قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
عاجل
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

منى أحمد تكتب: بلد الأبطال

منى أحمد
منى أحمد

في عام 1956، خطّت بورسعيد بدمائها ملحمةً خالدة، جسّدت أسمى معاني الإباء في مواجهة أعتى القوى الاستعمارية  إنجلترا وفرنسا وإسرائيل ، واليوم وبعد مرور 69 عاماً  لا يزال صمود المصريين وأهالي بورسعيد في وجه العدوان الثلاثي، شاهداً على تضحياتٍ سُطرت دفاعاً عن الكرامة ، ووقوفاً في وجه مؤامرة نسجتها الأطماع الدولية لعرقلة حلم الزعيم جمال عبد الناصر،  لتثبيت أركان الدولة المستقلة  وتقويض طموحاته  في بناء دولة قوية بعد اتفاقية الجلاء، وعرقلة مشروعه الأبرز السد العالي الذي كان يهدف ليكون ركيزة البناء الوطني عقب رحيل الاحتلال البريطاني مباشرة.

وبالفعل سعت مصر للحصول على تمويل من البنك الدولي لتشييد السد العالي، الذي مَثّل حجر الزاوية في تطلعاتها لتحقيق طفرة تنموية شاملة، وجاء هذا الطلب عقب اعتذار الولايات المتحدة عن التمويل، ليقابل البنك الدولي الرغبة المصرية بالرفض أيضاً، في محاولة صريحة للضغط السياسي رداً على دعم القاهرة لحركات التحرر الوطني واتجاهها للتسلح من الاتحاد السوفيتي.

وأمام هذا الحصار الاقتصادي، اتخذ الزعيم جمال عبد الناصر قراراً مصيرياً أعلنه من ميدان المنشية بتأميم قناة السويس، لضمان سيادة الدولة على شريانها الملاحي وتسخير عوائده لتمويل مشروع السد العالي .
كان قرار التأميم بمثابة زلزال سياسي واقتصادي هز أركان القوى العالمية، فقد كانت القناة لبريطانيا بمثابة "حبل الوريد" الذي يربطها بمستعمراتها في الهند والشرق، وممرًا لـ 70% من أسطولها، ومصدراً استثمارياً بامتلاكها 40%  من أسهمها. ولم تكن فرنسا بمنأى عن هذه الخسارة، وهي التي أدارت القناة لعقود، وارتبطت مصالح ربع مليون من مواطنيها بعوائد أسهمها، مما جعل من التأميم إنهاءً لعهد من الهيمنة الثنائية."
وتوحّدت أهداف كل من بريطانيا وفرنسا، اللتين تجرعتا مرارة سياسات ناصر التحررية، بهدف إعادة تشكيل الخارطة الاستعمارية للمنطقة،  انضمت إليهما إسرائيل التي أثارت حفيظتها سياسات مصر الداعمة للقضية الفلسطينية وتوقيعها اتفاقيات تسليح مع الاتحاد السوفييتي، مما اعتبرته تل أبيب تهديداً مباشراً لتفوقها العسكري في المنطقة.

تلاقت مقاصد الدول الاستعمارية الثلاث، وتم وضع خطة لاستخدام القوة العسكرية لتنفيذ مؤامرة بدأت فصولها بمهاجمة القوات الإسرائيلية للحدود المصرية في 29 أكتوبر 1956، والتقدم نحو قناة السويس ، وأصدرت بريطانيا وفرنسا إنذاراً كاذباً لكل من مصر وإسرائيل، مطالبين بانسحاب القوات عشرة كيلومترات عن القناة، وقبول وجود قوات بريطانية فرنسية لحماية الملاحة.

رفضت مصر هذا الإنذار المهين، لتشن القوات الإنجليزية والفرنسية هجوماً واسعاً على منطقة القناة بالتنسيق مع إسرائيل، وهنا بدأت الملحمة الشعبية البطولية لأهالي بورسعيد، تحت الإشراف المباشر للرئيس جمال عبد الناصر، الذي كلّف كلا من  زكريا محيي الدين، وكمال الدين حسين، وصلاح سالم بقيادة المعركة والدفاع عن الوطن.
وفي بورسعيد انحنى التاريخ إجلالاً لملحمة شعبية قهرت المستحيل، بعد معركة بطولية تجاوزت مقاييس الزمان والمكان، فرغم الاختلال الصارخ في موازين القوى، صمدت المدينة أمام أكثر من 800 غارة جوية وقصف بحري مدمّر تمهيداً للإنزال البري .
وبإرادة لا تلين، واجه المدنيون الدبابات بصدور عارية وأسلحة بدائية بسيطة وكمائن محكمة العدوان الثلاثي ، مشكلين نسيجاً وطنياً فريداً انصهرت فيه وتوحدت سواعد العمال والطلبة مع بنادق الجنود والضباط في سمفونية صمود وطنية، وسقط 1700 شهيد كانوا الثمن المستحق لسيادة لم تفرط فيها مصر.

واستمر النضال  53 يوماً بثبات، واستبسال اسطوري، وتحت وطأة الضغوط الدولية والتهديدات السوفيتية، انكسر العدوان واضطرت قواته للانسحاب  وبقيت بورسعيد شامخة.
23 ديسمبر زلزل أركان الإمبراطوريات القديمة وغير وجه الشرق الأوسط ، وكان إعلاناً لميلاد فجر جديد ، حققه نصر سياسي ودبلوماسي باهر للقيادة المصرية الممثلة في الزعيم جمال عبد الناصر. 

بورسعيد ستظل قصتها رمزاً للمدينة الباسلة التي لا تعرف الانكسار ، فلم تكن مجرد مدينة بل كانت كلمة السر التي لم تنحن أبداً للعاصفة  و الصخرة التي انكسرت عليها أطماع الهيمنة البريطانية والفرنسية وتغير بها ميزان القوي العالمي.