عندما يغيب الحوار بين طرفين، تزداد الفجوة، أو الهوة، أو مساحة البعد عن نقاط الالتقاء؛ ومن ثم نتوقع العزلة، المقوية لحالة الصمت، وتفعل ماهية الأنانية، ولا جدال حول إنه تتباعد الرؤى والأطروحات، المساهمة في حل المشكلات وإزالة الخلافات؛ إنها حالة يتوجب أن ندرك سلبياتها على الوجدان، بل، تنعكس على الممارسات والأداءات، سواءً أكانت على المستوى الفردي، أم الجماعي، وعلينا أن نفرق بين الحالة المؤقتة، التي نصاب فيها بالصمت، قد يكون بسبب عمق التفكير، أو التحليل، وبين حالة تصف تحمل وضعية نوعًا من التفاهم، الذي يصعب أن تعبر عنه الكلمات؛ حيث نوقن أنها لغة خاصة بين طرفين تربطهما وشائج محبة غائرة.
الإيجابية التي توصف بالمرغوبة لدينا، تكمن في صورة العلاقات القوية، القائمة على مبادئ المحبة، والاحترام، والتقدير، وكثير من الاتصافات القيمية العديدة؛ ومن ثم يجب أن نعمل على تعضيد لغة الحوار، ونأخذ بكافة المسببات المؤدية لذلك؛ كتهيئة المناخ المواتي الذي يساعد الطرفين على تحديد نقاط التقاء يحرص كلاهما على التمسك بها، وهو ما يسهم في تجاوز كثير من الخلافات، أو تلافي سلبيات، لا تؤثر قطعًا على واحة الدفء، التي ينبغي أن تتوافر بينهما، وفي المقابل تجاهل لغة الحوار، يؤدي إلى انهيار سياج الأمان بين الطرفين، وهنا ننزلق بسهولة في نفق الخصام والنزاع، الذي لا تنتهى آثاره غير السوية.
لغة الحوار الفعال تزيد الشكوك حول مظاهر سلبية، مثل الكبرياء، أو الشعور بالدونية، أو بوادر الرهبة؛ لأن فلسفة الحوار تعتمد على القبول والتقبل، ومحاولة الانخراط في أطياف الأفكار، المتبادلة بين الطرفين، وهذا بالطبع يساعد في خلق حالة من التواد، ليس في سياج الحديث فحسب، بل، رغبة في الإصغاء، الذي يعزز الانسجام، ويقرب المسافات، ويقلل من التوترات، ويقضي على محاولات فرض الرأي، أو الاستحواذ على طرف الحديث، ويزيل كل أسباب العناد، التي يتم التمسك بها من الطرفين أو أحدهما؛ لذا لا نغالي عندما نقول أن الحوار أداة سحرية، لا تزيل الغموض فقط؛ لكن تعمق مساحة التفاهم وتقويها.
المراحل المتقدمة في لغة الحوار، تتيح الفرصة لإبداء الاعتذار، بعد تحقيق تفاهمات بين الطرفين، وهذا دون مواربة يعد درجة من الشجاعة، مثاب دون مواربة من يبادر بها؛ كونها صفة نبيلة، تؤكد على قوة الحجة والشخصية؛ فكما ندرك أن الاعتراف بالحق بفضيلة؛ فإنه يجعلنا ندرك أن هجرة الحوار تزيد العناد، وتعبأ الإنسان منا بطاقات سلبية، يتمخض عنها تصرفات غير سديدة؛ لذا لابد أن نتمسك بماهية الحوار؛ ليصبح عادة نتركن عليها في تصفية النفوس، وتقوية العلاقات الاجتماعية، في شتى ميادين التفاعلات؛ لنحول الخلافات إلى توافقات يثمر عنها حصادات نرتضيها.
الحوار البناء يؤدي إلى تحسين العلاقات بين الطرفين، ويساعد حتمًا في إشاعة الطمأنينة، ويقضى على أطر النزاع أو الخلاف، ويدفع الطرفان إلى التغيير تجاه الأفضل، وهنا نتوقع نضجًا في العلاقات، وتعزيزًا للنقاط الإيجابية التي يتم التوافق عليها؛ ومن ثم نستطيع أن نرسم سيناريوهات مستقبلية، تحقق غايات طويلة المدى بين جميع الأطراف، وهذا في حد ذاته له ثمار يصعب تناولها؛ لكن يحضرنا منها تعضيد مستويات الثقة، وتجنب مسببات تأجيج الخلاف، وفتح أبواب للابتكار، والوصول لحلول ناجزة لقضايا ملحة، والتوفيق بين الآراء، والمقدرة على تحول المحن إلى منح؛ نتيجة لتقارب وتناغم سياج الأفكار.
دعونا نعلى من لغة الحوار البناء، ونعزز من مقوماته؛ لنعضد الاحترام فيما بيننا، ونغلف المشاعر بالمحبة، ونتجاوز فلسفة المصالح الخاصة؛ لنترقى بصور التعاملات ونذيب كل مسببات الخصام التي يخسر في طياته الجميع دون استثناء، وتعالوا إلى بيئة حاضنة لماهية الانصات، والاستماع، والحديث دون وجل أو خشية، وفي هذا السياق الوجيز أرى أن نتمسك بصيغة الحوار الفعال في بيوتنا، ومؤسساتنا التعليمية بمختلف سلمها، وفي بيئات العمل والإنتاج، وفي منتدياتنا المجتمعية المبرمة عبر بوابات رسمية وغير رسمية؛ حيث لا مناص عن تلك القيمة والممارسة الحميدة في حياتنا بصورة مطلقة.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.