نظم الجامع الأزهر، أمس الإثنين، لقاءه الأسبوعي ضمن فعاليات "الملتقى الفقهي – رؤية معاصرة"، والذي جاء هذا الأسبوع تحت عنوان: "حقوق الجار.. رؤية فقهية"، بحضور الدكتور ربيع الغفير، أستاذ اللغويات بجامعة الأزهر، وإدارة الشيخ أحمد الطباخ، مدير المكتب الفني للجامع الأزهر.
في مستهل اللقاء، أشار الدكتور ربيع الغفير إلى المكانة العظيمة التي أولاها الإسلام للجار، مستدلًا بحديث النبي ﷺ: "ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه"، موضحًا أن هذه الوصية تعكس قدسية العلاقة بين الجيران، وأن الإحسان إلى الجار يعد من علامات الإيمان، بل هو واجب ديني وأخلاقي.
وأوضح الدكتور الغفير أن القرآن الكريم أيضًا أكد على هذا المعنى، كما في قوله تعالى: "وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ"، لافتًا إلى أن الدين الإسلامي بُني على حسن المعاملة، وأن من زاد في الخُلق زاد في الدين، كما قال الإمام ابن القيم: "الدين حسن الخلق، فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في الدين."
وتطرق في حديثه إلى تصنيفات الجيران وحقوقهم؛ فالجار المسلم القريب له ثلاثة حقوق: الإسلام، والقرابة، والجوار، والجار المسلم غير القريب له حقان، أما غير المسلم فله حق الجوار فقط، مؤكدًا أن هذه الرؤية الفقهية الواسعة تُظهر مدى شمولية الإسلام وعدالته في التعامل مع الجميع.
كما أشار إلى أن النبي ﷺ أكد على أن الإحسان إلى الجار علامة من علامات الإيمان، فقال: "وأحسن إلى جارك تكن مؤمنًا"، كما حذر من الإساءة إليه، بقوله: "والله لا يؤمن، من لا يأمن جاره بوائقه"، مشددًا على أن تماسك المجتمعات يبدأ من العلاقات الطيبة بين الجيران.
واستعرض فضيلته بعض النماذج التاريخية من تعامل السلف الصالح مع جيرانهم، من أبرزها قصة عبد الله بن المبارك الذي كان جاره يفتخر بجيرته لدرجة أنه رفع ثمن منزله لأجل جواره.
كما تطرق إلى أمثلة من الأدب العربي والموروث الشعبي مثل: "الجار قبل الدار"، دليلًا على عمق هذه القيمة في الثقافة الإسلامية والعربية.
من جهته، أكد الشيخ أحمد الطباخ أن علاقة الجوار في الإسلام تمثل لبنة أساسية في بناء المجتمع المسلم، موضحًا أن شعور الإنسان بالأمان تجاه جاره يعكس مدى استقرار المجتمع وتماسكه، وهو ما أشار إليه النبي ﷺ بقوله: "المسلم للمسلم كالبنيان يشد بعضه بعضًا."
وفي ختام الملتقى، دعا الشيخ الطباخ إلى ضرورة الاقتداء بالنبي ﷺ في أخلاقه مع جيرانه، مؤكدًا أن الجانب العملي في الشريعة لا يقل أهمية عن العبادات، وأن حسن التعامل مع الجار هو تجسيد فعلي لقيم الإسلام التي ساهمت في انتشاره حول العالم.
يذكر أن الملتقى الفقهي يُعقد كل يوم إثنين داخل الجامع الأزهر الشريف، تحت رعاية فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، وبتوجيهات من فضيلة الدكتور محمد الضويني، وكيل الأزهر الشريف، بهدف مناقشة القضايا الفقهية المعاصرة وتقديم رؤى شرعية لمعالجتها.