في مشهد فني مثير يشبه أفلام الجريمة الغامضة، أعلنت السلطات الإسبانية عن العثور على لوحة نادرة للفنان العالمي بابلو بيكاسو كانت قد اختفت في ظروف غامضة أثناء نقلها من العاصمة مدريد إلى مدينة غرناطة. اللوحة، التي تُقدّر قيمتها التأمينية بـ 600 ألف يورو (نحو 700 ألف دولار)، كانت في طريقها للمشاركة في معرض فني ضخم، قبل أن تختفي فجأة وتثير حالة من القلق في الأوساط الثقافية الإسبانية والعالمية.
تفاصيل اللوحة المفقودة
العمل الفني النادر الذي يحمل عنوان "طبيعة صامتة مع جيتار" يعود إلى عام 1919، وقد استخدم بيكاسو في رسمه ألوان الجواش والقلم الرصاص، في أسلوب يعكس ملامح مرحٍ فنيٍ من حياته في باريس. اللوحة الصغيرة الحجم إذ لا يتجاوز طولها 5 بوصات وعرضها 4 بوصات كانت مملوكة لأحد جامعي التحف الخاصة، واشتراها عام 2009 من دار مزادات "جورون-ديريم" في باريس مقابل 60 ألف يورو فقط، قبل أن ترتفع قيمتها لاحقًا بشكل كبير.
وكان من المقرر أن تُعرض ضمن أكثر من 50 عملاً فنياً في معرض تنظمه مؤسسة كاخا غرناطة تحت عنوان "طبيعة صامتة: خلود الجمود"، إلا أن اللوحة لم تصل قط إلى وجهتها.
لغز الاختفاء.. من مدريد إلى غرناطة
في الثالث من أكتوبر، انطلقت شاحنة تحمل مجموعة من الأعمال الفنية من مدريد إلى غرناطة، لكن عند وصولها إلى مقر المؤسسة، لاحظ المنظمون أن بعض الطرود لم تكن مرقّمة بشكل صحيح، ما جعل عملية الفحص الأولي صعبة. ورغم ذلك، تم التوقيع على استلام الشحنة وعادت الشاحنة وطاقمها إلى مدريد.
بعد عطلة نهاية الأسبوع، وأثناء تفريغ الصناديق بالكامل، فوجئ الموظفون باختفاء لوحة بيكاسو. وعلى الفور، تم إبلاغ الشرطة التي شرعت في التحقيق، فيما أظهرت كاميرات المراقبة عدم حدوث أي خرق أمني أو دخول غير مصرح به خلال تلك الفترة.
تحقيقات موسّعة وتحليل جنائي
أكدت الشرطة الإسبانية في بيان على منصة X أن اللوحة "ربما لم تصل إلى شاحنة النقل من الأساس"، مشيرة إلى أن لواء التراث التاريخي لا يزال يحتفظ بالقضية مفتوحة لإجراء تحليل جنائي شامل للعمل.
وفي تطور لاحق، تولت وحدة مكافحة السرقة في غرناطة مسؤولية التحقيق، معتبرة أن موقع السرقة الفعلي قد يكون في الجنوب الإسباني، وليس في العاصمة.
من جانبها، أكدت مؤسسة كاخا غرناطة تعاونها الكامل مع السلطات، قائلة: "لقد وضعنا أنفسنا في خدمة المحققين، ونثق تمامًا بأن القضية ستُحل في أقرب وقت ممكن."
بيكاسو.. هدف دائم لعصابات الفن
سُجلت لوحة Still Life With Guitar رسميًا في قاعدة بيانات الإنتربول العالمية للأعمال الفنية المسروقة، في خطوة تهدف لتضييق الخناق على أي محاولة لبيعها في السوق السوداء.
وتُعد هذه الحادثة امتدادًا لسلسلة من السرقات التي طالت أعمال بيكاسو عبر العقود، إذ سُرقت أعماله في أعوام 1976 و1989 و2007، بينما تمكنت الشرطة البلجيكية العام الماضي من استعادة لوحتين مفقودتين له بعد مطاردة طويلة.
عودة الفن بعد الغياب
رغم استعادة اللوحة هذه المرة، يبقى اللغز قائماً حول كيفية اختفائها ومن المسؤول عن تسريبها أو التلاعب في عملية النقل.
القضية لم تكشف فقط عن هشاشة أمن المعارض الفنية، بل أعادت إلى الواجهة قيمة الفن الخالدة وخطورة الاتجار غير المشروع به.
ففي النهاية، تظل أعمال بيكاسو أكثر من مجرد لوحات؛ إنها قطع من التاريخ الإنساني لا تقدر بثمن، وأي محاولة للمساس بها تعد جريمة بحق الذاكرة الثقافية للعالم.