لم تعد جرائم الاعتداء على الأطفال مجرد حوادث فردية تهز الرأي العام لفترة عابرة، بل تحولت إلى ظاهرة تستدعي الوقوف أمامها بجدية، خصوصًا بعد ظهور وقائع متتالية، كان أحدثها قضية الطفلة أيسل عمرو، التي هزت مشاعر المصريين بعد وفاتها إثر تعرضها للاعتداء داخل حمام سباحة على يد طفل يبلغ من العمر 15 عامًا.
ومع انتشار تفاصيل الواقعة، عاد الجدل القديم–الجديد حول مدى قدرة قانون الطفل على ردع القُصّر الذين يرتكبون جرائم بالغة الخطورة.
هذه الحادثة وما سبقها من وقائع مشابهة كشفت عن فجوة واضحة بين ما يفرضه القانون وما يعيشه المجتمع، ما أثار سؤالًا محوريًا: هل ما زالت المنظومة القانونية تراعي واقع الجريمة اليوم؟ أم أن الوقت حان لإعادة النظر في قواعد المسؤولية الجنائية للأحداث؟
_825_025326.jpg)
والدة الطفلة أيسل
ومن جانبها، كشفت سامية كامل، والدة الطفلة أيسل عمرو، عن تفاصيل جديدة للواقعة المأساوية التي تعرضت لها ابنتها داخل أحد حمامات السباحة في قرية سياحية بالعين السخنة.
وقالت والدة الطفلة: "الواقعة حدثت في أغسطس 2023، ورجعت أتحدث عنها مجددًا بعد حادثة التلاميذ في المدرسة الدولية التي تعرضوا للاعتداء. كنا في المصيف بشاليه صديقتي في العين السخنة، وكانت أيسل تلعب أمامي في المسبح".
وأضافت في تصريحات لـ، “صدى البلد”: "أختها طلبت مني مساعدتها لغسل يديها، وفي تلك اللحظة لاحظت وجود ولد يراقب أيسل. كان مظهرها الملفت له شعرها الكيرلي الطويل وجمالها الطفولي".
وتابعت: "فجأة، وعندما قفزت أيسل لأخذ أختها، قام الولد بشدها تحت الماء، ما أدى إلى توقف تنفسها ومقتلها تقريبًا فورًا".
وأوضحت الأم: “لاحظنا بعد ذلك إصابة أيسل في مفصل الركبة، وطلب وكيل النيابة من الطبيب الشرعي إعادة الكشف عليها، حيث تبين وجود كدمات زرقاء على شفايفها”، وتابعت: "اكتشفنا أيضًا أنها تعرضت للاعتداء الجنسي، وأن الولد كتم نفسها تحت الماء مما تسبب في إصابتها بسكتة قلبية".
ووصفت الألم المستمر الذي يثقل قلبها منذ الحادثة، مشيرة إلى أن ما حدث أصبح ذكرى موجعة تطاردها كلما أغمضت عينيها، وأنها تبحث اليوم عن صوت يصل إلى المسؤولين، لعل أحدهم يفتح باب العدالة ليس فقط لابنتها، بل لكل طفل قد يواجه مصيرًا مماثلًا.
تصاعد جرائم الاعتداء والتحرش بالأطفال
شهدت السنوات الأخيرة زيادة مقلقة في الجرائم التي يرتكبها قُصّر لم يصلوا بعد إلى سن البلوغ القانوني، لكنها جرائم اتسمت بالقسوة والتخطيط المسبق، مثل القتل العمد، الاغتصاب، التنكيل، والتمثيل بالجثث. وبات بعضها ينافس في بشاعته جرائم يرتكبها بالغون راشدون، الأمر الذي وضع المجتمع أمام معضلة أخلاقية وقانونية معقدة.
الحوادث ليست جديدة، لكنها كانت تُصنف يومًا تحت بند «اندفاع المراهقة» أو «طيش غير مكتمل الوعي». لكن ما تكشفه التحقيقات في وقائع عديدة اليوم يظهر أن بعض الأحداث يتحركون بعقلية إجرامية واضحة، ووعي كامل بما يفعلونه، بل ومحاولة إخفاء آثار الجريمة أو التخطيط الدقيق لها قبل وقوعها.
هذه الخلفية المعقدة جعلت أصواتًا قانونية تطالب بمراجعة التشريعات الحالية، وعلى رأسهم المحامي بالنقض أشرف ناجي الذي أكد أن حجم الجرائم وطبيعتها لم يعد يتناسب مع الإطار العقابي المحدود الذي يمنحه القانون للأطفال الجناة.
القانون الحالي: حماية للطفل أم فجوة تُضعف العدالة؟
وفقًا للمادة (111) من قانون الطفل رقم 12 لسنة 1996، فإن الحدث الذي يتراوح عمره بين 15 و18 عامًا لا يجوز الحكم عليه بالإعدام أو السجن المؤبد أو السجن المشدد. كما لا يجوز أن تتجاوز العقوبة في أقصى حالاتها 15 عامًا فقط، مهما كانت الجريمة التي ارتكبها.
منطق المشرّع وقتها كان واضحًا: الطفل غير مكتمل التمييز، وقد لا يدرك تمامًا أثر أفعاله. لكن هذا المنطق يبدو اليوم محل نقاش كبير. فكما يقول المحامي أشرف ناجي:
"هل يكفي أن يكون الجاني 15 عامًا كي ينجو من الإعدام والمؤبد؟ هل يُعقل أن يرتكب حدث جريمة قتل أو اغتصاب ثم يخرج إلى المجتمع في سن الثلاثين وكأن شيئًا لم يكن؟"
الواقع العملي يكشف أن بعض الأحداث يمتلكون وعيًا جنائيًا كاملًا، ويخططون لجرائمهم ويخفون أدلتها، وهو ما يشير إلى خطورة إجرامية تتجاوز ما يسمح به القانون لمعاملتهم كـ«أطفال».
وهنا يظهر السؤال الأكبر: هل القوانين الجامدة لا تزال قادرة على تحقيق العدالة؟
فالمجتمع، كما يرى البعض، بات يشعر بأن النظام العقابي لا يوفر الردع الكافي، وأن حماية الأطفال الضحايا تتطلب تشددًا أكبر.
مقترحات لتعديل قانون الطفل لمواجهة الجرائم الخطيرة
مع تصاعد الجدل، طُرحت عدة مقترحات لتحديث القانون بما يتناسب مع طبيعة الجرائم الجديدة، وجاءت أبرزها كالتالي:
1 – استحداث فئة قانونية جديدة باسم "الحدث شديد الخطورة"
وتُطبّق على الأحداث الذين يرتكبون جرائم:
- القتل العمد
- الاغتصاب وهتك العرض
- الخطف المقترن باعتداء جنسي
- الجرائم التي تتسم بالسادية أو التخطيط المسبق أو القسوة المفرطة
وتعامل هذه الفئة بإجراءات وعقوبات تتجاوز الإطار التقليدي لتقويم الأطفال.
2 – رفع الحد الأقصى للعقوبة إلى 20 أو 25 عامًا
على أن يُسمح بمدّ مدة الإيداع الإصلاحي لما بعد سن 21 عامًا، بناءً على تقارير نفسية وسلوكية معتمدة، لضمان عدم خروج الجاني للمجتمع قبل التأكد من قابليته للإصلاح.
3 – السماح للمحكمة بمحاسبة الحدث كالبالغ
وذلك إذا تجاوز 16 عامًا وثبت علميًا، وفق تقارير نفسية واجتماعية وطبية، أنه ذو إدراك كامل بنتائج أفعاله وأنه يتحمل مسؤولية جنائية كاملة.
4 – إنشاء لجان متخصصة لتقييم "الخطورة الإجرامية"
تتكون من:
أخصائيين نفسيين
خبراء اجتماعيين
متخصصين في سلوكيات الأطفال
ممثلين عن النيابة
وتتم متابعة الحدث داخل دور الرعاية بشكل دوري لتقييم مدى قابليته للإصلاح قبل التفكير في الإفراج عنه.
قضية الطفلة أيسل، وغيرها من القضايا المشابهة، ليست فقط قصصًا مأساوية تُثير الغضب، بل رسائل واضحة بأن المجتمع يقف أمام لحظة فاصلة. واقع الجريمة تغيّر، وسلوك بعض الأحداث لم يعد يُشبه ما وضع المشرع من أجله قانون الطفل قبل نحو ثلاثة عقود.
ومع اتساع الفجوة بين نص القانون وخطورة الجرائم، يصبح السؤال ملحًا: هل يستمر القانون كما هو؟ أم أن الوقت قد حان لتطوير منظومة عقابية أكثر عدلًا، وأكثر قدرة على حماية الأطفال والمجتمع؟
التعديلات المطروحة ليست دعوة للتشدد بقدر ما هي دعوة لإعادة التوازن بين الحق في الرعاية والحق في العدالة، حتى لا يخرج المجتمع بعد كل جريمة بشعور واحد: أن العقاب لم يكن كافيًا، وأن الجريمة كانت أكبر بكثير من قدرة القانون على احتوائها.