عقد مجمع البحوث الإسلامية، مساء اليوم، الثلاثاء، ندوة دِينيَّةً في مدينة البعوث الإسلاميَّة، تحت عنوان: “قضيَّة المولد بين الفرح والاتِّباع”، وذلك ضِمن فعاليَّات الأسبوع الدَّعوي العاشر، الذي تُنظِّمه اللجنة العُليا للدعوة بالمجمع تحت عنوان: (مداد النبوَّة.. سيرة المولد ومنهج القدوة).
جاء ذلك في إطار حملة “فاتَّبِعوه” التي أطلقها المجمع بمناسبة الذِّكرى العطرة لمولد النبي ﷺ، وذلك برعاية الإمام الأكبر د. أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، وبإشراف د. محمد الضويني، وكيل الأزهر، ود. محمد الجندي، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلاميَّة.
وحاضر في الندوة كلٌّ مِن الدكتور حسن يحيى، الأمين العام المساعد للجنة العُليا لشئون الدَّعوة، والدكتور أبو اليزيد سلامة، مدير الإدارة العامَّة لشئون القرآن الكريم بالأزهر، والدكتور أيمن الحجَّار، الباحث بالأمانة العامَّة لهيئة كبار العلماء بالأزهر.
د. حسن يحيى: المولد النبوي شاهد على عظمة الرسالة واستمرار نورها في حياة الأمَّة
وفي كلمته، أكَّد الدكتور حسن يحيى أنَّ احتفال المسلمين بميلاد النبي ﷺ هو تعبيرٌ عن فرحٍ أصيلٍ تسكنه القلوب المؤمنة، يستمدُّ جذوره من الفطرة النقيَّة التي غرسها الله في عباده، وتدفع إليه العقول التي تحرَّرت من قيود الخرافة والضلال، والنفوس التي تهذَّبت بهديه الشريف، والمجتمعات التي وجدت في رسالته رابط وَحدتها وسرَّ قوتها.
وأشار إلى أنَّ هذا الفرح يظلُّ وفاءً عمليًّا لرسول الله ﷺ الذي أرسله الله رحمةً وهدايةً للعالمين، كما يظلُّ استجابةً صادقةً لأمر الله تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا}.
وأوضح د. يحيى أنَّ الأمَّة اليوم أحوج ما تكون لاستعادة هذا المعنى السامي، في زمنٍ تهاوت فيه الفلسفات الوضعيَّة، وفقدت الإنسانيَّة توازنها في خضم الماديَّة الصاخبة؛ ليبقى مولد النبي ﷺ منارةَ أملٍ وطوقَ نجاةٍ يعيد إلى البشريَّة اتزانها من خلال سيرته ﷺ، ويقدِّم لها النموذج الأكمل للرحمة، مصداقًا لقوله تعالى: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}.
وأكد أنَّ الفرح بذِكرى مولد النبي ﷺ إنما هو التزام واعٍ باتِّباع سُنَّته، والاقتداء بهديه، والعمل على نصرة رسالته، ونَشْر نوره في العالمين، كما قال سبحانه: {فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.
د. أبو اليزيد سلامة: الاحتفال بالمولد تجديد للشُّكر على نعمة البعثة وإحياء لمعاني الذِّكر والطاعة
مِن جانبه، أشار الدكتور أبو اليزيد سلامة إلى أنَّ شُكر الله -تعالى- على نعمة بعثة النبي ﷺ هو مِنْ أعظم صُوَر الشُّكر، موضِّحًا أنَّ الرسالة المحمديَّة هي أجلُّ النِّعَم التي امتنَّ الله بها على عباده، إذْ بها أخرجهم مِنَ الظُّلمات إلى النُّور، مشدِّدًا على أنَّ الفرح بالمولد النَّبوي هو شكرٌ عمليٌّ لله -عزَّ وجلَّ- على هذه النِّعمة الكبرى.
وبيَّن د. سلامة أنَّ السَّلف الصَّالح كانت لهم عناية بذِكرى المولد الشريف، فمنهم مَن ارتبطت عنده بالصيام، ومنهم مَن أحياها بالذِّكر والطاعة؛ وهو ما يعكس عُمق مكانة هذه المناسبة في قلوبهم.
ولفت إلى أنَّ صور الاحتفال المشروعة اليوم تتجلَّى في الاجتماع على الذِّكر، وتلاوة القرآن، والإكثار مِنَ الصلاة على النبي ﷺ، والاقتداء بأخلاقه العطرة.
ونوه بأنَّ المولد الشريف مِنْ أيام الله التي تستحقُّ التذكير والتعظيم، كما فعل النبي ﷺ حين صام يوم عاشوراء شُكرًا لله على نجاة موسى عليه السلام.
د. أيمن الحجَّار: المحبَّة الحقيقيّّة لا تكتمل إلا بالاتِّباع الصادق للنبي
في السياق ذاته، قال الدكتور أيمن الحجَّار: إنَّ مِنْ أبرز معاني الهداية في سيرة النبي ﷺ ما كان عليه الصحابة الكرام من سرعة الامتثال لأمره، حتى فيما خالف أهواءهم ورغباتهم؛ إذْ أدركوا أنَّ الاتِّباع الصادق هو سبيل النجاة والفلاح، وأنَّ المحبَّة الحقيقيَّة لا تكتمل إلا بالاستسلام لأوامر الشرع والانقياد لها، مضيفًا أنَّ الأمَّة بحاجة إلى استلهام هذا الدرس العظيم من جيل الصحابة، الذين قدَّموا النموذج العملي لأمَّة متماسكة بالوحي، لا تَحكمها الأهواء ولا تُغريها الشهوات.
وأشار د. الحجَّار إلى أنَّ مظاهر الاتِّباع تتجلَّى في التمسُّك بالسُنَّة النبويَّة في القول والعمل والسلوك، والتحلِّي بأخلاق النبي ﷺ في التعامل مع الناس، والاقتداء به في عباداته ومعاملاته، لافتًا إلى أنَّ الاحتفاء بالمولد النبوي الشريف ينبغي أن يمتدَّ ليكون محطَّةً لمراجعة النفْس ومحاسبتها على مدى التزامها بالمنهج النبوي، بما يجعل هذه الذِّكرى منطلَقًا لتجديد الإيمان وبَعْث الأمل.
ومِنَ المقرَّر أن تتواصل فعاليَّات الأسبوع الدَّعوي العاشر بمدينة البعوث الإسلاميَّة حتى يوم الأربعاء عقب صلاة العصر؛ تتنوَّع فيها المحاور التي تُطرَح خلال النَّدوات واللقاءات الفكريَّة التي يحاضر فيها كِبار علماء الأزهر الشريف؛ إذْ يتأمَّلون في شخصيَّة النبي ﷺ بوصفه فيضَ النَّور وربيعَ القلوب، ويبيِّنون أنَّ الاحتفاء بذِكرى المولد النَّبوي إحياءٌ لمعاني المحبَّة والإيمان، وأنَّ السُّنَّة المطهَّرة منهاجُ حياةٍ يهدي النَّاس سواء السبيل، كما يتوقَّفون عند ملامح المصطفى ﷺ الإنسانيَّة، التي سَمَت فوق بشريَّتها بعصمةٍ وحِفظٍ إلهي، فضلًا عن مناقشة قضيَّة المولد بين الفرح والاتِّباع؛ ليظلَّ الحدث إطارًا جامعًا يذكِّر الأمَّة بسيرته العطرة ﷺ، ويؤكِّد أنَّ في الاقتداء به حياةً للقلوب، ونهضةً للأمم.