في ليلة حملت الكثير من الرمزية والبذخ الملكي، أقام الملك تشارلز الثالث مأدبة رسمية فاخرة في قاعة سانت جورج بقلعة وندسور، تكريماً للرئيس الأمريكي دونالد ترامب وزوجته ميلانيا، اللذين كانا ضيفي شرف على هذه المناسبة التي جمعت نحو 160 شخصية بارزة من النخبة البريطانية والدولية.
الحدث لم يكن مجرد عشاء رسمي، بل محطة تعكس عمق العلاقات بين بريطانيا والولايات المتحدة، وتستحضر تاريخاً طويلاً من الصراع والتحالف، فيما سرقت السيدة الأولى الأمريكية الأضواء مجدداً بقبعتها الكبيرة التي أثارت نقاشات واسعة عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي.
أجواء ملكية في قلب وندسور
استُقبل الرئيس الأمريكي وزوجته بحفاوة ملكية في القلعة التاريخية، التي تعود قروناً إلى الوراء، حيث بدت الأجواء أشبه بلوحة فنية تجمع بين فخامة الماضي ودبلوماسية الحاضر.
أقيمت المأدبة في قاعة سانت جورج، وهي القاعة الكبرى في القلعة بطول 55.5 متراً وعرض تسعة أمتار، وقد امتدت الطاولة الرئيسية بطول 50 متراً لتسع المدعوين.
الحضور التزموا بالزي الرسمي بدلات بربطات عنق بيضاء للرجال أو الزي الوطني، فيما ارتدت العائلة المالكة الأوشحة والشارات الملكية تقديراً لخدماتهم. وبدأت المراسم في الثامنة والنصف مساءً، حيث تبادل الملك تشارلز والرئيس ترامب الكلمات، ثم تلا ذلك رفع الأنخاب على وقع عزف النشيد الوطني البريطاني.
ترامب والملك تشارلز.. كلمات تؤكد "الرابطة الدائمة"
في كلمته، أشاد الرئيس ترامب بالعلاقات التاريخية بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، معتبراً أنها تمثل ركناً أساسياً من ركائز الاستقرار العالمي. وردّ عليه الملك تشارلز بكلمات ترحيب، مؤكداً أن ما يجمع البلدين اليوم هو "رابطة دائمة بين أمتين عظيمتين"، مستحضراً كيف تحوّل الخصمان اللدودان في الحرب الثورية الأمريكية إلى حليفين استراتيجيين في مختلف القضايا الدولية.
قائمة طعام ملكية بنكهة فرنسية
كالعادة، جاءت قائمة الطعام مكتوبة بالفرنسية، وضمت أطباقاً فاخرة أبهرت الضيوف. البداية كانت مع باناكوتا جرجير هامبشاير مصحوبة ببسكويت الزبدة بالبارميزان وسلطة بيض السمان، تلتها الوجبة الرئيسية: دجاج نورفولك العضوي الملفوف بالكوسة مع صلصة الزعتر.
أما التحلية فجاءت استثنائية: بومبي جلاسيه كاردينال، وهو آيس كريم فانيليا مغطى بسوربيه توت العليق على طريقة كينت، مع برقوق فيكتوريا مسلوق قليلاً.
واختُتمت الأمسية بلمسة تقليدية تعود إلى عهد الملكة فيكتوريا، حيث جاب 12 عازف مزمار القاعة بعزف موسيقي مبهر، ليضفوا لمسة من الأبهة الملكية.
مشروبات من across the Atlantic
تميّزت المأدبة أيضاً بمشروب مبتكر على الطريقة الأمريكية.. كوكتيل "ويسكي ساور" مزين بمارشميلو محمص وبسكويت على شكل نجمة، ليذكّر بأجواء المخيمات الأمريكية وحلوى "سمورز" بجانب الموقد.
لكن المثير أن ترامب، المعروف بتجنبه للكحول، لم يتذوق لا هذا المشروب ولا غيره من المشروبات العتيقة المقدمة.
ميلانيا ترامب.. قبعة تثير الجدل
رغم الطابع الرسمي للمأدبة، خطفت ميلانيا ترامب الأضواء بقبعتها الكبيرة التي أخفت معظم ملامح وجهها. ورغم أن إطلالتها الأنيقة بتوقيع دار "ديور" لفتت الأنظار، إلا أن القبعة كانت محور النقاشات على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث انقسم المتابعون بين من رأى فيها رمزاً للأناقة، ومن اعتبرها إخفاءً متعمداً للوجه.
ميلانيا، البالغة من العمر 55 عاماً، اعتمدت تنورة رمادية داكنة أنيقة، نسّقتها مع قبعة بنفسجية واسعة الحواف، أبقت عينيها مخفيتين في معظم الأحيان. خبراء لغة الجسد رأوا في اختيارها "رسالة مقصودة"، إذ فسرت الخبيرة البريطانية جودي جيمس ذلك بأنه رغبة من السيدة الأولى في "الاختباء" أو في إبراز هالة من الغموض، في حين أكدت أن لغة جسدها في هذه الزيارة بدت أكثر ثقة وحزماً من زياراتها السابقة.
النقاشات على وسائل التواصل
وسائل التواصل الاجتماعي اشتعلت بالتعليقات حول قبعة ميلانيا. كتب أحدهم: "لا يمكنك رؤية نصف وجهها بهذه القبعة، كل ما نراه هو حافتها". بينما قال آخر: "لم أحب إطلالة ميلانيا، القبعة تحجب ملامحها تماماً".
آخرون تساءلوا عن سبب اختيار اللون الداكن، معتبرين أنه يوحي بالجدية وربما الانعزال.
رسالة سياسية أم مجرد أناقة؟
ليست هذه المرة الأولى التي تثير فيها ميلانيا الجدل بقبعاتها. ففي حفل تنصيب زوجها عام 2017، ظهرت بقبعة بحرية عريضة الحواف من تصميم إريك جافيتس، أثارت حينها تكهنات واسعة وصلت حد المزاح بأنها تمنع ترامب من تقبيلها.
جافيتس نفسه صرّح لاحقاً بأن تصميمه كان مقصوداً ليكون "بسيطاً وكلاسيكياً"، مشيراً إلى أنه يعكس "قيماً أكثر تحفظاً" تماشياً مع المرحلة السياسية التي دخلتها الولايات المتحدة آنذاك.
لمسات من الأناقة الملكية
إطلالة ميلانيا لم تقتصر على القبعة، إذ اعتمدت تسريحة شعر أنيقة على شكل كعكة منخفضة، وارتدت حذاءً ذا كعب عالٍ أضاف مزيداً من الرقي لمظهرها.
رافقت زوجها في جولة قصيرة مع الأمير ويليام وزوجته الأميرة كيت في حدائق قلعة وندسور، قبل لقائهما الملك تشارلز الثالث والملكة كاميلا أمام قصر فيكتوريا. اللافت أن ترامب نفسه نسّق ربطة عنقه لتتماشى مع ألوان زي زوجته، في لمحة بدت وكأنها محاولة لإظهار التناغم العائلي أمام الكاميرات.
خلف الأبواب المغلقة.. دبلوماسية المائدة
تؤكد مثل هذه المناسبات أن المآدب الملكية ليست مجرد احتفالات فاخرة، بل رسائل دبلوماسية ناعمة. فبريطانيا تسعى لإبراز مكانتها الدولية من خلال التقاليد الملكية، فيما تحرص الولايات المتحدة على إظهار روابطها القوية مع حلفائها التاريخيين.
المائدة الملكية هنا تتحول إلى ساحة حوار رمزي، حيث يمتزج الطعام الراقي مع الكلمات الدبلوماسية والإشارات البروتوكولية الدقيقة.
المأدبة الملكية في قصر وندسور لم تكن مجرد عشاء فاخر، بل حدثاً يجمع بين السياسة والبروتوكول والتقاليد. ترامب أكد في كلمته على عمق التحالف الأمريكي البريطاني، فيما شدد الملك تشارلز على "الرابطة الدائمة" بين البلدين.
أما ميلانيا ترامب، فقد أعادت عبر قبعتها الكبيرة إشعال الجدل الذي يرافق إطلالاتها دائماً، لتصبح حديث الإعلام والجمهور أكثر من الكلمات الرسمية نفسها.
في النهاية، تبقى مثل هذه المناسبات صورة رمزية عن كيف يمكن للموائد الملكية والأزياء الراقية أن تعكس رسائل سياسية بليغة، لا تقل وزناً عن خطابات القادة أنفسهم.