قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

محمد مندور يكتب: الموسوعة العربية الشاملة.. حكاية الشارقة والأمن المعرفي

محمد مندور
محمد مندور

نعيش حاليا في زمن تتزاحم فيه الأصوات وتتسارع فيه الخطوات نحو التطور الرقمي والذكاء الاصطناعي ونواجه فيه تحديات كثيرة ثقافية ومعلوماتية. لكن من حسن طالع هذا الجيل ان يشهد إطلاق مشروع ثقافي استثنائي يطل علينا من الشارقة.. هذا المشروع من وجهة نظري يعيد ترتيب الذاكرة العربية والأمن المعرفي العربي على أسس العلم والمعرفة.. إنه إعلان صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، عن الانتهاء من المرحلة الأولى من "الموسوعة العربية الشاملة في العلوم والآداب والفنون والأعلام"، وذلك خلال الدورة الـ44 من معرض الشارقة الدولي للكتاب.

ذلك الإعلان لم يكن مجرد خبر بل لحظة تأسيس مشروع جديد في تاريخ الثقافة العربية تنقلنا من عصر التشتت المعرفي والأخطاء التوثيقية إلى عصر التوثيق الشامل الدقيق .

يرتبط هذا الاعلان بحدث آخر مهم .. فمنذ قرن كامل حين تأسست أول مكتبة في الشارقة عام 1925 اختارت إمارة الشارقة أن تجعل من الكتاب بوابة للمستقبل ومن الثقافة جسرا للتنمية والهوية. واليوم تأتي الموسوعة العربية لتتوج هذا المسار بوصفها مشروعا علميا ثقافيا بحجم الأمة كلها.. مشروع يحمل على عاتقه مهمة تعريف العلوم والمصطلحات وتوثيق سير العلماء والأدباء والفلاسفة الذين أسهموا في بناء الحضارة العربية والإسلامية.. بل والإنسانية جمعاء.

الحقيقة أن هذه الموسوعة لا تقتصر على جمع المعلومات فقط بل هي محاولة لإعادة بناء الوعي العربي على أسس من المعرفة الدقيقة.. بعيدا عن التجزئة والسطحية التي لحقت بالكثير من منابعنا المعرفية الحديثة. فهي تضع بين أيدي الباحثين والطلاب والمفكرين مرجعا علميا موثوقا.. يربط الماضي بالحاضر.. ويعرف الأجيال الجديدة بميراثها الحضاري والفكري بلغة علمية رصينة وتوثيق أكاديمي لا يترك للمعلومات المغلوطة موطئ قدم في خضم انتشار المعلومات المزيفة خاصة في العالم الرقمي.

من وجهة نظري ان هذا المشروع الضخم تتجلى فيه فلسفة الشارقة الثقافية كما أرادها حاكمها العالم المثقف سمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي .. تلك الفلسفة القائلة إن المعرفة ليست ترفا بل مسؤولية وان الثقافة لا تزدهر إلا حين تجد من يحميها من النسيان. وبالتالي تأتي هذه الموسوعة بوصفها هوية ثقافية تعيد الاعتبار للغة العربية بوصفها لغة العلم والفكر والتاريخ.

المشروع أيضا يحمل بعدا استراتيجيا في زمن تتنازع فيه الأمم على سردياتها. ففي حين تكتب الشعوب المتقدمة تاريخها بأقلامها، ظل التاريخ العربي والإسلامي لعقود طويلة يروى من منظور الآخر. لكن الحمد لله الذي نرى فيه اليوم الذي تعيد فيه الشارقة هذا الحق لأصحابه وتقول بوضوح.. إن الأمة التي لا تكتب معرفتها بيدها ستكتب عنها بما لا يليق بها.

ومن المؤكد أيضا ان إطلاق هذه الموسوعة يتجاوز حدود الثقافة إلى مجال الأمن المعرفي.. فهي تسهم في توطين المعرفة وتمنح الأجيال القادمة أدوات الفهم والتحليل وتعيد الاعتبار لقيم البحث والتأمل في زمنٍ تطغى فيه المعلومات السطحية. إنها ببساطة مشروع أمة.. لا مشروع إمارة أو دولة فقط.

فهنيئا للعرب امتلاكهم مرجعهم الموسوعي الجامع لكي يعيدوا صياغة صورتهم الحضارية بأيديهم، فالعالم الآن أحوج ما يكون إلى صوت عربي عقلاني يوثق لا يردد.. يفكر لا يقلد.

فالكتاب ليس غاية في ذاته بل وسيلة لإحياء الأمة من جديد.