قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
عاجل
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

اقرأ قصة "ما رأيك لو نتعاشق؟؟" للكاتب بسام الطعان


يا لها من حكاية تشبه المواويل الجميلة، والأجمل في العمر وفي الزمن، وهذه الحكاية ابتدأت في الوادي، أي واد؟ وهل كنت في الوادي؟ يا له من وادٍ، يزنره غمام أزرق، ويزينه نهر رقراق عذب، تنبت على ضفافه نباتات متنوعة وريحان وأزاهير في أعطاف هـذا الوادي الذي هربت إليه من الضجيج والهم العالق في الدم، التقيت صدفة بأميرة أحلامي، أميرة دافئة العواطف، تموج بنور ولا تتلو إلا سلام اليمام، أميرة وجهها جنائن الياسمين، هديلها شهي اللحن، شعرها أسود هفهاف ولا يشبه الشعر، خصرها كالخيزران ونهودها قمم صعبة المنال.
ـ ما رأيكَ لو نتعاشق؟
تركت كلماتها العذبة في أذنيَّ وابتعدت بخطوات شبه راقصة وكأنها تسير على حجارة متباعدة عن بعضها البعض في النهر، فتابعتها بصمت واندهاش وإعجاب حتى غابت وتركتني وحيدا للتوهان.
جلستُ على مصطبة الحسرة وأنا أحلم بالغوص في حضورها، بينما أحاسيس لذيذة تضيء عتمة عمري.
"ماذا تنتظر أيها العاشق؟ اذهب واقرأ لها أسفار عشقك"
صاح من بداخلي بغضب، فنهضت دفعة واحدة وأنا أحاول التخفيف من ارتباكي، والوصول إليها قبل أن تضيع وتزيد عمري قتامة، ثلاث خطوات خطوتها، فاصطدمت بجذع شجرة توت وسقطت على الأرض، عسكر الحزن فيَّ، فتمددت على العشب، ومع الأنين الذي خرج من حنجرتي، أخذتني الأحلام إلى نهر تسبح فيه امرأة مصاغة من الكثير من العسل، والقليل من الفلفل الأحمر، امرأة شعرها طويل طويل، أين هى الآن يا ترى؟
زرعت نفسها أمامي مرة أخرى وقالت وهى تتلاعب بخصلات شعرها وتبتسم:
ـ ما رأيكَ لو نتعاشق؟
يا سلاااااااااام.. بدأت أعشقها بدهشة كبيرة، وعرفت بعدها أن النساء في بلدي يشبهن الأغاني الجميلة، والغيوم الماطرة، والظلال الدافئة، ويزرعن فينا الرغبات الحلوة، حاولت الوقوف، لكن خدراً لذيذاً تمكن من أطرافي، ولم يبق أمامي غير أن أزرع في بساتين الكلام أشجاراً، أما أميرة أحلامي، فراحت تكركر بعذوبة، وتبوح بجسد أبيض وطري، وتسد من حولي الأفق.
آه وألف آه أطلقتها حين اختفت من جديد وقبل أن أفعل شيئاً انهمرت الحسرة مني، فاقتربت من النهر الرائق، استمعت إلى خريره، اغتسلت فيه، شكوته حسرتي وحلمي الذي قتلته فتاة تشبه الضوء، لكنه لم يستمع إليَّ، فعدت إلى مكاني ودقات قلبي تزداد بشكل مخيف، لدرجة أنني اعتقدت أنه سيتوقف بعد لحظات، ولكن هذا لم يحدث، بل العكس.
بعد دقائق قليلة، رأيت منظراً لم أر مثله في حياتي، فشعرت براحة فياضة، رأيت عشرات البطات البرية تحلق في الفضاء الصافي، تمارس ألعابا بهلوانية، وتشكل من أجسادها الملونة شكلاً يشبه القلب وفي داخله اسم الأميرة واسمي، كانت تطير وتذهب إلى البعيد حتى تختفي ثم تظهر من جديد، وفي كل مرة ترسم شكلاً جميلاً وفي داخله اسمانا، من أين جاءت كل هذه البطات الجميلة؟ هل كنت في حلم؟ أم كنت أجلس عند الأصيل البديع فوق ضفة نهر تسبح فيه فتاة وهى لا ترتدي إلا قميصاً أزرق شفافاً؟
فرد الليل عباءته نحو آفاقي الممتدة إلى حدود القمر، وأنا أمدّ يدي المتألمة من جمر الهذيان، أمتطي قمة الريح، أطير في الفضاء، أمرّ فوق الغيوم العالية، أحكي لها بؤس القلب التواق للتحليق برفقة قلبها، أتعب من الهذيان فأهبط.. أهبط إلى بيارات باردة لا أليف فيها ولا وليف، أجلس وأثرثر وأنظر من حولي، فأرى مخلوقات غريبة ومضحكة تمر من أمامي ولا تلتفت إليَّ، أبتسم وأحيانا أضحك على الأشكال الكاريكاتورية، بعضها شبه عار وعلى وجوهها أقنعة مزيفة، ترتدي ثياباً عتيقة وربطات عنق كبيرة الحجم وكثيرة الألوان، بعضها يأكل بنهم ولا يشبع، وبعضها يحمل هواتف نقالة ويصرخ دون سبب سوى لفت الأنظار، أظـل أضـحك وأسخر، وأحيانا أبكي بلوعة حين أتذكر النائمة في الوجدان.
يااااااااااه.. صحت من الفرح حين رأيتها فجأة أمامي وهى تحمل باقة ورد أحمر، ولكنني بكيت بعد لحظات حين رأيتها تمنح تغريد جسدها كله لشخص لم أره من قبل، تملكتني رغبة قوية في الانتقام من ذلك الشخص، وقبل أن أستعد للهجوم عليه اختفى من أمام عينيَّ واختفت معه أميرتي الغالية، ولكن بعد حين، رأيتها جالسة عند النبع كغزالة مطاردة، تفرد ثوبها على العشب كبحيرة خضراء، تغسل شعرها بماء له رائحة أخاذة، وتدندن أغنية عشق لا أتذكر كلماتها، حملت كل لهفتي وتغريدي وانطلقت نحوها كالطائر الذي تخلص من قفصه، فرأيت شعرها من شوك، وجسدها من عشب، وثوبها دخان أحمر شفاف.
"يا إله السماوات والأرض ما كل هذه الغرابة"، صحت وأنا اقترب منها، لكنها اختفت كما المرات السابقة.
صار وجودها في حياتي أمراً يشبه الهواء، أحس به لكني لا أراه.
"ماذا أفعل أيها العاشق؟ صحت وأنا أنظر إلى البعيد، حيث ترتفع جبال(طوروس) أذهب بعيداً بعيداً، اقطع البلاد والبحار والبراري، أبحث عن الأميرة الحاضرة الغائبة لكن امرأة قبيحة تمر من أمامي، ثم تلتفت إليَّ، تتفرس وجهي، ثم تقترب، تمسك بأرنبة أنفي وتشدني نحوها بعنف.
"أف.. هل هذا وقتها الآن؟".
ابتعدت عنها وأنا أمارس بمهارة ابتهالاتي، وأبحث داخل بلاد الحقيقة والخيال عن غاليتي الشهية، لكن رجلا شبيها بغول قبيح ويدَّعي أنه طبيب أسنان يلطخ رؤيتي: "يا أبالسة العالم.. تعالوا كلكم أرجوكم، ولا تتركوا هذا يأتي إليَّ".
نظرت من حولي، فرأيت الجهات الأربع وقد تحولت إلى مرآة كبيرة، ويذهب الناس والدواب والسيارات فيها عميقاً عميقاً، تأملتها ملياً، فإذا بي أرى فيها السرقة، الرشوة، الوساطة، الرياء، النميمة، الغباء، النجاسة، وأشياء وأشياء.
"في أي دنيا أنا؟ وما هذا العالم الغريب؟"، لم أعد أرى غير الظلام وحبيبتي غائبة في المجهول، بينما خيالي المجنح لا يمل من رسمها بأحلى صورة.
مع الوسن الذي زحف إلى جفنيَّ، رأيتها جالسة فوق منارة وسـط النهر وترسل إليَّ ابتسامة تنم عن حنان وحب، عندئذ عزفت لقلبي لحن الخلود، وهيأت أجنحتي لملاقاتها، لكن زوجتي الممددة إلى جانبي، منعتني حين قالت:
ـ أين قميص النوم الذي قلت إنك ستشتريه لي عندما تقـبض "استكتاب" القصة؟
في تلك اللحظة رن جرس الباب، وبعد إلحاح من زوجتي، تقدمت بخطى حزينة، فتحت الباب، وبقيت مندهشا، كانت جارتنا المتزوجة حديثا والممتلئة بالثمار واقفة وتسأل عن زوجتي، وحين زرعت نظراتي فيها، رأيت أميرة أحلامي وهى تنظر إلى بساقين مفتوحتين تنزان بدماء لذيذة، وفجأة ولا أدري ماذا أصابني، سحبتها إلى حضني، وزرعت بذور القبلات في خديها الطريين، أما هى فراحت
تصرخ وتحتج وتمتنع عني بكل الوسائل إلى أن هرعت زوجتي التي بقيت جامدة، مندهشة، وغير مصدقة ما ترى، ثم كان الزلزال.