شكّلت قضية الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية أحد أعقد الملفات في الصراع العربي – الإسرائيلي. فما يجري اليوم يختلف تمامًا عمّا كان بالأمس؛ فالاعتراف بفلسطين لم يعد مجرّد موقف رمزي أو خطوة دبلوماسية معزولة، بل أصبح مسارًا متسارعًا يفرض نفسه على الموقف الدولي وعلى الضمير الإنساني، ويضع تل أبيب أمام إشكالية غير مسبوقة.
أوروبا، التي طالما عُرفت بترددها، بدأت تفتح أبواب الاعتراف تدريجيًا. هذا التحول لا يعني دعمًا معنويًا للفلسطينيين فحسب، بل يُقرأ في سياق تغيّر قواعد اللعبة داخل المؤسسات الدولية، وعلى رأسها الأمم المتحدة، حيث يزداد الضغط لمنح فلسطين عضوية كاملة، وهو ما سيُحرج الولايات المتحدة الأمريكية نفسها إذا ما أصرت على استخدام حق النقض "الفيتو" لحماية إسرائيل.
لكن ماذا يعني هذا الاعتراف بالنسبة لإسرائيل؟ من دون شك، فإنه يضرب واحدة من أهم ركائز استراتيجيتها التاريخية، وهي احتكار الشرعية. إسرائيل لطالما قدّمت نفسها للعالم باعتبارها الدولة الوحيدة الشرعية بين النهر والبحر، في مقابل تصوير الفلسطينيين ككيان بلا هوية سياسية. أمّا الآن، فالمعادلة تنقلب؛ فالاعتراف بفلسطين يكرّس واقعًا جديدًا يتشكّل، حيث هناك شعب له أرض ودولة معترف بها، في مواجهة قوة احتلال تصرّ على إنكار الحقائق.
الأهم بالنسبة لإسرائيل أن هذا المسار لا يقتصر على الجانب الرمزي؛ فمع كل اعتراف جديد، تتّسع دائرة المقاطعة السياسية والقانونية، ما يفتح الباب أمام ملاحقة دولية وعقوبات اقتصادية محتملة، وتآكل شبكة التحالفات التي شكّلت مظلّة حامية لتل أبيب.
أما فلسطين، فهي تدرك تمامًا أن الاعتراف وحده لا يكفي، لكنه يوفّر أداة ضغط جديدة ويمنحها ورقة قوية على طاولة المفاوضات المستقبلية – إن وُجدت.
أخيرًا، الاعتراف بفلسطين يعني أن العالم بدأ يرى المشهد بعيون مختلفة؛ فلم يعد الأمر نزاعًا بين طرفين غير متكافئين، بل صراعًا بين دولة محتلة ودولة تولد تدريجيًا باعتراف المجتمع الدولي. وبالنسبة لإسرائيل، فإن هذا التحول ليس مجرد صراع دبلوماسي، بل إنذار استراتيجي قد يغيّر شكل وهوية الصراع لعقود قادمة.