في ظاهرة طريفة ومذهلة، تتمكن القطط من السقوط من ارتفاعات عالية والهبوط بأمان على أقدامها، بفضل ما يُعرف بـ"منعكس تعديل وضعية الجسم"، الأمر الذي تمكن علماء الفيزياء من تحليله وكشف تفاصيله.. فما القصة؟
هذه القدرة المغروسة فطرياً تظهر لدى القطط منذ عمر 3 إلى 4 أسابيع، وتكتمل كلياً في عمر 6 إلى 7 أسابيع، وهي لا تعتمد على الرؤية بل على التنسيق العصبي البديهي بين حاسة التوازن (الجهاز الدهليزي) ومرونة العمود الفقري، إلى جانب التحكم الدقيق في العضلات.
كيف تسقط القطط على أقدامها؟
وفيما يلي تفسير ظاهرة سقوط القطط على أقدامها بحسب علماء الفيزياء:
1. التوازن الحسي العصبي: عند بدء السقوط، يستشعر الجهاز الدهليزي في الأذن الداخلية تأثير الجاذبية، فيرسل إشارات إلى الدماغ لتحديد الوضع المرجعي، ويتولى التنبيه العصبي للعضلات لضبط الجسم حتى في الظلمة التامة، كما يتضح من فرضية أن القطط العمياء تتطور لديها نفس المنعكس.
2. التدوير المتوازن للجسم: يبدأ التعديل بتوجيه الرأس نحو الأسفل، ثم ينثني الجسم عند الخصر، حيث يدور النصف الأمامي من الجسم في اتجاه مختلف عن النصف الخلفي، في إطار يحافظ على حفظ الزخم الزاوي. القطط تعتمد على تمدد الأرجل الأمامية وتثبيت الخلفية لتحقيق هذا التوازن الديناميكي.
3. المرونة الفائقة والوزن الخفيف: يتميز عمودها الفقري بـ53 فقرة مقارنة بـ33 فقرة لدى البشر، مما يمنحها قدرة استثنائية على الثني والالتواء. وبالإضافة إلى ذلك، فإن جلدها الرخو ووزنها الخفيف يساعدان على الحركة السلسة وامتصاص صدمة الهبوط.
4. الهبوط بشكل مثالي: قبل ملامسة الأرض، تمدد القط أطرافه الأربعة لزيادة مقاومة الهواء وتخفيف سرعة الهبوط الضررية . وتصل سرعة سقوطه إلى نحو 96 كم/الساعة، وهي أقل من سرعة سقوط الكائنات الأثقل، بفضل بنيته الديناميكية الهوائية.
5. التوثيق العلمي: الأبحاث الحديثة تشير إلى أن كل هذه الحركة تحدث خلال نحو 300 ملي ثانية فقط — أي أقل من ثلث الثانية. هذا ما أثبتته دراسات باستخدام كاميرات فائقة السرعة، فضلاً عن سلسلة من الصور المتتابعة التي التقطها العالم إتيان-جول ماري في أواخر القرن التاسع عشر.
6. ظاهرة "متلازمة القطة الطائرة": نتائج دراسة نُشرت عام 1987 أظهرت أن القطط التي تسقط من طوابق مرتفعة (فوق السابعة) عادةً ما تتعرض لإصابات أقل مقارنة بمن يسقط من طوابق متوسطة. ويرجع ذلك إلى أن القطة بعد وصولها للسرعة النهائية تسترخي وتفرّغ جسمها لتمتص الصدمة بشكل أفضل.
ما أهمية ظاهرة سقوط القطط؟
هذه الظاهرة ليست مجرد فضول بيئي، بل يشكل مصدر إلهام واسع في مجالات متعددة. في الروبوتات، تم تصميم أنظمة تنقل الجسم على أجزاء أمامية وخلفية قادرة على الحركة المنفصلة، لمحاكاة ما تفعله القطط في الهواء، مما يساعد الروبوت على استعادة التوازن عند السقوط.
في استكشاف الفضاء، استخدم العلماء نماذج حركية مستوحاة من القطط لتعليم رواد الفضاء كيفية التوازن الحركي في بيئة انعدام الجاذبية، حيث لا توجد "أعلى" أو "أسفل" كما هو الحال على الأرض.
كما وفرت هذه الدراسات مادة علمية للذكاء الاصطناعي في تطوير خوارزميات للمسَيَّرات والطائرات بدون طيار، لتعزيز قدرتها على ضبط وضعها تلقائياً عند مواجهة تحديات أو اضطرابات مفاجئة.