كتب الدكتور علي جمعة مفتى الجمهورية السابق، وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، عبر صفحته الرسمية على فيس بوك: إن الأمانة هي معادلة التكليف الكبرى التي قامت من أجلها السماوات والأرض والجبال، وهي من أخلاق الإسلام العظمى التي حثَّ عليها ودعا إليها خالق الأكوان سبحانه في كتابه العزيز، وفي سنة نبيه الأكرم ﷺ.
واشار الى انه قد ورد الحث على الأمانة في كتاب الله وفي سنة رسول الله ﷺ كثيرًا. فمن الآيات التي ورد فيها الحث على الأمانة قوله سبحانه في اللوم على بني آدم في عدم مراعاة الأمانة: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا}.
وقال سبحانه في الأمر الصريح بأداء الأمانات إلى أهلها: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا}.
وفي النهي عن الخيانة وذم الخائنين قال جل وعز: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ}. وقال سبحانه وتعالى: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ}. وقال عز من قائل: {وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا}. وقال تعالى: {وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ}.
وتابع: بل إن الله أمر نبيه ﷺ بالابتعاد عن الخائنين أنفسهم فقال سبحانه: {إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ ۚ وَلَا تَكُن لِّلْخَائِنِينَ خَصِيمًا}.
أما في سيرته العطرة ﷺ وسنته المشرفة، فقد كانت الأمانة من أهم صفات سيدنا رسول الله ﷺ، بل كان يشهد بها أعداؤه، فقد سموه "الصادق الأمين". وقد طمأنته أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها عندما نزل عليه ﷺ الوحي، إذ قال لها النبي ﷺ: «إني إذا خلوت وحدي سمعت نداءً، وقد والله خشيت أن يكون هذا أمرًا». فقالت: معاذ الله، ما كان الله ليفعل بك، فوالله إنك لتؤدي الأمانة وتصل الرحم وتصدق الحديث. [رواه البيهقي].
بل قد ورد أن النبي ﷺ نهى عن المعاملة بالمثل في عدم الأمانة خاصة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: «أدِّ الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك» [رواه أبو داود والترمذي والحاكم].
كما اعتبر النبي مجرد الحديث وعدم الإيصاء بكتمانه أمانة يجب حفظها وعدم كشفها لأحد، فقال ﷺ: «إذا حدث الرجلُ الرجلَ بالحديث ثم التفت، فهي أمانة» [المصنف لابن أبي شيبة].
وأخبر الرسول الأكرم ﷺ أن ضياع الأمانة من علامات فساد الزمان. فعن حذيفة قال: «حدثنا رسول الله ﷺ حديثين، قد رأيت أحدهما وأنا أنتظر الآخر. حدثنا: أن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال، ثم نزل القرآن فعلموا من القرآن وعلموا من السنة. ثم حدثنا عن رفع الأمانة، قال: ينام الرجل النومة فتُقبض الأمانة من قلبه فيظل أثرها مثل الوَكت، ثم ينام النومة فتُقبض الأمانة من قلبه فيظل أثرها مثل المَجْل، كجمرٍ دحرجته على رجلك فنفط، فتراه منتبرًا وليس فيه شيء. ثم أخذ حصى فدحرجه على رجله. فيصبح الناس يتبايعون، لا يكاد أحد يؤدي الأمانة، حتى يقال: إن في بني فلان رجلًا أمينًا، حتى يقال للرجل: ما أجلده! ما أظرفه! ما أعقله! وما في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان» [رواه مسلم].
وقد تواترت نصوص الكتاب والسنة التي تدل على أن الأمانة عظيمة القدر في الدين. ومن عظيم قدرها أنها تقف على جنبتي الصراط، ولا يُمَكَّن من الجواز إلا من حفظها ـ كما رواه مسلم في صحيحه ـ، فليس هناك أدل على عظم قدر الأمانة من كونها تكون بجوارك على الصراط يوم القيامة.
إن الأمانة هي الالتزام بكل ما شُرع من الدين، والالتزام بكل ما اتفق عليه بين الناس من العقود والأعمال. فكلمة الحق أمانة، وإتقان العمل وأداؤه بالشكل المتفق عليه أمانة. لذا، فمن ترك عمله فهو خائن للأمانة، ومن قصَّر فيما طُلب منه فهو خائن للأمانة.
وفي المقابل، إذا طبَّق المسلمون خلق الأمانة فسوف يتغير الحال إلى خير حال، فسنجد كل إنسان يتقن عمله، ويحافظ على كلامه، ويخدم مجتمعه ووطنه، وسوف يظهر هذا في قوة المجتمع وتقدمه وازدهاره على نحو يفخر به كل من انتسب إلى هذا الدين.