مواجهة ظاهرة التحرش تبدأ من إزالة العشوائيات

إذا كانت زيارة الرئيس السيسى الموفقة لضحية التحرش الجنسى التى تعالج فى احدى المستشفيات بمثابة رسالة لاعلان الحرب على هذه الظاهرة التى انتشرت كالنار فى الهشيم فان البلطجة وتعاطى المخدرات والبرشام هى الوجه الآخر لهذه الظاهرة وهى مفردات أفرزتها بيئة العشوائيات التى أصبحت كالسرطان فى قلب العاصمة.
التحرش الجنسى هو الوجه الآخر "لاغتصاب " الباعة والبلطجية لأرصفة المشاة وللميادين ووسط القاهرة ..وهى الوجه الآخر لبلطجية التوك توك والميكروباص الوافدين علينا من العشوائيات و البيئات المتدنية من المحافظات المحرومة وهى - أيضا - الوجه الآخر لتجارة المخدرات والبرشام التى انتشرت على أرصفة البؤر العشوائية.
العشوائيات السرطانية هى المتهم الرئيسى وراء كل هذه الظواهر الاجتماعية الدخيلة على سكان القاهرة الكبرى .
وخطر العشوائيات ليس فقط فى المظهر العمرانى القبيح الذى شوه جمال القاهرة وضواحيها وليس فقط فى تلال القمامة التى دأب سكان هذه المناطق على القائها فى الشوارع وأمام بيوتهم دون أدنى وعى ولا احساس ولكن الخطورة الأكبر فى هذه المناطق انها تحولت لبؤر لافراز المجرمين والبلطجية وتجار المخدرات ومدمنى البرشام والساقطات وبؤر الدعارة وزنا المحارم وغيرها.
وقد ارتكبت الدولة أخطر جريمة بالسماح بظهور ونمو وانتشار هذه المناطق حتى زادت مساحاتها أضعاف أضعاف المناطق المخططة الحضارية وأصبحت بؤر العشوائيات تحيط وتحزم المناطق الراقية والحضارية بشكل كامل وأحيانا تخترقها من القلب.
وعلى مدار العقود الماضية غضت الدولة بصرها عن ظهور هذه العشوائيات التى التهمت مساحات شاسعة من الأراضى الزراعية الخصبة التى كانت توفر لسكان القاهرة حاجتهم من الخضر والفاكهة ..وتم تبوير هذه الأراضى الخصبة بالبناء العشوائى عليها فى مناطق عديدة مثل الوراق وبولاق الدكرور وأرض اللواء وبشتيل والبراجيل وغيرها فى محافظة الجيزة وهى عشوائيات تحزم المناطق الحضارية المخططة مثل مناطق المهندسين والعجوزة والدقى والجيزة.
وهناك – أيضا - أكثر من 50 منطقة عشوائية بالقاهرة أصبحت مأوى للعاطلين الوافدين من مختلف المحافظات للعمل فى المهن الطفيلية مثل باعة الأرصفة والباعة الجائلين وسائقى التوك توك والميكروباص وغيرها ..هؤلاء جاءوا للقاهرة الكبرى بكل سلوكياتهم السيئة وأمراضهم الاجتماعية فاحتلوا الأرصفة وتاجروا فى المخدرات وتحرشوا بالبنات والسيدات.
ان مواجهة ظاهرة التحرش بمفردها وعزلها عن باقى سياق الجرائم التى تتم معها لن يجدى فى حل المشكلة .. الحل الجذرى فى القضاء على البيئة الخصبة لافراز هذه السلوكيات التى سيصبح خطرها فى المستقبل كارثى على كل المستويات.
وللأسف بدلا من أن تقوم الدولة بازالة العشوائيات من قلب القاهرة الكبرى واستئصالها كبؤر سرطانية قامت بترسيخ وجودها من خلال توصيل المرافق مجانا لها مما شجع الملايين على الهجرة من مختلف المحافظات للسكن الرخيص فى العشوائيات.
البداية للقضاء على ظاهرة التحرش يبدأ من ازالة أكثر من 70 منطقة وبؤرة عشوائية بالقاهرة الكبرى واعادة تخطيط هذه المناطق من جديد وفق مخطط عمرانى يشمل مناطق سكنية و خدمات تعليمية وصحية وأجتماعية وأندية وحدائق وغيرها مع توفير اسكان اجتماعى مناسب لسكان هذه العشوائيات خارج القاهرة الكبرى لتخفيف الضغط عن العاصمة مروريا واستئصال السلوكيات الغريبة عن قاهرة المعز.
ازالة العشوائيات تماما - وليس تطويرها – ونقل سكانها لاسكان اجتماعى خارج القاهرة تماما يجب أن يكون المشروع القومى الرئيسى فى برنامج الرئيس السيسى وأخشى أن البيروقراطية فى المحليات والجهاز الحكومى تقنع الرئيس بأن ازالة العشوائيات أمر مستحيل والأسهل مدها بالمرافق ورصف شوارعها الرئيسية.
العشوائيات بؤر خصبة للجريمة ولسائر الأمراض الاجتماعية التى وفدت على القاهرة وليس مجرد مناطق عمرانية محرومة تحتاج لرصف ومرافق .. ان توصيل المرافق لعشوائيات العاصمة ورصفها جريمة تساهم فى نمو سرطان العشوائيات وجعلها مناطق جذب سكانى لآخرين من مختلف المحافظات.
ان ازالة العشوائيات واعادة استغلال أراضيها سوف يضخ لخزينة الدولة مئات المليارات من الجنيهات لأن جزء كبير من هذه العشوائات المقامة على أرض الدولة والأوقاف تمثل قيمة اقتصادية كبيرة لتميز أماكنها وقربها من النيل أو وقوعها بجوار أو فى قلب أحياء راقية وأقرب مثال لذلك عزبتى العرب والهجانة وهما بؤرتين عشوائيتين تقعان فى قلب مدينة نصر.
ومن ايجابيات نقل سكان العشوائيات لمناطق اسكان اجتماعى مخطط تحت سمع وبصر الدولة السيطرة الأمنية الكاملة على هذه المناطق وبالتالى مواجهة تفشى ظاهرة الاتجار بالمخدرات والبلطجة.
وهذا لا يمنع – بالطبع – البدء فورا فى تطبيق العقوبات المغلظة الواردة فى قانون مواجهة التحرش الذى أصدره الرئيس السابق عدلى منصور مع سرعة الحكم فى هذه القضايا خلال اسابيع قليلة لتحقيق عنصر الردع.
وعلى الصحافة والاعلام اعلاء قيمة المهنية بمراعاة الظروف الاجتماعية والنفسية لمن يتعرضن لهذه الجريمة ولأسرهن بما يستلزمه من عدم ذكر أسماء الضحايا أو نشر صورهن مع معالجة أى قضية تحرش اعلاميا فى حجمها و اطارها الطبيعى دون مبالغة أو تهوين ولاسيما بعد أن ساهم الاعلام – عن غير قصد – فى الاساءة لسمعة مصر دوليا وسياحيا بتصويرها وكأنها بلد يعيش حالة تهديد مستمر من الاغتصاب والتحرش مما قضى على البقية الباقية من السياح التى كانت تأتى لمصر.