عام 2025 شكّل منعطفًا تاريخيًا في مسار القارة السمراء، وسط مزيج من التحديات والفرص التي امتزجت بين السياسة، الأمن، الاقتصاد، الرياضة والثقافة. من شرق الكونغو إلى جنوب إفريقيا، ومن قمم المناخ إلى الملاعب، تفاعل المشهد الإفريقي بأحداث رسمت ملامح جديدة لمستقبل القارة.
ففي قلب شرق إفريقيا، بقيت التوترات الأمنية واحدة من أبرز سمات العام. حركة القاعدة المتطرفة «الشباب» في الصومال وامتداد تأثيرها إلى كينيا أثبتت أنها من أخطر التهديدات الأمنية في المنطقة، مع استمرار الهجمات وعمليات التخريب على الحدود والمناطق الريفية، ما دفع مجلس الأمن الدولي لتمديد مهمة قوة الاستقرار التابعة للاتحاد الإفريقي في البلاد حتى نهاية 2026.
على صعيد آخر، تصاعدت الدعوات في منطقة الساحل لمواجهة الإرهاب والتطرف، حيث اتحدت دول مثل مالي، بوركينا فاسو، والنيجر في مبادرة مشتركة لشن عمليات عسكرية أوسع ضد الجماعات المسلحة، في ظل تراجع الدور التقليدي للدول الغربية وظهور تحالفات أمنية جديدة.
من الناحية الاقتصادية، واصلت إفريقيا النمو رغم العقبات، إذ توقعت تقارير البنك الدولي ارتفاع نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى نحو 3.8% في 2025، مدفوعًا بتحسن النشاط في عدد من الاقتصادات الكبرى، رغم الحاجة لتعميق الإصلاحات وتوسيع قاعدة الأعمال.
وفي الدبلوماسية الإقليمية، احتضنت مصر في ديسمبر 2025 المؤتمر الوزاري الثاني لمنتدى الشراكة الروسية–الإفريقية، بمشاركة واسعة من دول القارة، في محاولة لتعزيز التعاون التجاري والاستثماري، وخاصة في مجالات الطاقة والبنية التحتية.
كما برزت حركة دولية أوسع نحو العدالة التاريخية وإعادة الاعتبار للأفارقة وأفراد الشتات، إذ أعلن الاتحاد الأفريقي عام 2025 كعام «العدالة والإصلاح»، مع مبادرات لتعزيز خطاب تعويضات ما بعد الاستعمار على الساحة الدولية.
في سبتمبر، احتضنت أديس أبابا قمة المناخ الإفريقية الثانية، جمع خلالها قادة القارة لبحث حلول عملية للتغير المناخي الذي بات يضرب إفريقيا بقوة، مع استعدادات لإطلاق مبادرات تمويلية ضخمة للتكيف مع آثار الاحترار العالمي. ومع ذلك، ظل التمويل الفعلي بعيدًا عن الطموحات، ما أثار مخاوف من بطء التنفيذ.
على الصعيد الثقافي والرياضي، كان 2025 عامًا حافلًا. استضاف المغرب كأس الأمم الإفريقية 2025، بطولة كبرى جذبت الأنظار على المستويين القاري والدولي، وتباهت المدن المضيفة بثرائها الثقافي وجاذبيتها السياحية في مناسبة تجمع بين الرياضة والحضارة.
وفي تحول تنظيمي لافت، أعلن الاتحاد الإفريقي لكرة القدم (CAF) أن البطولة ستنتقل إلى نظام دوري رباعي يبدأ بعد 2028، بهدف تحسين التوافق مع جداول المسابقات العالمية وزيادة الاستدامة المالية.
كما شهدت الرياضة النسائية ميلاد أول نسخة من كأس إفريقيا لكرة الصالات للسيدات في الرباط، حيث نالت المغرب لقب البطولة في مواجهة مثيرة أمام تنزانيا، ملمحة إلى تطور دوري للرياضة النسائية على المستوى القاري.
لم تغفل إفريقيا عن فرص التحول الرقمي، فكانت قمة الذكاء الاصطناعي في كيجالي حدثًا بارزًا، حيث أكد خبراء ومستثمرون عالميون، بمن فيهم مؤسس مايكروسوفت، أن القارة تمتلك فرصة تاريخية لتكون في طليعة تطبيقات الذكاء الاصطناعي، خصوصًا في مجالات الصحة والتعليم والزراعة.
و اخيرا إذا كان عام 2025 يحمل في طياته تقاطعات بين الأمن والاقتصاد والسياسة والثقافة، فإنه أيضًا يؤشر إلى إرادة إفريقية متجددة في مواجهة التحديات واحتضان الفرص. من ساحات القتال في الصومال والساحل، إلى قمم المناخ وكبريات المنابر الرياضية، وضحت صورة قارة تتطلع إلى تعزيز دورها الدولي، وتحقيق تنمية أكثر استدامة، وإعادة كتابة سرديتها على المستويات المحلية والعالمية.