الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أردوغان.. كش ملك مات


أعلن مجلس الأمن القومي التركي في بيان (انتهاء مهمة درع الفرات والقوات التركية في شمالي سوريا وأنه تمت العملية "بنجاح"). هذا الإعلان الذي تم التصريح به لا يعني إلا أمرًا واحدًا وهو انتهاء الدور التركي وما تم توكيله لها وأنه على تركيا النزول من خشبة المسرح والذهاب والجلوس بين المتفرجين والذين لا يتعدى دورهم إما التصفيق أو التصفير أو المشاغبة بعض الأحايين.

انتهت مرحلة اردوغان الذي كان يفرض نفسه كالطفل الشقي الذي يصيح ويزعق هنا وهناك للحصول على ما يريد من متبنيه من القوى الدولية التي كانت تمنحه بعض السكاكر والبسكويت لإرضائه أو اسكاته تحسبًا من فضيحة تلمهم من أهل الدار الأصليين.

تم تربية أردوغان بصفعه على قفاه هذه المرة بشكل مؤلم وليضعوا له الحد وأن لا يتجاوز ضجيجه وشقاوته حجمه الأصلي الذي لا يتعدى أن يكون مهرج على مسرح الشرق الأوسط لحين مجيء اللاعبين الأصليين.

سبق الاعلان التركي عن انتهاء عملية درع الفرات جاء قبيل زيارة وزير الخارجية الأمريكي تيلرسون لتركيا هي لوضع النقاط على الحروف وليقول لتركيا "كفى ولدنة ياض"، وليقولوا له أنك لست الملك في المنطقة وأنه حينما اعطيناك هذا الدور، فأنه لم يكن يتعدى سوى أنك كومبرس وممثل يقوم بدوره لا أكثر وأنك صدقت نفسك أنك تعيش الحقيقة والواقع في أنك ملك هذه الرقعة، وأنه عليك أن تفهم أنك لست سوى ممثل وانتهى دورك أي بصريح العبارة انتهت اللعبة و"كش ملك مات".

لطالما قلنا مرارًا أن الدور التركي ليس أبديًا وأن العثمنة والسلطنة والعمامة التي كان أو حبذا أن يرتديها أردوغان في رقعة الشطرنج لا تليق ونحن في القرن الحادي والعشرون، وأن هذا السلطان يريد العودة بنا إلى العصور الوسطى ويوهمنا أنه من الممكن أن تكون العثمنة والسلطنة هي الحل كما فعلها الأخوان المسلمين حينما رفعوا شعار "الاسلام هو الحل" وهو يريدون به السلطة لا غير وذر الرماد في العيون.

صدقهم الكثير حينما بدأت الثورات في المنطقة ولكنهم فشلوا فشلًا ذريعًا بعد فترة ليست بالطويلة لينكشفوا على حقيقتهم وزيف إدعاءاتهم وشعاراتهم التي رفعوها يومًا ما. لأن الثورت لا تنجح بالشعارات بقدر ما تكسب النتائج بأن تكون الجواب أو الرد الحقيقي لتطلع الشعوب لنيل كرامتها وحريتها وذلك من خلال توعيتها بالطاقة الكامنة بين جنبات المجتمع.

كلمة السر في نجاح أي ثورة يعتمد في الأساس على القوة المجتمعية وتنظيمها بشكل واعي بعيدًا عن الشعارات الرنانة للبرجوازية والليبرالية التي افقدت الشعوب قوتها من خلال ابعادها عن التنظيم وشل حركتها ببعض الأساليب الليبرالية التي لا تهدف سوى إلى تعميق الانقسام النفسي والمجتمعي بين ممن يدَّعون الطليعية وريادة الثورة وبين المجتمع الباحث عن من يسير به نحو برّ الأمان. هنا كانت الفجوة الحقيقية وهنا بنفس النقطة خسرت القوى التي ادعت ريادتها للثورات تحت مسمى الاسلام المعتدل وكل مشتقاتها وبناتها وأخواتها.

الهجمة على المنطقة هي هجمة ايديولوجية فكرية ثقافية عسكرية واقتصادية ولكي نواجه هذه الهجمة لا بد لنا من امتلاك نظرية وفلسفة حياتية توازي على الأقل إن لم نقل ينبغي أن تكون أقوى منها كي نحمي ذاتنا من الضياع في هذه الفوضى التي أدعوا أنها خلاقة.

لا يمكن اعتماد فلسفة قديمة تم تجربتها منذ فترات طويلة وأن تم استخدامها فلن تكون عمليات التجميل او الترميم لهذه الفلسفة سوى إدامة عمرها قليلًا ولكن لن تنجوا من المقصلة التي يتم اعدادها لها. كل فلسفة يلزمها فلسفة مضادة حديثة كي تنجح ولا يمكن البتة الاعتماد على نفس الفلسفة في كل زمان ومكان وإلا سنناقض نفسنا وندخل منزلق الديماغوجية. الزمكان الذي هو أحد القيم من قوانين الطبيعة ينبغي التقرب منه بشكل فلسفي وعلمي بعيدًا عن الديماغوجية والسفسطائية، بل ينبغي ان نمتلك فلسفة معاصرة من واقعنا وزماننا نحن كي يمنحنا التاريخ حق العيش بكرامة وإلا سنكرر ذاتنا ثانية لقرن أمامنا يستعجلنا بتغيير ما في أنفسنا.

وكل من لا يعمل على تغيير ذاته ووعيه ويتسلح بفلسفة جديدة لن يخلص نفسه من التكرار والعيش الرتيب كما كنا في القرن العشرين عبارة عن مفعول به وفيه لا غير، وللتحول لفاعل يجب قبل كل شيء البحث عن الجديد بين ظهرانينا مع الاستفادة من العلوم التي تظهر هنا وهناك، لكن يبقى معرفة الذات كما قالها ارسطو "اعرف نفسك" هو الحل الأكيد والسبيل الوحيد للنجاح.

سقط اردوغان لأنه يريد تكرار الماضي وفلسفته لا تتعدى عمامة العثمنة وسقط كل من كان يحوم ويسبح في فلك أروغان ظانًا نفسه أنه سيكون الخليفة الاسلاموي المستقبلي، سقط اردوغان أمام فلسفة الأمة الديمقراطية التي اعتمدها الكرد في مواجهة فلسفة الأمة القوموية التي اعتمدها اردوغان وزبانيته، سقط اردوغان وفلسفة الحداثة الرأسمالية التي اعتمدها أمام فلسفة الحداثة الديمقراطية التي اعتمدتها القوات الكردية في محاربتها الارهابيين وكافة مسمياتهم. انكمش اردوغان نحو قمقمه وتمدد الكرد ومعهم العرب والسريان والتركمان وكافة مكونات ثقافة العيش المشترك وأخوة الشعوب، ولهم وحدهم سيكون شرف دك عرش وعاصمة الارهاب في الرقة وباقي الجغرافيا. وسيبقى اردوغان وكل من كان يبجله يلطم على رأسه ويجر أذيال الخيبة. ستظهر قوى جديدة تكون أملًا للشعوب وستختفي قوة كانت في يوم ما أو أرادت أن تكون هي كل شيء.

أردوغان ياض، "كش ملك مات" ياض. وهل من معتبر. اللهم لا شماتة.

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط