًّا كان عمره، ويمنح المبدعين الشباب فضاءً لتجربة أدواتهم الأولى. إنه ليس فقط دعوة للحنين، بل احتفاء مستقبلي بصوت العروسة وهي تنطق بالحكاية... عن الخوف والحب، عن الزمن والبراءة، عن الإنسان كما يجب أن يُروى.
وفي لحظة انفتاح الستارة، لن تعود العرائس وحدها، بل يعود المسرح كله – بجماله ودهشته وصوته الصامت – ليُحدّثنا من جديد، ونحن نصغي بدهشة الأطفال... وحنين الكبار.