فارس الفن والفكر والوطنية

فقدت مصر وفقد العالم، أمس الأول، ثروت عكاشة، وهو فارس عظيم من فرسان الفن والفكر فى القرن العشرين، ومن فرسان الوطنية المصرية الذين قاموا بدور كبير من أجل رفعة الوطن، وتركوا بصمات لن تمحى مهما طال الزمن.
كان ثروت عكاشة من ضباط سلاح الفرسان الذين شاركوا فى ثورة يوليو، وليس كل من انتمى إلى هذا السلاح كان فارساً بحق، أى يتمتع بأخلاق الفرسان الحميدة والنادرة، ولكن ثروت عكاشة كان كذلك، وكأنه لم يختر هذا السلاح، وإنما سلاح الفرسان الذى اختاره.
أعتقد أننى صاحب تعبير أن جمال عبدالناصر كان المدنى الوحيد فى مجلس قيادة الثورة، فقد كان عسكرياً، ولكن أحلامه لم تكن عسكرية، وإنما مدنية خالصة، ولذلك كان يريد القضاء على الفقر والجهل والمرض، وكان أول مشروعاته السد العالى، ولذلك أيضاً عرض على أحمد لطفى السيد أن يكون أول رئيس لجمهورية مصر.
ومثل عبدالناصر، ولكن من خارج مجلس قيادة الثورة، كان ثروت عكاشة عسكرياً وكل أحلامه مدنية، وبينما لم يحقق عبدالناصر أحلامه لأسباب لا مجال للخوض فيها فى هذا المقام، استطاع ثروت عكاشة أن يحقق أغلب أحلامه، كأول وزير للثقافة فى مصر عام 1958، وعندما عاد إلى الوزارة مرة ثانية بعد هزيمة 1967، لم يكن الطريق الذى مضى فيه معبداً كما يتصور البعض، وإنما كان وعراً وشديد الصعوبة فى مواجهة القوى الرجعية.
كان طه حسين يحلم لمصر الجديدة بعد معاهدة 1936 التى حققت لمصر المزيد من الاستقلال السياسى عن طريق تغيير مناهج التعليم، أو كيف يتم تصنيع العقول التى ستدير المجتمع بعد عشرين سنة، أى عام 1957 و1958. وجاء ثروت عكاشة فى هذا الوقت، وأراد أن يحقق حلم طه حسين، ولكن فى المجتمع وليس فى المدارس والجامعات، عن طريق إقامة دار الكتب الجديدة، ونشر كتب مؤلفة ومترجمة مختارة بعناية، وإصدار مجلات رفيعة المستوى، فى مختلف المعارف، وإنشاء معرض القاهرة الدولى للكتاب.
استهدف طه حسين أن يكون التعليم كالماء والهواء، واستهدف ثروت عكاشة أن تكون الثقافة كالماء والهواء، وبفضله تم إنشاء أول معهد للسينما وأول معهد للموسيقى الغربية وأول معهد للباليه، وبفضله أيضاً تم إنقاذ آثار النوبة من الغرق بعد بناء السد العالى. ويصعب فى هذا العمود ذكر كل أفضال ثروت عكاشة، وقد عاصرته عندما تولى وزارة الثقافة للمرة الثانية، ولى معه ذكريات كثيرة، خاصة عندما اختارنى لتقديم العرض الأول لفيلم شادى عبدالسلام «المومياء» فى مهرجان فينسيا عام 1970، وكان هو «المنتج» الحقيقى للفيلم. رحم الله ثروت عكاشة بقدر ما أعطى لوطنه وللإنسانية.
نقلاً عن المصري اليوم