مع تزايد درجات الحرارة حول العالم، لا يقتصر تأثير التغير المناخي على البيئة فقط، بل يطال أعقد أعضاء الجسم البشري وهو الدماغ، إذ أظهرت الأبحاث أن موجات الحر المتكررة لا تؤثر على الصحة الجسدية فحسب، بل قد تضع قدراتنا الذهنية والنفسية في مهب الخطر.
أول نوبة وشرارة القلق
في عمر خمسة أشهر فقط، تعرض الرضيع جيك لأول نوبة صرع كبرى خلال موجة حر شديدة، حيث تيبس جسده وبدأ يرتعش بعنف، تزامناً مع ارتفاع شديد في درجة حرارته.
شُخصت حالة جيك بمتلازمة “درافيت”، اضطراب عصبي نادر يرتبط بالصرع، ويتفاقم بفعل الحرارة، ويصيب طفلاً من بين كل 15 ألف طفل.
تأثير المناخ على الدماغ حقائق علمية مقلقة
يؤكد الدكتور سانجاي سيسوديا، أستاذ علم الأعصاب في كلية لندن الجامعية، أن تغير المناخ يفرض ضغوط متزايدة على الدماغ البشري.
وتشير الدراسات إلى أن اضطرابات مثل الصرع، والسكتات الدماغية، والتصلب اللويحي، وحتى الصداع النصفي، تتفاقم مع ارتفاع درجات الحرارة.
كما أن موجات الحر تؤثر على النوم، وتزيد من التوتر، والغضب، وحتى احتمالات السلوك العدواني.
موجات حر قاتلة فى أوروبا
وفي موجة الحر القاتلة التي ضربت أوروبا عام 2003، شكلت الوفيات الناجمة عن أسباب عصبية نحو 7% من إجمالي الوفيات الزائدة.
وفي بريطانيا، سجلت موجة الحر عام 2022 مؤشرات مشابهة.
الدماغ العضو الأكثر هشاشة أمام الحرارة
على الرغم من أن درجة حرارة الدماغ لا تختلف كثيراً عن حرارة الجسم، إلا أن كونه العضو الأكثر استهلاكاً للطاقة يجعله أكثر عرضة لتوليد الحرارة ذاتياً أثناء التفكير والتفاعل وتلعب الأوعية الدموية دوراً محورياً في تبريد الدماغ.
غير أن بعض الأمراض العصبية، مثل التصلب المتعدد أو الفصام، تعيق آلية تنظيم الحرارة، مما يزيد من خطر التعرض للإجهاد الحراري، بل وقد تؤدي إلى الوفاة.
كما أن بعض الأدوية النفسية تقلل من قدرة الجسم على التعرق، ما يزيد من هشاشة المرضى في مواجهة الحرارة.
كبار السن والأطفال الفئات الأكثر هشاشة
تشير البيانات إلى أن معدلات دخول المستشفيات والوفيات بين مرضى الخرف ترتفع خلال فترات الحر الشديد ويُعزى ذلك إلى ضعف قدرتهم على تنظيم حرارة الجسم، إلى جانب قصورهم الإدراكي، ما قد يمنعهم من اتخاذ خطوات بسيطة مثل شرب الماء أو البقاء في الظل.
أما الأطفال، فإنهم يواجهون خطراً من نوع آخر.
الحرارة وتهديد الحاجز الدموي الدماغي
الأبحاث الحديثة تشير إلى أن الحرارة المرتفعة قد تضعف الحاجز الدموي الدماغي، ما يجعله أكثر عرضة لاختراق السموم والبكتيريا والفيروسات.
وقد تزداد خطورة هذا التهديد مع انتشار بعوض ناقل لأمراض عصبية مثل فيروس زيكا وحمى الضنك.
ويحذر العلماء من أن ارتفاع درجات الحرارة قد يؤدي إلى موجة من الاضطرابات العصبية التنكسية، بسبب تعرض الدماغ لضغوط حرارية متزايدة تؤثر على بنيته ووظائفه الحيوية.
عصر "غليان الدماغ" بدأ فعلياً
مع تأكيد الأمم المتحدة أن يوليو 2023 كان الشهر الأشد حرارة في تاريخ الأرض، قال الأمين العام أنطونيو جوتيريش بلهجة تحذيرية: "لقد انتهى عصر الاحتباس الحراري.. وبدأ عصر الغليان العالمي".