قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

د. هبة عيد تكتب: بين الواقع والخيال.. هل نعيش أم نتداوى؟

د. هبة عيد
د. هبة عيد

في زحام الحياة وضغوطها، كثيرًا ما يجد الإنسان نفسه ممزقًا بين عالمين؛ واقع يفرض عليه صلابته، وخيال يلوذ به هربًا من قسوته. وقد يبدو الخيال أحيانًا كنافذة مفتوحة على عالمٍ موازٍ، حيث نجد ما حُرمنا منه ونعيش ما تمنّيناه. لكن السؤال يظل حاضرًا: هل نهرب كي نعيش، أم نعيش كي نتداوى من وجع الواقع؟.

علم النفس يخبرنا أن الهروب إلى الخيال يُعد أحد حيل الدفاع النفسي، التي يبتكرها العقل لحماية الروح من الانكسار. فحين يشتد الألم أو تثقل الضغوط، نسمح لأنفسنا بخلق عوالم بديلة، نصنع فيها الحوارات التي لم تحدث، ونستعيد المواقف التي لم يمنحنا القدر فرصة عيشها. نتخيل وجوهًا غابت، أو لقاءات حال دونها الزمن، فنحياها في داخلنا وكأنها حدثت، ولو لمرة واحدة، لنخفف من ثِقَل الفقد ونقنع قلوبنا بالاستمرار.

لكن، بين الواقع والخيال شعرة دقيقة. فالخيال إذا تحوّل إلى إقامة دائمة، قد يسلبنا القدرة على التكيف مع الحياة الحقيقية. بينما الوعي، والتصالح النفسي مع الذات، هما المفتاح الحقيقي للتوازن. التصالح لا يعني الاستسلام، بل هو إدراك أن الألم جزء من الرحلة، وأن الرضا ليس غيابًا للمعاناة، بل مهارة في العيش برفقة ما لا نستطيع تغييره.

ولا نستطيع أن ننكر بأننا نحتاج إلى الخيال كمتنفس للروح حين تضيق بها السبل ، لكنه يصبح أكثر عذوبة حين يكون جسرًا يقودنا للوعي، لا سجنًا نهرب إليه من مواجهة الحقيقة. وبين الهروب المؤقت والمكاشفة الصادقة، يظل الإنسان في رحلة البحث عن نفسه عن سكينته الداخلية وقد تختلط الطرق وتتشابك الحيل، ولكن تبقى قوة الرضا والتسليم لله هي الباب الذي لا يغلق. 

فالحياة، مهما فرّقت بيننا وبين من نحب، تظل تمنحنا أملًا جديدًا، وطاقات غير مرئية للمضي قدمًا. ربما لم تمنحنا الأيام بعض الرفاق، لكنّها أعطتنا القدرة على الحلم بهم، وتلك في حد ذاتها حياة أخرى. 


وكما قال الشاعر 
 نَسِيرُ وفي قلوبِنا أُمنيات
 نَحيا بها إن خاننا الواقعُ يومًا


وفي الختام لا يسعنا سوى أن ندعو دوما بأن يرزقنا  الله  الرضا الذي يطمئن به القلب، والصبر الذي يضيء دروبنا، والأمل الذي ينعش أرواحنا مهما اشتدت المحن.