اقرأ قصيدة "الجدار" لأحمد حسن .. القصيدة الفائزة بجائزة "يوم الأرض"

(اعتراضاً على الجدار الفولاذي بين مصر و غزة)
أَصَابِـعُ أَحْلامِـي، وَبَصْمَـةُ إِصْــرَارِي
وَصَـكُّ اعْتِـرَافٍ بِارْتِكَابِـيَ أَشْـعَـارِي
وَجُـرْمٌ عَلَـى الأَوْرَاقِ مِثْـلُ بَيَاضِـهَـا
يُؤَكِّـدُهُ دَمْـعِـي وَزُرْقَــةُ أَفْـكَـارِي
بِكَفِّـكَ -يَـا قَاضِـيَّ- خَمْـسُ أَصَابِـعٍ
وَلِي سَـادِسٌ مَـا زَالَ يَنْـزِفُ أَحْبَـارِي
وَيَعْـزِفُ فَـوْقَ السَّطْـرِ فَجْـرًا كَـأَنَّـهُ
يُلِمْلِـمُ لَحْنًـا تَحْـتَ أَنْقَـاضِ قِيـثَـارِ
فَمَا الذَّنْبُ فِي عَزْفٍ عَلَى مَحْـضِ أَسْطُـرٍ
تَكَوَّنَّ قَبْـلَ الشِّعْـرِ مِـنْ قَطْـعِ أَوْتَـارِ
حَكَمْتَ عَلَى حُزْنِـي، وَحَوَّلَـتَ أُحْرُفِـي
سُجُونًـا، عَلَـى جُدْرَانِهَـا دَمُ أَحْـرَارِي
يَرَاعِـيَ سَـجَّـانٌ عَلَـيْـهِ، وَشَنْـقُـهُ
بِحَبْلِ وَرِيـدٍ، ضُفِّـرَتْ فِيـهِ أَسْطَـارِي
وَيَعْـرُجُ بِـي لِلْقَـاعِ فِـي وَرَقِـي غَـدٌ
يُعَانِي عَمَـى رِيـشٍ يَطِيـرُ إِلَـى النَّـارِ
كَأَنِّي رَسُولُ الشَّمْسِ مِـنْ سِـدْرَةِ الْمُنَـى
إِلَى شَعْـبِ أَوْرَاقِـي، وَطُـورِدَ أَنْصَـارِي
وَفرعَـونُ يُخْفِـي تَحْـتَ خُفَّـيَّ مُخْبِـرًا
مِنَ الْيَأْسِ يُحْصِي صَيْفُـهُ عَرَقِـي الْجَـارِي
دَعَا عَسْكَرَ الأَغْرَابِ تَكْتُـبُ بِالـرَّدَى
عَلَى خَدِّ أَرْضِـي دَمْعَـةَ الْحَقْـلِ وَالـدَّارِ
تَظَاهَرَ -فِي جِلْـدِ الْخَرِيـفِ- بِخُضْـرَةٍ
وَكَمْ صَـدَّقَ الْعُصْفُـورُ خُضْـرَةَ دُولارِ!!
أَنَا الْمُرْسَـلُ / الْمَطْـرُودُ مِنِّـي لِشَـارِعٍ
يُعَبِّـدُهُ مَـشْـيُ الْعَسَـاكِـرِ بِالـثَّـارِ
وَآمَنَـتِ الأشـجـارُ بــي فَتَفَتَّـحَـتْ
وُرُودُ طُمُوحِي، جَارُهَـا صَبْـرُ صَبَّـارِي
وَجَاءَتْ شُعُـوبُ الأُمْنِيَـاتِ تَحـجُّ فِـي
دَمِـي، وَيُصِلِّـي فِـي الْقَصِيـدَةِ زُوَّارِي
عَصَافِيـرُ أَمْ نَبْـضٌ يُـزَقْـزِقُ بِـالـرُّؤَى
فَيَخْضَـرَّ فِـي يُمْنَـايَ إِحْسَـاسُ نَـوَّار
فَكَيْـفَ يَسِيـرُ الْعَسْكَـرِيُّ عَلَـى فَمِـي
وَيَجْعَـلُ مِـنْ عَيْنَـيَّ أَكْـؤُسَ خَـمَّـارِ
وَيصنـعُ قُفَّازَيْـنِ مِـنْ جِلْـدِ جَبْهَـتِـي
وَكَفَّـاهُ مِـنْ ثَلْـجٍ عَقِيـمٍ وَإِعْـصَـارِ
يَبِيتُ مَعِـي خَـدِّي عَلَـى شَـطِّ مُقْلَـةٍ
عِرَاقِيَّـةٍ دِيـسَـتْ بِـأَقْـدَام غَــدَّارِ
عَمُودُ فَقَـارِ الأَرْضِ نَخْـلٌ قَـدْ انْحَنَـى
فَأَسْقَـطَ فِـي خُفَّـيَّ جَبْهَـةَ إِصْـرَارِي
ألِلسَّرِقَـاتِ التَّمْـرُ؟ لِلْقَصْـفِ دَارُنَــا؟
وَلِي رَعْشَتِـي؟ وَالْبَـرْدُ أَرْغِفَـةُ الْعَـارِي؟
وَلِلْقُدْسِ حَبَّـاتٌ مِـنَ النَّبْـضِ تَسْتَـوِي
عَلَى غُصْنَيِ الأَقْـلامِ فِـي أَرْضِ أَسْطَـارِي
أهـزُّ جُـذُوعَ الضَّـوْءِ؛ تَسْقُـطُ حَبَّتِـي
لِقَاعِ يَـدٍ تَجْنِـى -بِظُفْرَيْـنِ- أَمْصَـارِي
قُطِفْتُ؛ وَظُفْرُ الليْلِ يَحْفـرُ فِـي الْمَـدَى
لِصَوْتِيَ قَبْرًا مُخْلِصَ الصَّمْتِ... يَا جَارِي
أَتَسْمَعُنِـي وَالْقَصْـفُ يَغْسِـلُ جِسْـمَـهُ
بِصَرْخَتِيَ الأُخْرَى.. وَصَابُونِـهِ النَّـارِي؟!
وَيَغْـرِزُ فُــولاذُ الْجُـحُـودِ جِــدَارَهُ
عَلَى كَتِفِ الْخُذْلانِ؛ أَعْلَى مِـنَ الْعَـارِ؟!
وَفَـوْقَ جِـدَارِ الرِّيـحِ تَنْقُـشُ طِفْلَتِـي
بِإِبْـرَةِ آهٍ جَرَّحَـتْ قَلْـبَ أَحْـجَـارِي
أَلَـمْ تَأْتِـكَ الأَنْسَـامُ حَمْـرَاءَ ليـلـةً
بِشُرْفَتِكَ الْبَيْضَاءِ فِـي الْجُـرُفِ الْهَـارِي
تَعَوَّدَ طِيـنُ الْحَقْـلِ طَعْـمَ دَمِـي، فَهـلْ
تَكُونُ سِـوَى حَمْـرَاءَ أَنْسَـامُ أَزْهَـارِي
كَـأَنَّ ثَلاثًـا لا ذِرَاعَيْـنِ لِـي: فَـقَـدْ
وَضَعْتُ لِكِتْفِ الشِّعْـرِ سَاعِـدَ أَحْبَـارِي
فَمَا زَالَ مَمْـدُودًا عَلَـى السَّطْـرِ لِلسَّمَـا
لِيُـعْـطِـيَ للهِ الـدُّعَــاءَ بِـتَـكْـرَارِ
فَإِنْ تُعْفِكَ الأَسْوَارُ مِـنْ هَمْسَتَـيْ يَـدِي
إِلَـى لُقْمَتَـيْ أَمْـنٍ لَدَيْـكَ وَأَثْـمَـارِ!!
فَكَيْفَ سَيُعْفِي السُّورُ لَـوْ جَـاوَرَ الْعِـدَا
دِيَارَكَ بَعْـدِي.. لَـوْ مَحَوْنِـي بِأَسْـوَارِي
فَلَوْ كَـانَ يَوْمِـي الْيَـوْمُ، فَانْتَظِـرِ ابْنَـهُ
بِنَفْسِ صِفَـاتِ الْقَهْـرِ -يَـا جَـارُ- لِلْجَـارِ
فَبِعْنِـي كَمَـا شَـاءَ الْظَّـلامُ؛ وَبَعْدَهَـا
يَبِيعُكَ غَيْرِي؛ (نَفْسُهُ الْكَاهِـنُ الشَّـارِي)!
وَلَـوْ أَنَّنِـي أَفْدِيـكَ يَـابْـنَ عُرُوبَتِـي
بِشَعْبِـي وَشِعْبِـي وَالسَّنَابِـلِ وَالــدَّارِ
أَنَا أَنْـتَ: قَلْبِـي فِـي ضُلُوعِـكَ نَبْضُـهُ
وَدَمْعُكَ فِي خَـدّيَّ مَحْصُـولُ أَشْجَـارِي
وَفِـي نِيلِـكَ السَّهْـرَانِ بَاقِـي سَفِينَتِـي
بِدَفَّـةِ إِسْلامِـي، وجَــدُّكَ بَـحَّـارِي
أَنَـا أَنْـتَ؛ وَالْقُـرْآنُ مَـدَّدَ شَاطِـئًـا
بِطُـولِ ذِرَاعَـيْ آيَـةٍ تُنْقِـذُ الـصَّـارِي
أَنَا أَنْـتَ: مِـنْ نَهْـرَيَّ يُوسُـفُ رَاضِـعٌ
عَلَـى عَرْشِـكَ الـدُّرِّيِّ خَضَّـرَ آثَـارِي
وَسَـلْ بَقَـرَاتٍ أَطْعَـمَ ابْنِـي سِمَانَهَـا
وَسُنْبُلَـةً فِـي عُودِهَـا قَمْـحُ أَعْـمَـارِ
وَجُدْرَانَ كَأْسِ السِّجْـنِ تَرْشُـفُ عُمْـرَهُ
فَهَلْ قَطَعَ ابْنِـي بَعْدَهَـا كَـفَّ خَمَّـارِ؟!
وَضَفَّـاتُ أَحْلامِـي علـى بَـابِ مَعْبَـرٍ
أَذِقْ ضَفَّتِي -يَا جَارُ- أَصْـوَاتَ أَنْهَـارِي
حَنَى كَتِفَـيَّ السُّـورُ يَـا بَانِيًـا؛ وَفِـي
عُيُونِـيَ رَدْمُ الطُّـوبِ يُغْمِـدُ إِبْـصَـارِي
وَشَابَتْ بِحِضْـنِ الْقَلْـبِ طِفْلَـةُ نَبْضِـهِ
وَلَـمْ يُتْقِنَـنْ صَوْتِـي تَسَلُّـقَ أَخْطَـارِي
أَخِي فِي شمَـالِ الْمَـوْتِ، وَابْنِـي جَنُوبَـهُ
وَخَالِيَ غَـرْبَ النَّـزْفِ فَـلاحُ صَبَّـارِي
وَبِنْتِـي -بِأَفْـوَاهِ التَّـشَـرُّدِ وَالْمُـنَـى
مُغَمَّسَـةً بِالثُّكْـلِ- مَمْضُوغَـةُ الــدَّارِ
وَأُخْتِـي: عَلَـى كِتْفَـيْ رِضَاهَـا تَرَمُّـلٌ
ثَقِيـلٌ عَلَيْهَـا؛ فَوْقَـهُ حِمْـلُ أَبْـكَـارِ
وَأَنْـتَ بِكُرْسِـيِّ الأَمَــانِ مُجَلْـبَـبٌ
تَـرُصُّ بِأَسْمَنْـتِ الأَذَى طُـوبَ أَعْـذَارِ
فَدَيْتُ أَبَاكَ الشَّمْـسَ؛ لَـوْ كَـانَ سَامِعًـا
لَمَدَّ جُيُوشَ الضَّـوْءِ فِـي عَيْـنِ أَقْطَـارِي
وَأَثْمَـرَ مِـنْ عَيْنَيْـهِ أَلْــفَ سَحَـابَـةٍ
لِيَـرْوِيَ صَحْـرَائِـي أُخُــوَّةَ أَمْـطَـارِ
أَبُوكَ الَّذِي مَـا كَـانَ يَرْمِـي ابْـنَ عَمِّـهِ
لِيَرْعَـاهُ بُـومٌ مَـا لَـهُ غَيْـرُ مِنْـقَـارِ
فَنِصْفِيَ لَـوْمٌ فِيـكَ، وَالنِّصْـفُ خَائِـفٌ
عَلَيْكَ مِـنَ الآتِـي؛ إِذَا لَـمْ تَكُـنْ دَارِي
عَلَـى جَسَـدِي خَـطٌّ، وَنِيلُـكَ وَصْلُـهُ
لِيُكْمِـلَ أَعْدَائِـي خَرِيـطَـةَ إِطْـمَـارِي
أنـا وَاحِـدٌ يَـا اثْنَـانِ، بَغْـدَادُ ثَالِـثٌ
مُضِغْنَا؛ وَتَبْقَـى أَنْـتَ لُقْمَـةَ إِعْصَـارِ!!
جِدَارُكَ -يَابْنَ الْعَـمِّ- إِنْ دَاسَنِـي، فَمَـا
جَبِيـنُ جِـدَارٍ غَيْـرَ خُــفٍّ لِطَـيَّـارِ
فـإِنْ حُوصِـرَتْ عَيْنَـاكَ بَعْـدِي بِجِيـرَةٍ
وَخُبْزُكَ عَانَى الْجُوعَ فِـي بَطْـنِ سِمْسَـارِ
وَصُـدِّعَ حَقْـلٌ كَـانَ يَرْعَـى بَنَـاتِـهِ
بِطِيبَـةِ نَهْـرٍ شَـاخَ، أَوْ عَطْـفِ آبَــارِ
وَطَفْلُـكَ تَنْسَـاهُ الـشَّـوَارِعُ بَعْـدَمَـا
يُنَسِّـرُ ذِكْـرَى مَوْتِـهِ أُصْبُـعَـا نَــارِ
وَلَـمْ يَبْـقَ لِلْمَجْـرُوحِ فَـوْقَ أَسِــرَّةٍ
تُرَابِـيَّـةٍ إِلا رَدًى طَـعْــمَ عَـقَّــارِ
وَسُورُكَ أَعْلَى مِـنْ صُرَاخِـكَ، وَالضُّحَـى
قَمِيصُكَ فِـي أَنْيَـابِ ذِئْبِهُـمُ الضَّـارِي
وَمُؤْتَمَـرٌ صَـبُّـوا بِكَأْسَـيْـهِ غَـفْـوَةً
لِيَشْرَبَـهَـا وَعْــدٌ بِـعَـوْدَةِ إِعْـمَـارِ
وَسَدَّتْ عَلَيْـكَ الضَّـوْءَ بِالسُّـورِ جِيـرَةٌ
فَمَـا شَـمَّ فَـقْـرُ الْـبَـابِ وَرْدَةَ زُوَّارِ
وَحِيـنَ تَسَلَّـقْـتَ الْـجِـدَارَ بِنَـظْـرَةٍ
سَقَطْتَ بِقَاعِ الْجُرْحِ مِـنْ جُـرُفٍ هَـارِي
حَفَـرْتَ لِقَبْـرِي فـي رِضَـاكَ مِسَاحَـةً
تَقُولُ: أَنَا أُعْـدِدْتُ مِـنْ أَجْـلِ حَفَّـارِي
فَحِيـنَ تَـذُوقُ السُّـورَ؛ وَهْـوَ مُعَـفَّـرٌ
بِذَاكِـرَة الشَّكْـوَى وَحُمْـرَةِ أَقْــدَارِي
فَأَلْقِ عَلَى فَوْدَيْـكَ مِـنْ قَبْـرِ صَرْخَتِـي
تُـرَابَ عِتَـابٍ بَلَّـهُ حَـرُّ تَـذْكَـارِي