اختتم مجمع البحوث الإسلامية، مساء اليوم، فعاليَّات الأسبوع الدَّعوي العاشر، الذي نظَّمته اللجنة العُليا للدعوة في مدينة البعوث الإسلاميَّة، بندوةٍ تحت عنوان: (بين يدَي المصطفى.. بشريَّة ترفَّعت وعصمة حفظت).
جاء ذلك في إطار حملة “فاتَّبِعوه” التي أطلقها المجمع بمناسبة الذِّكرى العطرة لمولد النبي ﷺ، وذلك برعاية الإمام الأكبر د. أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، وبإشراف د. محمد الضويني، وكيل الأزهر، ود. محمد الجندي، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلاميَّة.
وحاضر في الندوة كلٌّ مِن د. عبد الفتَّاح العواري، عضو مجمع البحوث الإسلاميَّة، والدكتور محمود الهوَّاري، الأمين العام المساعد للدَّعوة والإعلام الدِّيني بالمجمع، فيما أدار الندوةَ الشيخ يوسف المنسي، عضو أمانة اللجنة العُليا لشئون الدعوة.
عبد الفتَّاح العواري: النبي ﷺ جمع بين صفاء البشريَّة وكمال الرسالة
وفي كلمته أكَّد د. عبد الفتَّاح العواري أنَّ النبي ﷺ جسَّد كمال القدوة في صورة بشرٍ اصطفاه الله برسالته، فكان يعيش بين الناس حياةً طبيعيَّةً؛ يأكل الطَّعام ويمشي في الأسواق، ويتزوَّج النساء، ويُخالِط النَّاس في أفراحهم وأحزانهم، ويعتريه ما يعتري البشرَ مِنْ صفات الخَلْق والجِبِلَّة، غير أنَّ الله -تعالى- قد أكرمه بنورٍ في بصره وبصيرته، وحَفِظَه بعصمته في الوحي والتبليغ، فارتفع بمكانته عن حدود البشر العاديين؛ ليكون القدوةَ والمَثَلَ الأعلى، ويقدِّمَ للبشريَّة نموذجًا فريدًا يجمع بين صفاء الرُّوح وكمال الرسالة.
محمود الهوَّاري: المحبَّة الصَّادقة للنبي ﷺ لا تنفصل عن الاتِّباع والاقتداء
وأوضح د. العواري أنَّ النبي ﷺ كان معصومًا في أداء الرِّسالة الإلهيَّة؛ ومِنْ ثَمَّ كان الاتِّباع والاقتداء به واجبًا على كلِّ مسلم في شمائله وأحواله ومعاملاته؛ إذْ تتجلَّى إنسانيَّته ﷺ في صورٍ متعدِّدة؛ منها: رحمتُه بأهله، وإحسانُه لجيرانه، ووفاؤُه لأصحابه، وحُسْنُ خُلُقِه مع مخالفيه في الدِّين، فضلًا عن شمائله العظيمة في السِّلم والحرب، والتزامه بالعهود والمواثيق، وحُسْن معاملته للنَّاس على اختلاف طبقاتهم، مع ما عُرف عنه ﷺ مِنْ كَظْم الغيظ، والتواضع الجمِّ، والرحمة العامَّة، مؤكِّدًا أنَّ هذه القِيَم المتكاملة تجعل مِنْ سُنَّته ﷺ منهاجًا واقعيًّا قابلًا للتطبيق في كلِّ زمانٍ ومكان، وتفتح أمام الإنسانيَّة أبواب السعادة الدنيويَّة والأخرويَّة.
ولفت د. العواري إلى أنَّ السيرة النبويَّة المباركة ترسم للناس معارج الكمال الإنساني، وتُهيِّئ لهم طريق الترقِّي في مدارج الفضائل والقِيَم، فتُعلِّمهم كيف يواجهون تحديات الحياة وهم متشبِّعون بروح الإيمان، وكيف يجمعون بين عمارة الدُّنيا والارتقاء بالرُّوح، مبيِّنًا أنَّ الكمال المطلَق الذي لا نَقْصَ فيه قد خُصَّ به النبي ﷺ وحده؛ ليبقى هو القدوةَ الجامعةَ والميزانَ الحقَّ الذي يُقتدَى به، ويُهتدَى بهديه، وتُقاس على أخلاقه سلوكيَّات البشر؛ مصداقًا لقوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}.
مِن جانبه، قال الدكتور محمود الهوَّاري: إنَّ محبَّة النبي ﷺ فريضةٌ شرعيَّةٌ وواجبٌ إيمانيٌّ، تُترجَم عمليًّا في واقع الحياة بالاتِّباع والاقتداء، موضِّحًا أنَّ المحبَّة الحقيقيَّة للنبي ﷺ لا تنفصل عن العمل بهديه، والتمسُّك بسُنَّته، وإحياء سيرته في العبادة والمعاملة؛ لأنَّها محبَّةٌ تُغذِّي القلبَ بالإيمان، وتُزكِّي النَّفْس بالأخلاق، وتجعل المؤمنَ أكثر قُربًا مِنْ رسول الله ﷺ في الدُّنيا والآخرة.
وأشار د. الهوَّاري إلى أنَّ سبب الجفاء الذي يعتري بعضَ النُّفوس تجاه سُنَّة النبي ﷺ إنما يرجع في أصله إلى جهلهم بشخصه الشريف، وعدم معرفتهم بحقيقته، فمَن عَرَف النبيَّ ﷺ عن قُرب، ووقف على شمائله العطرة وأخلاقه الكريمة؛ لم يملك إلا أن يُحبَّه ويوقِّرَه ويتَّخذَ منه قدوةً ومعلِّمًا، أمَّا الذين أعرضوا عن سُنَّته، فإنما أعرضوا لأنَّهم لم يذوقوا حلاوة معرفته، ولم يتأمَّلوا سيرته التي تأسر القلوب، وتفتح أبواب الهداية، مؤكِّدًا أنَّهم لو عَرَفوه حقَّ المعرفة لأحبُّوه، ولو أحبُّوه لاتَّبعوه؛ إذْ لا تنفكُّ المحبَّة الصَّادقة عن الاتِّباع والاقتداء؛ وبذلك يظلُّ حُبُّ النبيِّ ﷺ ميزانًا فارقًا بين إيمان صادق وشعارٍ أجوف لا يجاوز اللسان.
ونفَّذت اللجنة العُليا للدَّعوة بمجمع البحوث الإسلاميَّة فعاليَّاتِ الأسبوع الدَّعوي العاشر بمدينة البعوث الإسلاميَّة تحت عنوان: (مداد النبوَّة.. سيرة المولد ومنهج القدوة)، في إطار مشروعٍ دعويٍّ متكاملٍ استلهم السيرةَ النبويَّة، وربط الحاضر بمقاصدها الخالدة، وقد تناولتِ الندواتُ خلال أيام هذا الأسبوع قضايا متنوِّعةً أبرزتْ قيمةَ الفرحِ المشروعِ بذِكرى المولد الشَّريف، وضوابط الاتِّباع الصَّحيح، وأكَّدت أنَّ سيرة النبي ﷺ ما تزال المنبع الأصيل لبناء الوعي، وتجديد الإيمان، وترسيخ القِيَم التي تقوم عليها وَحدة الأمَّة ونهضتها.