مع اشتداد درجات الحرارة ودخول صيف 2025 ذروته، تعود إلى الواجهة تساؤلات مشروعة حول مدى قدرة الحكومة المصرية على تجنّب تكرار سيناريو انقطاع الكهرباء التي شهدتها البلاد خلال صيف 2024، حينما عانى المواطنون من انقطاعات متكررة نتيجة الضغط الهائل على الشبكة القومية، وتراجع إمدادات الوقود بسبب عوامل داخلية وإقليمية.
غير أن التصريحات الرسمية الصادرة عن رئاسة مجلس الوزراء ووزارة الكهرباء والطاقة المتجددة، هذا العام، حملت نبرة مطمئنة، حيث أكدت الحكومة جاهزيتها الكاملة لتأمين احتياجات الطاقة، واستبعدت تمامًا اللجوء إلى أي تخفيف مبرمج للأحمال، حتى في أوقات الذروة.

هل هناك تخفيف أحمال في صيف 2025؟
وأكد الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء، أن الحكومة لا تعتزم تطبيق أي خطط لتخفيف الأحمال الكهربائية خلال الصيف الحالي، مشيرًا إلى أن الدولة تبنّت منذ أشهر طويلة خطة استباقية شاملة لتأمين الإمدادات وضمان استقرار الشبكة الموحدة، بما يلبي الزيادة الموسمية في الطلب.
وأوضح مدبولي، أن النقاشات الجارية داخل الحكومة تتركّز حاليًا على تشجيع المواطنين على ترشيد الاستهلاك الطوعي، دون التأثير على مستوى جودة الخدمة، مشددًا على أن جميع القطاعات المعنية تعمل وفق متابعة لحظية للأحمال والتوازن بين الإنتاج والاستهلاك.
ترشيد الاستهلاك بدلًا من الانقطاع
من جهته، شدد المهندس منصور عبدالغني المتحدث الرسمي باسم وزارة الكهرباء، على ضرورة التزام المواطنين والهيئات الحكومية بتطبيق إجراءات ترشيد استهلاك الكهرباء، مؤكدًا أن الشبكة القومية تعمل بكفاءة عالية، ولا توجد حاجة لتخفيف الأحمال أو اللجوء إلى أي انقطاعات مبرمجة.
وقال عبدالغني، إن خطة الوزارة تتضمن تقليص إنارة الشوارع بنسبة تصل إلى 30% بعد مواعيد الذروة، ووقف تشغيل الإعلانات المضيئة ليلًا، إلى جانب ضبط أجهزة التكييف داخل المباني الحكومية على درجة حرارة 25 مئوية، وذلك ضمن إجراءات احترازية تهدف إلى تقليل الأحمال دون التأثير على الاحتياجات الأساسية.
هل تتكرر أزمة الصيف الماضي؟
ويرى مراقبون أن تجربة صيف 2024 كانت حافزًا لتغيير النهج الحكومي في التعامل مع ملف الطاقة، وهو ما أشار إليه المستشار محمد الحمصاني، المتحدث باسم مجلس الوزراء، حيث أكد أن الحكومة بدأت منذ أكثر من 6 أشهر تنفيذ خطة استباقية لمعالجة أي اختلالات متوقعة في منظومة الكهرباء.
وتضمنت الخطة التعاقد مع ثلاث سفن لإعادة تغويز الغاز الطبيعي المسال، على أن تصل سفينة رابعة في شهر أغسطس المقبل، فضلًا عن تنويع مصادر الوقود بين الغاز والمازوت والسولار، ووضع سيناريوهات متعددة لمواجهة أي طارئ إقليمي أو داخلي.
خطة طوارئ حكومية لضمان استمرارية التغذية
ومع تراجع تدفقات الغاز من إسرائيل مؤخرًا، سارعت الحكومة إلى تفعيل خطة طوارئ عاجلة شملت:
- تشغيل بعض محطات الكهرباء باستخدام المازوت بنسبة أكبر
- التحوّل المؤقت لاستخدام السولار في بعض وحدات التوليد
- وقف تزويد بعض الأنشطة الصناعية غير الحيوية بالغاز بشكل مؤقت
وأكّدت وزارتا البترول والكهرباء، أن شبكة الغاز لا تزال مستقرة، وأن الاحتياطات المتوفرة كافية لتلبية احتياجات محطات الكهرباء طوال فترة الذروة الصيفية.
الأرقام تُطمئن: الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك تحت السيطرة
وبحسب مصادر بوزارة الكهرباء، فإن الحمل الأقصى على الشبكة خلال الأسبوع الحالي بلغ نحو 39 ألف ميغاواط، مقارنة بـ37 ألفًا في يونيو الماضي، أي بزيادة تُقدَّر بحوالي 2000 ميغاواط.
ورغم هذا الارتفاع الملحوظ، أكدت الوزارة أن القدرات الإنتاجية الحالية تفوق معدل الاستهلاك، بفضل التنسيق اليومي مع وزارة البترول لتأمين كميات كافية من الوقود اللازم لتشغيل المحطات.
تنسيق محوري بين "الكهرباء" و"البترول"
وأكد الدكتور محمود عصمت وزير الكهرباء والطاقة المتجددة، أن الحكومة تعمل بمنهج تكاملي بين الوزارات المختلفة، وعلى رأسها وزارة البترول، لضمان استقرار الشبكة القومية وتفادي أي انقطاعات، خاصة في فترات الذروة المسائية.
وخلال اجتماع جمعه مؤخرًا مع المهندس كريم بدوي وزير البترول والثروة المعدنية، تمّت مراجعة خطط الإمداد بالوقود، والبدائل المتاحة، والآليات اللازمة لمواكبة الطلب المتزايد، وضمان مرونة النظام الكهربائي واستقراره في مختلف محافظات الجمهورية.
ويمثل صيف 2025، اختبارًا حقيقيًا لمدى فاعلية الاستعدادات الحكومية في مواجهة تحديات الطاقة، ويبدو حتى الآن أن الدولة قد استفادت جيدًا من دروس الصيف الماضي، ووضعت لنفسها خارطة طريق تُركّز على الاستباق والمرونة، بدلًا من المعالجات الاضطرارية المتأخرة.
ويبقى التحدي الأهم في قدرة المواطنين على التعاون مع الجهات المعنية في تطبيق إجراءات الترشيد، باعتبار أن الطاقة مسؤولية مشتركة، وأن الحفاظ على استقرار الكهرباء هو حجر الأساس لاستمرار الحياة الاقتصادية والاجتماعية اليومية.