لن يكون آخر الدساتير

يتصور بعض الناس أن الحديث عن اللجنة التأسيسية المنوط بها وضع الدستور، هو نوع من الرفاهية، فى وطن يعانى معاناة غير مسبوقة، إلى حد الاقتراب من الانهيار، ما يهدد الدولة المصرية المستقرة الآمنة التى عرفناها بالزوال.
والبعض يتساءل هل الدستور أهم من الانفلات الأمنى الخطير، ومن رعب المواطنين فى الشوارع خشية السرقة أو التعرض للاعتداء أو القتل، أو حتى صعوبة الحصول على لقمة العيش فى ظل أوضاع اقتصادية، بلغت من السوء، مبلغا لم نعشه، أو نره من قبل.
الحقيقة التى ينبغى التأكيد عليها أن كتابة دستور أي دولة هو عملية أساسية لبناء الأوطان، فالدستور هو العلاقة التعاقدية بين الوطن والمواطن، وهو الذى يحدد شكل الحكم، وطبيعة النظام الاقتصادى، والحقوق السياسية والاجتماعية، وهو أساس الحقوق والواجبات لكل مواطن.
الدستور ليس رفاهية فى دولة معرضة لانهيار، وإنما هو طوق النجاة الذى يأخذ بيد الوطن إلى المستقبل، ويخرجه بأقل الخسائر من المرحلة الانتقالية غير المستقرة. والدستور هو مستقبل الوطن، أى وطن، فكيف لا نهتم جميعا بمستقبلنا وكيف لا نكون شركاء فى هذا الوطن.
لا نعادى الإخوان،ولا السلفيين، ولا نتخذ موقفا معاديا من الأحزاب الإسلامية، ونحترم إرادة الشعب التى منحتهم أغلبية برلمانية كاسحة، لكننا خرجنا من عباءة حزب واحد حكم مصر منذ 1952، ولم يسمح لغيره بالمشاركة، أو التعبير، وتحولت الدولة إلى حزب ومواطنين، لذلك نخشى جميعا من تكرار نفس التجربة، خاصة وأن شعارات كان الإخوان يرفعونها قبل الثورة مثل مشاركة لا مغالبة قد اختفت، ليظهر محلها قوة الأغلبية وسطوتها.. وحتى بطشها.
لا نريد دستورا نشاهد من يكتبونه دون أن نكون شركاء فى صياغته، لأن مثل هذا الدستور الذى يحتكره فصيل سياسى واحد، يعنى بلا شك أننا سنكون امام دستور انتقالى لن يصمد ولن يعمر إذا خسرت الأغلبية الحالية أغلبيتها البرلمانية.
وأخشى أن نستسهل الانفراد بكتابة الدستور، فيتحول إلى ما يشبه القوانين العادية، التى تغيرها الأغلبية البرلمانية متى أرادت، وإذا استمر الإسلاميون على نهجهم الحالى فلن يكون الدستور القادم آخر الدساتير.. وهنا تكمن المشكلة ونصبح عرضة لعدم الاستقرار الدائم.