قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
عاجل
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

نجاة عبد الرحمن تكتب.. المرأة المصرية.. جذور الكرامة وحقوق سبقت العالم

نجاة عبد الرحمن
نجاة عبد الرحمن

شهادة التاريخ لا ادعاء الحاضر.. حين يُطرح ملف حقوق المرأة غالبًا ما يُقدَّم باعتباره نتاج الحداثة أو ضغوط العصر، لكن التاريخ المصري يفرض حقيقة مختلفة تمامًا: المرأة في مصر لم تُمنح حقوقها في لحظة متأخرة، بل وُلدت هذه الحقوق مع الحضارة نفسها. مؤرخون أجانب عاشوا أو زاروا مصر كتبوا بدهشة صادقة ما رأوه، وأكدوا أن المرأة كانت شريكًا كامل الحقوق في المجتمع المصري منذ آلاف السنين، ليست مجرد تابع أو كائن ثانوي.
المؤرخ اليوناني ديودور الصقلي، في كتابه Library of History, قال: «النساء في مصر لهن من الحقوق ما يفوق نساء كل الأمم». تكمن أهمية هذه الشهادة في أن ديودور جاء من مجتمع كانت المرأة فيه محرومة من التملك والمشاركة العامة. عندما شاهد المرأة المصرية تمتلك الأرض، وتدير شؤونها الاقتصادية، وتلجأ إلى القضاء باسمها، وتملك حق الطلاق بإرادتها، لم يجد توصيفًا أدق من هذا الاعتراف الصريح.
هيرودوت، في كتابه Histories, سجّل ملاحظة تكشف حجم الفارق الحضاري: «في مصر، النساء يزاولن التجارة مثلهم مثل الرجال». لم يكن هذا مدحًا ولا نقدًا، بل وصفًا لواقع صادم لعقلية يونانية اعتادت حصر المرأة داخل البيت. المرأة المصرية كانت فاعلة في السوق، حاضرة في النشاط الاقتصادي، تتحرك بحرية واستقلال، وغالبًا كانت تدير شؤون الأسرة الاقتصادية بالكامل.
سترابون، الجغرافي والمؤرخ في العصر الروماني، أكد أن ما كُتب لم يكن روايات منقولة، بل واقعًا شاهده بنفسه. ففي كتابه Geographica, أشار إلى أن النساء في مصر «لا يُحجبن عن إدارة شؤونهن، ولهن حضور في العقود والمواريث». كانت المرأة تحضر العقود، توقّع باسمها، ترث وتُورِّث، دون وصاية أو انتقاص، في زمن كانت فيه هذه الحقوق حلمًا بعيدًا لنساء حضارات أخرى. بلوتارخ، في كتابه Isis and Osiris, وضع الإطار الفكري الأعمق لهذه الظاهرة حين قال إن المصريين «يعزون الحكمة والسلطة لكلا الجنسين، لا فرق بين رجل وامرأة».
نماذج من الملكات اللواتي حكمن مصر عبر التاريخ توضح حجم المسؤولية والحقوق الممنوحة للمرأة، مع تواريخ الحكم:
إيزيس – ملكة مصرية قديمة، رمز الحكمة والقيادة، حوالي 3000 قبل الميلاد.
ميريت نيت – الأسرة الثالثة، حوالي 2700 قبل الميلاد.
خنت كاوس – الأسرة الرابعة، حوالي 2500 قبل الميلاد.
سبك نفرو – الأسرة الخامسة، حوالي 2400 قبل الميلاد.
نيت إقرت – الأسرة السادسة، حوالي 2200 قبل الميلاد.
حتشبسوت – الأسرة الثامنة عشرة، حوالي 1479–1458 قبل الميلاد.
نفرتيتي – الأسرة الثامنة عشرة، حوالي 1353–1336 قبل الميلاد.
تاوسرت – الأسرة التاسعة عشرة، حوالي 1191–1190 قبل الميلاد.
نفرتاري – الأسرة التاسعة عشرة، حوالي 1279–1213 قبل الميلاد.
كليوباترا الثانية – الأسرة البطلمية، حوالي 175–116 قبل الميلاد.
برنيقة – الأسرة البطلمية، حوالي 80–55 قبل الميلاد.
كليوباترا السابعة – الأسرة البطلمية، حوالي 51–30 قبل الميلاد.
شجرة الدر – فترة المماليك، 1250–1257 ميلادية.
حتى النساء غير المصريات مثل كليوباترا الثانية وكليوباترا السابعة وبرنيقة تم منحهن نفس الحقوق القانونية والسياسية التي تمتعت بها الملكات المصريات، وهو ما يوضح أن الحضارة المصرية كانت تمنح المرأة كامل حقوقها بغض النظر عن الأصل أو الجنسية.
مقارنة تاريخية تؤكد فرادة التجربة المصرية: في اليونان القديمة، كانت المرأة محرومة من الحقوق السياسية والاقتصادية، وفي روما، كانت المرأة خاضعة لسلطة الأب أو الزوج، أما مصر فقد منحت المرأة شخصية قانونية كاملة واعتبرتها شريكًا حقيقيًا في المجتمع، وكان هذا جزءًا من الرؤية الحضارية والثقافية المصرية، لا مجرد استثناء عابر.
على مدار التاريخ وحتى العصر الحديث، حاولت بعض الدول التي كانت شعوبها تقيم في الخيام وتتعامل مع المرأة على أنها عورة، فرض قيود على المرأة المصرية و محاولة تشويهها، من خلال تمويل حملات إعلامية وأعمال درامية مسيئة، وإغراق الأسواق بملابس وأزياء بعيدة عن الملامح المصرية والثقافة الأصيلة، بهدف تغيير الملمح الحضاري للمجتمع وتقويض دور المرأة. وقد جاءت هذه المحاولات أحيانًا تحت شعار تمكين المرأة، كحجة للتدخل الخارجي، لكنها في الواقع تهدف إلى فرض أفكار وأنماط حياة غير مصرية.
مصر، منذ فجر التاريخ، أولت المرأة حقوقها الكاملة، قانونيًا واجتماعيًا وسياسيًا، وهي لا تحتاج لمن يذكرها بهذه الحقوق أو ليعلمها ما هو حقها. المرأة المصرية كانت وما زالت شريكًا كامل الحقوق في المجتمع، سواء في عهد الملكات التاريخيات أو النساء العاديات في مختلف مراحل التاريخ.
اليوم، حين تطالب المرأة المصرية بحقوقها في التعليم والعمل والمشاركة السياسية والاجتماعية، فهي تستعيد ميراثًا حضاريًا أصيلًا يعود إلى آلاف السنين. جذور الكرامة التي زرعتها الملكات المصريات والنساء العاديات على حد سواء لم تتأثر بمحاولات التشويه أو القيود المفروضة من الخارج، بل استمرت عبر الأجيال لتؤكد أن مصر لا تحتاج لمن يذكرها بحقوق المرأة.
المرأة المصرية المعاصرة، التي تتبوأ مناصب قيادية في التعليم والصحة والسياسة، تشكل استمرارًا طبيعيًا لهذا الإرث الحضاري العميق، وتثبت أن الكرامة والحرية والحقوق ليست هبات، بل إرث حضاري أصيل، ولن تستطيع أي حملات خارجية أو تمويلات مسيئة أن تغيّر هذا الواقع.