قال الدكتور أسامة فخري الجندي، مدير شئون المساجد بوزارة الأوقاف، إن الحديث عن الحضارة لا يمكن أن ينفصل عن ذكر مصر، فهي الأرض التي شهدت ميلاد أقدم حضارات العالم، وبقيت عبر العصور عنوانًا للأصالة والتجدد في الوقت نفسه.
وأوضح أن مفهوم الحضارة في جوهره لا يُقاس فقط بما شيدته الأيدي من مبانٍ أو بما أبدعته العقول من اختراعات، وإنما بما يرتقي إليه الإنسان في فكره وسلوكه وتعاملاته مع خالقه ومع مجتمعه ومع الكون الذي يعيش فيه.
وخلال لقاء تلفزيوني أشار الدكتور الجندي إلى أن الحضارة في أبسط تعريفاتها هي ثمرة الجهد الإنساني في بناء حياة راقية، حيث يجتمع فيها الإبداع المادي مع النضج القيمي والروحي، مؤكدًا أن هذا المعنى العميق يجسد التكامل بين العلم والعمل، بين الصناعة والمعرفة، وبين العدالة والرحمة واحترام الإنسان كقيمة عليا في المجتمع.
وبين أن أي حضارة حقيقية تقوم على ثلاثة أسس لا غنى عنها، أولها الإنسان الواعي الذي يدرك رسالته في هذا الكون ويعرف أن وجوده ليس عبثًا بل لتحقيق غاية سامية، وثانيها القيم والأخلاق التي تُعد البوصلة التي توجه سلوك الفرد نحو البناء والإتقان والابتكار، وثالثها العلم والمعرفة والبحث الدائم الذي يحول الأفكار إلى إنجازات واقعية تنهض بالأوطان.
وأضاف أن هذه الركائز الثلاث قد تجسدت في الشخصية المصرية منذ فجر التاريخ، فالإنسان المصري بطبيعته قادر على أن يوازن بين الإيمان والعقل، بين التقاليد المتجذرة في التاريخ وروح التجديد التي لا تتوقف، لافتًا إلى أن مصر عبر العصور كانت وما زالت مركز إشعاع حضاري للعالم كله، بما تمتلكه من تراث إنساني وقيمي وروحي فريد، يجعلها رمزًا للعطاء المتجدد والحضارة المستمرة.
وأكد الدكتور أسامة فخري الجندي في ختام حديثه أن الحضارة ليست مجرد ماضيٍ يُروى أو آثار تُعرض، بل هي مسيرة متواصلة من العمل والعلم والإبداع الإنساني، ومصر كانت دائمًا في مقدمة هذه المسيرة، تمد العالم بنورها، وتبرهن أن الإنسان هو حجر الأساس في أي بناء حضاري راقٍ.

