الأمبراطورية الاقتصادية للجيش

منذ فترة وأنا أتابع تلك الأصوات التى تنادى بضرورة فتح الملف الذى اصطلح على تسميته بملف الأمبراطورية الاقتصادية للجيش المصري موجهة بذلك اتهامات غير معلنة حول سيطرة تلك الأمبراطورية على ما يفوق الـ60% من الاقتصاد المصرى و حول كيفية توزيع أرباح تلك الأمبراطورية.
بدايةً وجب علينا البحث عن حقيقة ذلك الادعاء بسيطرة المؤسسة العسكرية على ما يتعدى الـ60% من الاقتصاد المصرى وهو رقم مهول إن صدق مدعيه ويجعلنا نتوقف لنتسائل هل ما يطرح حقيقه أم أنها مجرد أكاذيب يتم الترويج لها حتى تتحول إلى حقائق، ومن هنا كان لزاماً أن نجد مصدراً موثقاًلهذه المعلومات ولكن بعد البحث لم أستطع تحديد المصدر الحقيقى أو الرئيسى لهذه الادعاءات فبين صحيفة مغمورة تنقل عنها صحيفه متوسطة الشهرة تأخذ عنها عدة صحف أجنبية لتعود مرة أخرى إلى صحيفة مصرية تنقل عنهم على أنها دراسة وتقارير أجنبية يتم تداولها بين العامة وهى بالأساس لا أساس لها من الصحة فهى مجرد دائرة مغلقة من المصادر التى تنقل عن بعضها البعض ولا يمكن تحديد مركزها فتجد كلير تالون يكتب أن الجيش المصرى يسيطر على 25% من الاقتصاد فى اللوموند الفرنسية مستقياً معلوماته من الخبير الدولى فى شؤون الجيش المصرى روبرت سبرنبورج لتتناول صحيفة أسبوعية مصرية الخبر على أنه تقرير من مصادر غربية.
أشارت إلى سيطرة الجيش على 30% من الاقتصاد المصرى ثم ترفع النسبة فى الأسبوع التالى لـ45% فتنقل عنها الجاردين البريطانية جاعلة النسبة ترتفع لـ60% لينقل عنها نشطاء مصريين على صفحاتهم ناسبين الخبر لها وهكذا ينتقل الخبر من مصدر إلى مصدر دون أن تستطيع تحديد أى مصدر له، ثم تأتى إلى البيانات الرسمية المعتمدة لدى المؤسسات الدولية لسنة 2011/2012 لتفضح كذب وادعاء تلك المصادر بصورة تتجاوز حدود المعقول فنجد أنها تشير إلى أن القطاع الخاص يسهم بنحو 61.8%من الناتج المحلى الإجمالى والقطاع العام المدنى يسهم بحوالى 36.4% فيتبقى لنا ما يساوى 1.8%من إجمالى الناتج المحلى المصرى.
وبذلك يصبح الحد الأقصى الممكن لحجم الأمبراطورية الاقتصادية المزعومة لا يتجاوز بأى حال من الأحوال تلك النسبة، وإذا ما تتبعنا الشركات المملوكة للمؤسسة العسكرية سنجد أنها لا تتجاوز بأى حال من الاحوال 20 شركة (النصر للكيماويات الوسيطة – العريش للاسمنت – الوطنية للبترول – الوطنية لإنتاج وتعبئة المياه "صافى"– مكرونة كوين –شرق العوينات لاستصلاح الأراضى – كوين سيرفيس – مصنع إنتاج المشمعات – الوطنية للمقاولات العامة – الوطنية لإنشاء وتنمية الطرق – العربية العالمية للبصريات"، إضافة إلى قطاع الأمن الغذائى الذى يشمل 8 شركات أخرى كل هذه الشركات المذكورة لا تتحمل الدولة ولا الجيش أى تكاليف أو أعباء مالية لجميع العاملين فيها إضافة إلى كونها خاضعة لمراقبة الجهاز المركزى للمحاسبات منذ سنوات وكان الشيء المدنى الوحيد الذى لا يخضع لرقابة الجهاز هو النوادى الخاصة بالأسلحة وقد تقدم المشير السيسى بطلب منذ قرابة العام لإخضاعها لرقابة الجهاز لغلق الباب أمام أى تخرصات.
لم أستطع الوصول إلى إجابة شافية حول تلك الاتهامات المزعومة ولكنى توقفت أمام نقطة مهمة تشير إليها بيانات البنك الدولى فى تقريره الخاص بمؤشرات التنمية فى العالم لسنة 2012 والذى أشار فيه إلى أن حجم الإنفاق العسكرى فى مصر يبلغ حوالى 2% من إجمالى الناتج المحلى وهو أقل من متوسط معدل الانفاق العالمى فعلى سبيل المثال يبلغ معدل الانفاق لدول مثل السعودية 10.5% الإمارات 5.4% المغرب والجزائر 3.5% إسرائيل 6.5% و تصل فى بعض الأعوام إلى 20%، وهو ما جعلنى أتوقف كثيراً أمام تلك المعادلة وأتساءل هل تملك المؤسسة أمبراطورية اقتصادية أم أنها مجرد مؤسسة عسكرية تعرف كيفية توظيف إماكاناتها من أجل تحقيق أهدافها.
[email protected]