الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

عبد القادر الجنابي يحلل النضال ضد عبادة الماضي في الاتجاهات الطليعية الروسية

صدى البلد

Normal
0

false
false
false

EN-US
X-NONE
AR-SA








يرصد كتاب "النضال ضد عبادة
الماضي.. الاتجاهات الطليعية الروسية (1910 ـ 1913)" للشاعر والمترجم الكبير عبد
القادر الجنابي والصادر هذا الأسبوع عن المجلس القومي للترجمة بالقاهرة في 508 صفحات
من القطع المتوسط، رؤية تحليلية إبداعية عميقة للاتجاهات الطليعية الروسية والمستقبلية
الإيطالية بين عامي 1910 و1930 وأبرز ما أنجزته من تحولات عميقة في رؤية الماضي وتجليات
ذلك في التجربة الشعرية والفكرية الروسية والأوروبية.
فطوال الكتاب سنرى "كم يشكل
احتقار الماضي مبدأ جوهريا في الحركات الطليعية للقرن العشرين. كما إن النقطة الوحيدة
التي يلتقي فيها "البيان الشيوعي" و"بيان المستقبلية"، هي أن كليهما
ينسف الحدود الجغرافية المحددة انزياحا من انتمائية المركز إلى لا انتمائية أممية،
فالأول باسم الأممية البروليتارية، والثاني باسم التخلص من ماضي الأمم إلى مستقبل كوني.
كلاهما حاول أن يقلب تجربة اللامركزية، التشريد والنزوح، إلى أشكال من الأممية، وهذه
الصفة باتت جزءا أساسيا من من لغة البيانات الطليعية التي جاءت بعد "بيان المستقبلية"،
الحجر الأساسي للطليعة الأدبية.
ومن الفروق الأساسية، هي أن "البيان الشيوعي"
يقدم نفسه غاية بذاتها، كان الابداع يقاس من خلال ميزان الماضي. لكن مع صعود البيان
الطليعي من خلال المستقبلية، أصبح يقاس من خلال حضوره المفاجئ من لحظة انبثاقه وما
يحمله من استقلالية آنية ".

يفتتح الجنابي كتابه بمقتطفات من أقوال
كبار الشعراء والمفكرين والفلاسفة التي تحمل جميعها رفضا للماضي، ليبدأ بعد ذلك
"شظايا على سبيل التقديم" حيث يتوقف مع بودلير مشيرا لمقالته "رسام
الحياة الحديثة" التي وضع ونحت فيها لبنة مفهوم الحداثة، ثم يضعنا مع أول ظهور
لكلمة "الطليعة" في دراسة لـ "اتيان باسكيه" في أواخر القرن السادس
عشر ثم ظهورها في القرن التاسع عشر عند أحد أتباع حركة سان سيمون، "فانزاح المعنى
المجازي إلى مجال الوعي، وعي الفنان بأنه في مقدمة زمنه وتقع عليه مسئولية القيادة
في التثقيف، وهذه المقاربة وجدت صداها في النظرية الماركسية اللينينية حيث الحزب هو
الطليعة الثورية للبروليتاريا.

غير أن الاختلاف جوهري بين هذا الاستخدام السياسي لكلمة
الطليعة والاستخدام الفني الأدبي الذي بدأ بعد ظهور بيان مارينيتي. ففي المفهوم السياسي
تعني "الطليعة" أن يخضع الفن نفسه إلى مطالب وحاجات الثوريين السياسيين،
بينما في المفهوم المستقبلي والحركات التي تلت، فإنها تعني الاصرار على طاقة الفن الثورية
بشكل مستقل، يقول سان سيمون مثلا "في مهمة الفنانين العظيمة هذه، سيبدأ رجال المخيلة
المسيرة، سيأخذون العصر الذهبي من الماضي ويمنحونه هدية إلى أجيال المستقبل".
بينما الحجر الأساس في الطليعة الأدبية والفنية في نظر مارينيتي، هو ردم تراث الماضي
وعصره الذهبي ".

ويوضح الجنابي أن مارتينيتي في بيانه عام
1914 بين "أهم العناصر التي تقوم عليها الجمالية الماضوية "الرومانسية والرمزية
والانحلالية"، وعبادة الماضي في الثقافة والحياة، والعناصر هي "المرأة القاتلة،
ضوء القمر، الذكرى، الحنين، انعدام الأخلاق، ضباب أسطورة قديمة، الطريف، الفتنة الغربية
التي تحدثها الأماكن البعيدة، الغامض، الوحشة، الفوضى المبرقشة، الريفية، الغسق المظلل،
التداعي، الملل، زنجاز السنين الوسخ، تفتت الأطلال، رائحة العفونة، ميل إلى التعفن،
التشاؤم، السل، الانتحار، ملاطفات، الاحتضار، جماليات الفشل، عبادة الموت".

وبوجه
هذه الأسس طرح أسس اليوم حيث ميلاد حسية جمالية جديدة سماها "البهاء الهندسي الميكانيكي"،
عناصرها الرئيسية هي "الشمس المضرمة ثانية
بالارادة، النسيان الصحي، الأمل، الرغبة، العابر، القوة الملجمة، السرعة، الضوء، الارادة،
النظام، الانضباط، المنهج، غريزة الانسان مضاعفا بالمحرك، روح المتروبول، التفاؤل الشكس
الذي نحصل عليه بالتربية البدنية والرياضة، المرأة الذكية "لذة، خصب، شئون"،
مخيلة بلا سلك، الوجود في كل مكان، الاقتضاب والتزامن الذي يميز السياحة، القضايا الكبري،
الصحافة، صبوة النجاح، الرقم القياسي، تقليد الكهرباء والآلة على نحو تحمسي، الايجاز
الأساسي والتركيب، دقة المسننات والأفكار المزيتة، تلاقي الطاقات وهي تتقارب بمسيار
واحد انتصاري ".

ويضيف الجنابي "وليظهر غليوم أبولينير
احتقاره مبدأ عبادة الماضي أصدر في يوم الجائزة الكبرى "29 حزيران 1913"
بيانا مستقبليا استقزازيا ضد التراث أثار موجة من النقاشات الحادة، إذ جاء البيان على
شكل قسمين: في القسم الأعلى، وضع أبو لينير تحت عنوان بحرف أسود كبير "خرة على"...
أسماء حركات الماضي وكبار شخصياته الأدبية والفنية، من بينها: فاغنر، بودلير، هيجو،
غوته، دانتي، شكسبير، النقاد، الروحانيون، الواقعيون، الأكاديميات، الرومانسية، المؤرخون،
الأطلال، تولستوي، ويتمان، آلن بو، القواميس...إلخ. وفي القسم الأسفل، وضع تحت عنوان
بحرف أسود كبير "وردة إلى"... أسماء كتاب وشعراء ورسامين معاصرين له، من
بينها بيكاسو، ماكس جاكوب، مارينيتي، مارسيل دوشان، ليجيه، كاندينسكي، سندراس، جوف،
أندريه سالمون، بازيتشي... إلى ".

يؤرخ الجنابي ويحلل ويناقش وينتقد عشرات
البيانات والوثائق والأشعار التي أصدرها الطليعيون والمستقبليون الروس الذين يعتبرون
اليوم أفضل ما أنتجه الأدب الروسي في القرن العشرين: مايكوفسكي، خليبنيكوف، كروتشيونيخ،
باسترناك، يَسينين، شخلوفسكي، زامياتين، تروتسكي، فيدنسكي، زامياتين.. الخ، كاشفا أن
المبدعين الروس الجدد في مطلع القرن العشرين "شعروا بالضيق من قوانين مرسومة بينما
الواقع اليومي يعيش غليان تجديد وينتج أدواته هو لتحقيق تطوره. كما أن تطور الآلات
أخذت تنتج علاقات اجتماعية جديدة تحتاج إلى مواكبة جديدة كل الجدة. ولتحقيق ذلك كان
عليهم أن يشنوا أولا حربا على الشعر الرمزي معلنين أن الشعر لا يكمن فقط في الرموز،
خصوصا الرموز الدينية، وإنما يجب أن يبحث عنه في التجربة الحية بالشارع والمعمل والمدينة،
وأخذت تتجلى هذه النزعة أولا عبر شعراء منفردين، ثم راحت تتطور إلى اتجاهات تجميعية
من بينها اتجاه "الذرووية" ـ من الذروة ـ تحت قيادة نيكولاي غوميليوف، وأنا
أخماتوفا وأوسيب ماندلشتام، ويدعون إلى تحديث الكلاسيكية بشعر صاف متخلص من الرموز
يتحلى بصور صافية ومقتصدة ومستلة من الواقع اليومي، ثم جاء اتجاه "المستقبلية
ـ الأنا" الذي كان أول من استخدم كلمة مستقبلية، وإذا كانت حركة "الذرووية"
الشكل الحديث للكلاسيكية تهتم بالمهارة الشعرية وجماليات الماضي، فإن اتجاه "المستقبلية
ـ الأنا" تحت قيادة إيغور سفيريانين، كان محاولة الاستفادة من النقد المستقبلي
الايطالي للرمزية، وفي الوقت ذاته الحفاظ على الأسلوب الشكلي الروسي للشعر الرمزي.

على أن كل هذه المحاولات بقيت في موقع المتأثر والمقلد والمنحصر في التجديد المحافظ
على جوهر الرمزية الروسية في مفهوم الشعر، بحيث أن محاولتهم في نحت كلمات جديدة كانت
وسائط لأغراض إيقاعية ونوعا من التسامي فحسب. غير أن تيار "أهليا ـ المستقبلية
التكعيبية" هو الذي سيترأس غليان الانتفاضة الشعرية على الرمزية وعلى التراث وعلى
كل عودة إلى الماضي، منطلقا من الشارع المضطرب بالحركة والشغب، والانقاض والاحجار وليس
من الصالة الأدبية المؤثثة بكراس نظيفة يتصدرها دائما المنبر وجوقة الأدباء الرسميين ".

ويضيف الجنابي "لقد ناضل المستقبلانيون
من أجل شعرية قائمة على المفاجأة لكن لا على المفاجأة مع سلامة النحو، وإنما شعرية
ذات لغة غاضبة، تتجلى أكثر كل ما حذفنا الفاعل، أو المفعول أو أجزاء من الجملة، ويكون
للأصوات المعزولة دلالة سيميائية. ومن هنا كانت أعمالهم التجريبية الأولى ممرا لسوبرماتية
ماليفيتش حيث الأداة بدل الأسلوب في الرسم، وأرضا نمت فيها اللبنة الأولى لتيار نقدي
سيعرف فيما بعد بـ "الشكلانيين الروس" حيث علينا أن نفهم أن "لأدب له
قدرة على جعلنا نرى العالم من جديد" كما اكتشف عالم الفلك سابقا أن الأرض ليست
سوى كوكب بين كواكب عديدة" كما وضح جاكوبسن ".

ويرى الجنابي أن المستقبليين الروس راحوا
ينظرون إلى المستقبلية كتحقيق شمولي لروسيا الفريدة على عكس مستقبلية مارينيتي التي
كانت تجري في إطار إبداعي، محافظة على استقلالها
الشعري، حتى في لحظات تواطؤها مع الواقع الفاشستي.

لم يستطع المستقبليون الروس
التخلص من شبح الشمولية الغائر في مظانهم السحيقة، رغم كل محاولاتهم لتهدم معالم الماضي
الروسي كلها. إذ ظلت الشمولية السلافية تتربص بثورتهم التي شنوها من أجل خلق نظام يتصالح
فيه الفني والسياسي، الجماعي، والفرداني، النثري والشعري. وكان أول انتصار من كل شائبة
إيطالية وغربية، وإذاعتها بوصفها منتجا فريدا من منتجات العظمة السلافيفة. بحيث إن
بعض تصريحاتهم ومقالاتهم تضمنت شتائم على الغرب ومدحا للانتماء السلافي. فمثلا في بييان
الإشعاعية كتب الرسام لايونوفا "عاش الانتماء القومي "السلافي".. فليسقط
الغرب ".

يذكر أن الجنابي ولد عام 1944 في بغداد،
وقصد لندن أواخر يناير 1970 ومكث فيها أكيثر من سنتين ثم ذهب لباريس حيث يقيم الآن
كمواطن فرني، وقد أسس عدة مجلات بالعربية والفرنسية والانجليزية منها "الرغبة
الاباحية" و"النقطة" و"فراديس"، كما أصدر عشرات المناشير
والكراسات والدواوين وقد جمع معظمها في كتابه "ما بعد الياء"، وله ترجمات
من الانجليزية والفرنسية لباول تسيلان وجويس منصور، كما صدر له "قصيدة النثر وما
تتميز به عن الشعر الحر" يتضمن دراسات ونماذج من قصيدة النثر الفرنسية، و"أنطولوجيا
النثر الألمانية" بالاشتراك مع صالح كاظم، و"أنطولوجيا بيانية.. دراسات وتراجم
لشعراء الحداثة الغربية "