قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

سيناريوهات فشل فض اعتصام رابعة

0|عادل عامر

من الأسباب التى دفعت الجموع للخروج فى تظاهرات 30 يونيو، تدخل الدين فى السياسة خلال الفترة المقبلة واستباحة دماء المعارضة التى ترفض سياسة النظام الحاكم والتحدث باسم الله على الأرض وفتح باب التكفير الذى طال الجميع، هذا ما زاد الأوضاع سوءا، خاصة مع عدم قدرة رجال الدين على الإدارة وتدخلهم فى الحياة السياسية على الرغم من افتقارهم لقواعد اللعبة واحتياجات مجتمعهم في هذه اللحظات الحرجة، وهذا أيضا ما دفع البعض لتوقع تدخل المؤسسة العسكرية للقضاء على الأحزاب ذات الأساس الديني ومنع إنشائها أو تدخلها فى الحياة السياسية من جديد.
ما فعله السيسى لتفويض الشعب لتأييد المؤسسة العسكرية والداخلية لمواجهة العنف والإرهاب هو عمل فى منتهى الديمقراطية، لأنه هنا يحتكم للإرادة الشعبية، ويثبت أن الشعب هو صاحب القول الفصل، وإذا أراد فعل، وجميع المجتمعات الديمقراطية تفعل هذا.
بعد هذا التفويض سيقوم الجيش من خلال قوته وكفاءته القتالية بمعاونة الشرطة بتطهير البلاد وحدودها وقلبها من الإرهابيين، ومن المجرمين الذين استباحوا الدماء دون رقيب أو حسيب، وفى رأيي فإن فض اعتصام رابعة والنهضة يتم من خلال تكليف كتيبة قتالية للقبض على رؤوس وقيادات الجماعة في تلك الأماكن، وقتها فقط سينفض الجمع تماما، وهناك سيناريو آخر من المتوقع أن تلجأ له المؤسسة العسكرية خلال الفترة المقبلة هو حظر إنشاء الأحزاب على أساس ديني، لأننا رأينا نتيجة تدخل الدين في السياسة وما حدث لنا طوال عام كامل.
وهذا كان السيناريو المحتمل في حالة فشل فض اعتصام رابعة من قبل الإخوان وأعوانهم وأنصارهم.. حشود رهيبة مع الشرعية الدستورية والمطالبين بعودة الرئيس المنتخب، ولجوء الإخوان إلى استخدام العنف، خصوصا أن هناك أنباءً أفادت بوجود أسلحة داخل اعتصامات أنصار الرئيس المعزول، وبالطبع لن يقف الإخوان مكتوفي الأيدي أمام هذه السيناريوهات المحتملة، فساحتا الاعتصام مجهزتان بالكامل، فهناك مستشفى ميداني متنقل بكامل المعدات، إضافة إلى المتاريس والعناصر المدربة التي تتولى تفتيش الداخلين والخارجين إلى الساحتين، كما استعد الإخوان بتجهيز خزانات مياه ضخمة، وزج الإخوان بالنساء والأطفال لاستخدامهم دروعا، مما قد يجعل أي سوء يحل بهؤلاء في المواجهة يؤدي إلى استعطاف الرأي العام الدولي، خصوصا وهى قاعدة الدفاع الرئيسية التي وضعها الإخوان في حساباتهم.
إن حالة من الهدوء تسود حاليا شوارع مصر عقب تلاشى التحديات والعقبات، التي فرضتها جماعة الإخوان المسلمين على الجيش المصري، إلا أن مستقبل مصر لا يزال غامضا.
إن تلك الخطوة هى محاولة لتهديد مصر والضغط عليها وليس تجاه سوريا كما تزعم الإدارة الأمريكية، التي لا تستطيع توجيه أي ضربات عسكرية لسوريا في الوقت الراهن، نظرا لوجود سفن للأسطول الروسي في المياه السورية، ما يدفعها للتفكير ألف مرة قبل ضرب سوريا.
إن أمريكا لا يمكن أن تتدخل في مصر عسكريا، إنما ما تفعله هو محاولة للضغط على مصر، مشيرا إلى أنه حتى لو قامت بتوجيه ضربة عسكرية لسوريا فسيمثل ذلك خطورة كبيرة على الأمن المصري، حيث تمثل سوريا ومصر جناحين يطوقان إسرائيل وهو ما يجعل أمريكا تحاول التخلص من سوريا ليقع بعدها العبء الأكبر على مصر وحدها لمواجهة خطر الإرهاب في الداخل، وخطر إسرائيل في الخارج.
وعن توقيت اتخاذ قرار تكثيف وجود القوات الأمريكية في البحر المتوسط، فإن هذا التوقيت يرجع إلى محاولة أمريكا اصطناع أزمة تلهى بها الشعب الأمريكي والعالم وتحول بها عن انتقاد أمريكا لدعمها الإرهاب في مصر، وفى نفس الوقت إرسال رسائل تهديد غير مباشرة للقوات المسلحة المصرية عن طريق التلويح بالتدخل العسكري في مصر.
إن ثورة الشعب المصري على جماعة الإخوان يوم 30 يونيو كان بمثابة تأكيد على أن جماعة الإخوان ومن يناصرها فقدت كل مقومات وجودها كتنظيم أو حزب أو حتى كأفراد في المجتمع المصري بعد أن استباحت دم جنودنا من أبناء القوات المسلحة فأصبح هناك "تار بايت" بين شعب مصر وجماعة الإخوان، ولكن دماء أبناء مصر لن تضيع أبدا ما دامت الأجهزة الأمنية مستمرة في تكثيف جهودها لملاحقة تلك الجماعات الإرهابية.
قناة "الجزيرة" اتقبض عليهم وقفلت علشان هما حلقة الوصل، وتم وضع خطة محكمة من أسبوعين لتفريغ المنشآت الحيوية مثل الأقسام والمحاكم والمبانى بالمحافظات والكنائس من الأوراق والسلاح والمساجين لتصبح خالية يعنى "تحرق طوب"، بس تم تأخير فض الاعتصام عدة مرات لجمع معلومات عن الخطوات التصعيدية المخطط لها، وتم التعامل معها بإحكام قبل فض الاعتصام، وتم تحييد القناصة وخبراء التفجير في رابعة والنهضة قبل بدء الفض، لأن الهدف كان تفجير منطقة رابعة بالكامل وكذلك جامعة القاهرة ومقبوض على الخبراء الآن، وتم إحباط محاولة لتفجير مطار القاهرة وبرج العرب من عناصر أجنبية، وتم إحباط محاولة لتفجير قناة السويس بواسطة ضفادع بشرية إنجليز جم من ليبيا عن طريق البحر، وتم إحباط محاولة لتفجير مكتبة الإسكندرية وسانت كاترين وبعض المنشآت الحيوية.
إن الهدف من الثورة، كان وما زال، تفكيك الدولة القديمة القائمة على استبعاد غالبية المواطنين من عملية صناعة القرار، ويأتي هذا الاستبعاد لصالح هيمنة الأجهزة الأمنية والعسكرية والنخب البيروقراطية والأوليجاركيات الاقتصادية.
وتأتي أهداف الثورة من أجل بناء دولة ديمقراطية جديدة، تستوعب هذه الدولة جمهور المواطنين كفاعلين أصليين داخل عملية صنع القرار والسياسات العامة، وما يستلزمه هذا من إعادة بناء مؤسسات الدولة، وكذلك تغيير شكل ومضمون علاقات الدولة بالمجتمع والمواطنين، وإعادة تأسيس لمفهوم حكم القانون، إضافة إلى توسيع وتجذير المجال العام والمجتمع المدني والحريات العامة والخاصة، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والمساواة والتعددية الاجتماعية والسياسية، بالإضافة إلى إدماج الأقليات والهوامش داخل الدولة والمجال العام.
ستكون هذه الدولة الجديدة بشرعيتها الديمقراطية التشاركية أكثر قدرة على بلورة سياسات عامة تخدم مصالح أوسع قطاعات ممكنة من المواطنين، كما ستتمكن هذه الدولة الجديدة من تحقيق الإنجازات المتعلقة برفع مستوى المعيشة وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسعي نحو العدالة الاجتماعية وتحسين شروط الحياة لأغلبية المواطنين، الأمر الذي فشلت الدولة القديمة في تحقيقه بصورة واضحة.
إن الخصم هنا واضح: إنه أجهزة الدولة القديمة العسكرية والمدنية، أضف إلى ذلك، كل ما ارتبط بهذه الأجهزة من شبكات مصالح ونفوذ داخلها وخارجها، أما الفاعل الثوري من الجهة الثانية فهو واضح: فهو يضم طيفا واسعا من الحركات الاجتماعية الاحتجاجية والثورية وقطاعا ضخما من القوى الشعبية غير الممثلة داخل الدولة القديمة، تلك الجهات الطامحة إلى تغيير السياسة المصرية من الجذور، بغية تحسين أحوالها ونيل حقوقها.
إن سقوط الإخوان كان بمثابة نتيجة منطقية بسبب طبيعة تكوينهم السياسي والتنظيمي والأيديولوجي، وذلك على عكس ما يروج له الإخوان من حديث عن المظلومية الأبدية التي تلحق بهم، إضافةً إلى محاولة تصوير سقوطهم كنتيجة لمؤامرة فلولية وانقلاب عسكري أطاح بهم وليس الإرادة الشعبية، مثل الكثير من الترهات التي تروج لها وسائل الإعلام الأمريكية.
حركة الإخوان عبارة عن طائفة دينية واجتماعية مغلقة تتبنى تصورات هوياتية سلطوية حول الجماعة كراعية وحافظة للهوية الإسلامية القارة والثابتة للمجتمع والتي تحتاج إلى التنزيل السلطوي عبر جهاز الدولة المركزية الحديثة لتضمن أداء دورها على أمثل وجه، كما أن الحركة تتبنى سياسات اقتصادية واجتماعية يمينية محافظة، ولذلك لا يمكن الإشارة لهم كقوة تغيير بأي معنى من المعاني، ذلك وعلى الرغم من تحالفهم مرارا مع العديد من القوى الثورية عبر مراحل الثورة المختلفة، وعلى سبيل المثال لا الحصر، أثناء انتفاضة الـ18 يوما التي أدت إلى تنحي مبارك وأثناء المرحلة الثانية من الانتخابات الرئاسية عام 2012، إلا أن حركة الإخوان ظلت دائما بعيدة عن كل آفاق التغيير الديمقراطي السياسي والاقتصادي، كما شرحنا أعلاه.
وتجلى هذا عبر عدة محطات مهمة من ضمنها: الدستور السلطوي العسكري، والسياسات والتشريعات التي أعدتها حكومة الرئيس مرسي ومجلس الشورى الإخواني، تلك السياسات والتشريعات المراد منها تقييد حرية التظاهر والجمعيات الأهلية والإعلام وتداول المعلومات والنقابات العمالية وملاحقة الناشطين السياسيين قضائيا وأمنيا، إضافة إلى محاولة وضع أنصار الحركة والأتباع داخل مواقع السلطة التنفيذية والإدارية والقضائية، أضف إلى كل ذلك مسألة توزيع "الغنائم" وهو ركن أساسي في منهج عمل أي طائفة سياسية واجتماعية، كما أن الاستمرار في سياسات رأسمالية المحاسيب والاقتراض والريع دون أدنى اكتراث بقضايا الإصلاح الاقتصادي، ناهيك عن التنمية الشاملة والعدالة الاجتماعية، وأخيرا، ممارسات التحريض الطائفي والمذهبي، والعنف ضد الخصوم السياسيين، والتي أوجدت حالة من الصراع والاقتتال السياسي والاستقطاب المستمر.
ومن جهة أخرى، حاول الإخوان مسايرة قوى النظام القديم ومؤسساته، ومن المثير للسخرية أن يتحدث الإخوان عن مخاطر حكم العسكر بينما شاركوا هم، جنبا إلى جنب مع العسكر، في تخطيط المرحلة الانتقالية، بل إنهم قاموا بـ"شيطنة" الحركات الاحتجاجية التي قامت ضد حكم المجلس العسكري، حتى إنهم انحازوا للمجلس العسكري أثناء قمعه الثوار في مذابح ماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء، كلها وقعت بين سبتمبر وديسمبر 2011، كما ضمن الإخوان للمؤسسة العسكرية كل ما تريده من امتيازات وحصانة من مراقبة المؤسسات المدنية، ومواقع تتحكم في شئون الأمن القومي والإستراتيجية، وذلك من خلال الدستور العسكري- الإخواني، الذي شهد اختلالاً واضحاً في القوى والعلاقات المدنية العسكرية لصالح المؤسسة العسكرية.
رفض الإخوان أيضا، وبإصرار، المضي قدما في أي من مشاريع العدالة الانتقالية ومشاريع إعادة هيكلة أجهزة الشرطة ومحاسبتها، سواء كان ذلك في فترة مجلس الشعب المنحل أو في عهد حكم الرئيس مرسي، بل على العكس من ذلك، فقد قاموا بتكريم قيادات الشرطة والمجلس العسكري ومضاعفة ميزانية كلا المؤسستين، وأخيرا، حاولت حكومة الإخوان مرارا وتكرارا التصالح مع الأوليجاركيات الرأسمالية الموروثة من عصر مبارك قانونيا وسياسيا.
أخيرا، في تصوري إن تحولات يونيو 2013 في مصر، جاءت ضربة قاصمة في وجه التصورات السياسية والبحثية الأمريكية والغربية، تلك التصورات عن فرص نجاح "الديمقراطيات الإجرائية" المحافظة الأليفة، التي يقودها الإسلاميون المعتدلون في دول الربيع العربي، حيث كانت هذه السياسات تعمل على قدم وساق نحو تحويلها إلى سلطويات انتخابية محافظة وأليفة وموالية للمصالح الاقتصادية والإستراتيجية الغربية، وبمباركة مراكز الإمبراطورية.
وقد أجهد هؤلاء الباحثون أنفسهم في التساؤل حول ما إذا كانت مصر ستحذو حذو النموذج الباكستاني أو التركي أو الإيراني أو الإندونيسي أو الروماني أو السوداني بالرغم من أن تطورات الأحداث كانت تؤكد أن مسار التغيير في مصر سيكون مختلفا وأن مصر بصدد تأسيس ما يمكن أن نسميه النموذج المصري، كما جاءت تحولات يونيو الأخيرة لتؤكد أن الربيع العربي لن يصير شتاءً إسلاميا، نسبة إلى هيمنة الإسلام السياسي، ولتؤكد كذلك على أن الموضوع أكبر من مجرد البحث عن شروط صحة العملية الانتخابية وعن تحقيق المصالحة المفاهيمية بين الإسلام السياسي والديمقراطية، وتتباكى مراكز الأبحاث الأمريكية الآن على انهيار العملية الانتخابية في مصر.
وتلك الدوائر الثقافية والتحليلية في الغرب أجهدت نفسها عبر سنوات طوال في تحرير ما تراه شروط العلاقة الصحية بين الإسلام السياسي والليبرالية وفي سرد محددات التحول الديمقراطي في مصر، وصدمتها مما تراه فشلاً في نظرياتها حول الدور المركزي للإسلام السياسي الوسطي المعتدل في تحقيق التحول الديمقراطي المستقر، بالإضافة إلى فشلها الواضح في قراءة حركات الإسلام السياسي في مصر.
في الأغلب لا يعرف هؤلاء الباحثون الكثير عن الخطابات والممارسات الحقيقية للقواعد الشعبية للتيارات الإسلامية على الأرض ويكتفون برصد بعض الخطابات التحسينية لمجموعات منتقاة من شباب وقيادات الإخوان القادرين على الرطانة بمصطلحات الديمقراطية وحقوق الإنسان، هذه الصدمة تجعل هذه الدوائر البحثية لا تفهم أن ما يحدث من حراك سياسي وشعبي وفكري في مصر وما يتضمنه هذا الحراك من تصفية وتفكيك لخطابات الدولة والحكم والمعارضة (ويشمل هذا الإسلاميين بطبيعة الحال) يتحدى أدبيات حقل التحول الديمقراطي الـ democratic transition studies أصلاً، فما يحدث من حراك وتفكيك لأنساق السلطة والقيم والمؤسسات في مصر منذ الثورة يتجاوز الوصفات السابقة التجهيز للأكاديميات الأمريكية عن العلاقة بين الأيديولوجيات والمؤسسات ومواقعها داخل السياسة والمجتمع في مصر ناهيك عن تصورات حقل الـpost-colonial studies عن دور الأصالة الثقافية (وممثليها السياسيين من إسلاميين وغيره) في تحقيق التحرر الشامل ومواجهة الغرب بإمبرياليته القديمة والجديدة. ماتزال هذه الدوائر البحثية والتحليلية والأكاديمية الغربية عاجزة عن فهم أن حركة الجماهير في مصر، التي أطلقتها ثورة يناير، قادرة على فتح آفاق جديدة على مستوى التعبئة والحركية وأهداف التغيير والاحتجاج ومفهوم الحكم وآلياته ومعنى الديمقراطية وآلياتها وفكرة الفاعل الشعبي وإعادة بناء وتركيب الثقافات السياسية والاجتماعية، آفاق جديدة تعجز عن استشرافها الإنحيازات المعرفية والسياسية الجامدة والخيالات العقيمة والضحالة التحليلية والسياسية.