تحلّ علينا اليوم ذكرى رحيل المخرج الكبير نادر جلال، أحد أبرز صُنّاع السينما المصرية وأهم مخرجيها، وصاحب البصمة الواضحة في تاريخ أفلام الحركة والإثارة، والذي ترك وراءه إرثًا فنيًا يمتد لأكثر من نصف قرن.
وُلِدَ نادر جلال في 29 يناير 1941 وسط عائلة فنية خالصة شكّلت وعيه الفني منذ سنواته الأولى؛ فهو ابن المخرج الراحل أحمد جلال، ووالدته هي الممثلة والمنتجة الرائدة ماري كويني، وخالته المنتجة الكبيرة آسيا داغر.. في هذا البيت السينمائي العريق فتح عينيه على عالم الكاميرات والإضاءة والديكور، وعاش سنوات طفولته يتنقل بين استديوهات التصوير، ما جعله يرى الفن طريقه الطبيعي.
بدأ نادر جلال مسيرته وهو طفل ممثل، فشارك في عدة أفلام من بينها "ابن النيل" ليوسف شاهين عام 1951، " ضحيت غرامي" و"أميرة الأحلام".
لكنّ تجاربه الأولى أمام الكاميرا لم تُرض طموحه، بل جعلته يدرك مبكرًا أن التمثيل ليس طريقه خاصة بعد تجربة مدرسية وقف فيها صامتًا أمام الجمهور، فكان الإخراج هو الباب الذي اختاره ليعبر منه إلى عالمه الحقيقي، ورغم شغفه المبكر، واجه رفضًا من والدته للالتحاق بمعهد السينما قبل الحصول على شهادة جامعية، ليلتحق بكلية التجارة ويحصل على البكالوريوس عام 1963، ثم ينتسب بعدها للمعهد العالي للسينما ويحصل على دبلوم الإخراج عام 1964.
بدأ رحلته المهنية كمساعد مخرج في منتصف الستينات مع كبار المخرجين" حسن الصيفي"، "صلاح أبو سيف"، "يوسف شاهين"، و"توفيق صالح"، وعمل على أفلام مهمة مثل: " الشقيقان"، "مبكى العشاق والمتمردون"، و"يوميات نائب في الأرياف" .
في هذه المرحلة اكتسب أدواته الأولى، وصقل رؤيته الفنية، وبدأ يلفت الأنظار بقدرته على تنظيم مشاهد الحركة وتكوين الكادرات الصعبة.
كانت انطلاقته الحقيقية عام 1971 حين قدم الفيلم الروائي القصير "هاشم وروحية"، ثم أنتجت له والدته أول أفلامه الروائية الطويلة " غدًا يعود الحب" بطولة نور الشريف ونيللي، والذي حقق نجاحًا لافتًا وفاز بجائزة من المركز الكاثوليكي.
بعدها توالت الأفلام ليقدم خلال مسيرته أكثر من 50 فيلمًا، ويصبح واحدًا من أهم مخرجي الأكشن في تاريخ السينما المصرية، مثّل فيلم" بدور" نقطة تحول في حياته، إذ حقق نجاحًا جماهيريًا كبيرًا وأكد قدرته على الجمع بين الدراما والإثارة.
كما شكّل ثنائيات ناجحة مع عدد من النجوم، أبرزهم "الزعيم عادل إمام" الذي جمعه به 11 فيلمًا من بينها: "سلام يا صاحبي"، "جزيرة الشيطان"، "5 باب"، "واحدة بواحدة"، "الإرهابي"، "الواد محروس بتاع الوزير"، "رسالة إلى الوالي"، و "بخيت وعديلة".
وفي الوقت ذاته، كان له ثنائي استثنائي مع نادية الجندي، شاركها مجموعة واسعة من أفلام الأكشن والإثارة مثل "مهمة في تل أبيب"،"48 ساعة في إسرائيل"،" الإرهاب"، "عصر القوة"،" شبكة الموت"، ملف سامية شعراوي" ، "امرأة هزت عرش مصر"، و "أمن دولة".
لم تقتصر مواهبه على الإخراج، فقد كتب سيناريوهين فقط خلال مشواره، هما "بدور"، "واحدة بواحدة" لكنه اعترف بصعوبة الجمع بين الكتابة والإخراج، وأن كتابة السيناريو كانت تستغرق منه وقتًا طويلًا، ما دفعه للتوقف عن هذا الاتجاه.
ومع بدايات الألفية، اتجه نادر جلال بقوة إلى التلفزيون بعد سنوات طويلة من العزوف عنه، بسبب رفضه سابقًا لفكرة التنازلات والجودة الضعيفة. لكن مع تغيّر شكل الإنتاج، قدم مجموعة من الأعمال التي أصبحت علامات درامية بارزة منها : "الناس في كفر عسكر" ، "عباس الأبيض في اليوم الأسود" ، "درب الطيب", أماكن في القلب، حرب الجواسيس، عابد كرمان، كيكا ع العالي، العقرب.
ناجحًا في الدراما، وقدم مع يحيى الفخراني أحد أشهر أعماله التليفزيونية شكل مع الكاتب بشير الديك ثنائيًا "عباس الأبيض في اليوم الأسود".
في سنواته الأخيرة، نال تكريمًا مهمًا من مهرجان الإسكندرية السينمائي اعتبره وسامًا على صدره، وأكد أنه تتويج لمشوار بدأ في الستينات واستمر بلا توقف. وقد ظل فخورًا بكل أفلامه بلا استثناء، معتبرًا أنها جميعًا أبناؤه مهما اختلفت مستويات نجاحها.
رحل نادر جلال عن عالمنا في 16 ديسمبر 2014 بعد صراع طويل مع المرض، عن عمر ناهز 73 عامًا.. شيّع جثمانه من مسجد السيدة نفيسة، وترك خلفه إرثًا سينمائيًا كبيرًا، بل ورسالة فنية امتدت إلى الجيل التالي عبر نجله المخرج أحمد نادر جلال الذي واصل المسيرة.
سيظل نادر جلال نموذجًا للمخرج الذي جمع بين الحرفة والرؤية، بين الجرأة والالتزام، وبين السينما والتلفزيون، وترك بصمة لا تُمحى في ذاكرة الفن المصري، لتبقى ذكراه حاضرة كلما عُرض أحد أفلامه التي ما زالت تعيش في وجدان الجمهور حتى اليوم.