اقرأ قصيدة "الخيار الوحيد"

مساءً..
وقد عدتُ للبيتِ ممتلئًا بالمشاويرِ
لا أتذكرُ أسماءَ من صافحوني
ولا من أرادوا لي الشرَّ عجزًا
أمام نزاهتيَ العبقرية..
.........................
............
إني أقولُ..
مساءً وقد عدتُ مزدحمًا
.. بمجردِ أنْ صرتُ وحدي
وأغلقتُ بابي عليَّ
وجدتُ القصيدةَ في الركنِ تبكي
كأمٍّ تغيَّبَ أصغرُ أبنائها
ساعةً ثم عادَ..
وجدتُ القصيدةَ تحضنني
قلبُها كان أسرعَ في النبضِ
رعشتُها ذكرتني برقصةِ
سكانِ أدغالِ إفريقيا..
قلتُ: إني بخيرٍ..
رأيتُ القصيدةَ تمسحُ دمعتَهَا
وتنهنهُ قائلةً:
وأنا صرتُ أفضلَ حالا لأنكَ عدتَ..
على وجهِهَا ارتسمَتْ بسمةٌ
جذبتني لتجلسَني فوق طرفِ السريرِ؛
تجردني من حذائي برفقٍ..
تقولُ: احكِ لي عن همومِكَ،
واحكِ عن الأصدقاءِ،
ومَنْ حاوَلَتْ أن تفوزَ بإعجابِكَ اليومَ؟
كُن يا حبيبي صريحًا..
ولكنني ألزمُ الصمتَ
بعد قليلٍ ستقطعُ صمتي محذرةً:
يا صديقي انتبهْ
إنني صرتُ أذكى..
وأعرفُ أنكَ تتنظرُ الآنَ مني الكلامَ
لتعرفَ نفسَكَ من جملةٍ
سوف أهذي بها..
كُلُّكم هكذا معشرَ الشعراءِ،
ولكنها حكمةُ الكونِ..
من دونِكم لن نكونَ
ومن دونِنا لن..
أقاطِعُها:
إنني الآنَ في حاجةٍ أن أبوحَ،
فمن حسنِ حظي وحظِّ امرئ القيسِ، والشنفرى، والمعريِّ -إخوتِنَا في الرضاعةِ- أنَّ القصيدةَ تمنحنا فرصةَ البوحِ من دون خوفٍ..
فلا أحدٌ يستطيعُ دخولَ قصائدِنَا غيرنا..
فتقولُ: إذن بُحْ
أقولُ لها: إن أقبحَ ما فيَّ
أني ولدتُ بمصرَ
وأجملَ ما فيَّ أني كرهتُ حقيقةَ
أني ولدتُ بمصرَ..
فقالت: إذنْ عُدْ جنينًا برحمي
ألِدْكَ نبيًّا بلا وطنٍ،
أو بمعنىً أصحَّ،
أجردْك من كلِّ شائبةٍ كالمعاناةِ
قلتُ: المعاناةُ أعرفها
وهي تعرفني منذ كنا صغارًا
كأنا كَبَرنا معًا..
قالتِ: الآنَ أنتَ نجوتَ بها
فاعترفْ بالمعاناةِ أختًا
وبالمستحيلِ أخًا
والجنونْ
رفيقَ الطريقِ الذي لا يخونْ..
أقولُ لها ولنفسي:
إذنْ لا خيارَ أمامي
فإما أكونُ وحيدًا..
وإما وحيدًا أكونْ!