الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

تعرف على واقعة اعتداء القرامطة على الحرم وسرقة الحجر الأسود

صدى البلد

أدخلت الحملات الوحشية التي كان يقوم بها قرامطة البحرين على المدن القريبة والبعيدة الرّعب والهلع في نفوس المسلمين، وخصوصاً عمليات الإبادة والقتل الجماعي التي كان القرامطة يمارسونها، وبالأخصّ على قوافل الحجّ التي كانت تتعرّض دوماً لغارات وحملات من هذا النوع.
وكان الحجّاج الذين يمرّون بمناطق يُسيطر عليها القرامطة وخصوصاً القادمين من العراق، يتعرّضون لحملاتهم الوحشية، حتّى وصل الأمر إلى أنّه في سنة 263 و316 لم يتمكن أي من الحجّاج القادمين من العراق من أداء مراسم الحجّ في هاتين السنتين.
وصل الأمر إلى ذورة الخشونة والوحشية في سنة 317 فنتجت عنه فاجعة كبرى، فقد امتنع القرامطة على غير عادتهم من مهاجمة قوافل الحجّاج القادمين من العراق باتّجاه الديار المقدّسة، فوصلت القوافل ومنها قافلة العراق بقيادة منصور الديلمي سالمة إلى مكّة دون مضايقة تذكر، إلاّ أنَّ القرامطة بقيادة أبوطاهر الجنابي هاجموا الحجّاج يوم التروية في مكّة على حين غرة فقتلوا منهم جمعاً غفيراً، وليس ذلك وحسب بل هجموا على أهل مكّة وعملوا منهم مذبحة مريعة وانتهكوا حرمة وقدسية المسجد الحرام.
ويذكر أنّ أبوطاهر هاجم الحجّاج وأهل مكّة على رأس (900) فارس بينما كان هو ثمل ممتشق حسامه على ظهر حصانه الذي تبوّل قريباً من بيت الله الحرام.
وينقل المؤرّخون أنَّ القرامطة قتلوا ما استطاعوا من الحجّاج وأهل مكّة، وهتكوا الحرمات ودنّسوا المقدّسات. فقتلوا ما يقارب (1700) نفس كان معظمهم متمسّكاً بأستار الكعبة. وكانت سيوف القرامطة تحصد رؤوس النّاس من الطائفين والمصلّين وحتّى الذين هربوا من بطشهم إلى الوديان والجبال، فكان النّاس يصيحون عليهم: أوَ تقتلون ضيوف الله؟ فكان القرامطة يجيبونهم: إنَّ من يخالف أوامر الله ليس بضيف له. وقد وصل عدد الذين قُتلوا في هذه الحملة الوحشية قرابة (30) ألف إنسان، ورمى القرامطة بجثث أكثر هؤلاء في بطن بئر زمزم ودُفن الكثير كذلك منهم دون أن يُغسلوا أو يكفّنوا.
وفي تلك الحالة التي كان القرامطة يُذبّحون فيها المسلمين ويعملون من جثثهم كومات متراكمة بعضها فوق بعض، كان أبوطاهر ينشد البيت التالي وهو يقف بقرب الكعبة: أنا بالله وبالله أنا يخلق الخلق وأفنيهم أنا
وإضافةً إلى المقتلة العظيمة التي أحدثها القرامطة، والوحشية التي اتّبعوها مع الحجّاج، واستيلائهم على أموالهم وأموال أهل مكّة، فقد قاموا بسرقة معظم الحلي والنفائس الموجودة في الكعبة ومن جملة ما سرقوا ستار الكعبة المشرّفة، وقلعوا بابها ثمّ عمدوا إلى ميزابها لقلعه وأرسلوا واحداً منهم إلى سطح الكعبة لأجل ذلك إلاّ أنَّ المرسل لفعل ذلك سقط من على السطح وخرَّ ميّتاً في الحال.
وسرق القرامطة الحجر الأسود بعد أن قلعوه بواسطة مقلاع أو فأس وحملوه معهم إلى البحرين، وقد ورد موضوع سرقة الحجر الأسود من قبل القرامطة في كتب التأريخ جميعاً، وقد أضافت مصادر تأريخية أخرى قائلة: إنَّ أبا طاهر ضَرَبَ الحجر الأسود بفأس كانت بيده وذلك في محاولة لقلعه، فانكسر الحجر ثمّ التفت إلى الجموع هناك قائلا لهم: أيّها الجهلة! أنتم تقولون: إنَّ كلّ من يرد البيت فهو آمن وقد رأيتم ما فعلتُ أنا إلى الآن. فتقدم إليه رجل من الحاضرين ممّن كان قد هيأ نفسه للموت فأمسك بلجام حصان أبوطاهر وأجابه قائلا: إنَّ معنى ذلك ليس كما قلت بل انَّ المعنى هو أن من يدخل هذا البيت فعليكم منحه الأمان على نفسه وماله وعرضه حتّى يخرج منه. فامتعظ القرمطي وتحرك بحصانه دون أن ينبسّ ببنت شفة.
وذكر ابن كثير أنَّ أبا طاهر هدَّم القبّة التي كانت موضوعة على رأس بئر زمزم، وهو الذي أمر رجاله بقلع باب الكعبة ونزع ستارها الذي قطعه إرباً إرباً ووزّعه على أصحابه، ثمّ أمر أحد رجاله بالصعود إلى سطح الكعبة لقلع ميزابها فلمّا سقط الرجل من أعلى السطح ومات انصرف أبوطاهر عن قلع الميزاب، وتوجّه إلى الحجر الأسود وأصدر أوامره إلى رجاله بإخراج الحجر، فعمد أحدهم إلى فأس وبدأ يضرب الحجر به وهو يقول: "أين الطيور الأبابيل، أين الحجارة من سجّيل" ولمّا قلعوا الحجر أخذوه ورحلوا إلى بلادهم.
وجاء في التكملة لتأريخ الطبري أنّ القرامطة سرقوا الحلي التي كان الخلفاء قد زيّنوا بها الكعبة وأخذوها معهم، ومن تلك الحلي «درّة اليتيم» التي كان وزنها أربعة عشر مثقالا من الذهب، وأفراط مارية وقرون كبش إبراهيم (عليه السلام) وعصا موسى والموزونة ذهباً، وطبق ووشيعة من الذهب وسبعة عشر قنديلا من الفضّة وثلاثة محاريب فضيّة أقصر من الإنسان بقليل كانت موضوعة في صدر البيت.
وقيل: إن كثيراً من العلماء المحدثين قتلوا أثناء الهجوم الذي قام به القرامطة على الحجّاج أثناء طوافهم، من جملتهم: الحافظ أبوالفضل بن حسين الجارودي وشيخ الحنفية في بغداد أبوسعيد أحمد بن حسين البردعي وأبوبكر بن عبدالله الرهاوي وعلي بن بابويه الصوفي وأبوجعفر محمّد بن خالد البردعي "والذي كان يسكن في مكّة".
وذُكرَ أنّ أحد المحدّثين في ذلك الوقت أنشد بيتاً من الشعر بينما أحاطت به سيوف القرامطة:
ترى المحبّين صرعى في ديارهم كفتية أهل الكهف لايدرون كم لبثوا.
وظلَّ القرامطة يرزحون في مكّة مدّة أحد عشر يوماً وقيل ستّة أيام وبرواية أخرى سبعة أيّام، ورجعوا بعدها إلى هجر مصطحبين معهم الحجر الأسود. ويقال: إن أربعين بعيراً هلكوا حينما أرادوا حمل الحجر الأسود، وبقي مكانه في الكعبة خالياً فكان النّاس يمسحون أيديهم بمكانه ويتبركون به.
وحمل القرامطة الحجر الأسود إلى الإحساء، ويدلّ ذلك على أن ما ذكرته المصادر التأريخيّة من أنَّ القرامطة حملوا الحجر الأسود إلى البحرين أو هجر هو صحيح إذ إنَّ منطقة واسعة من شمال الجزيرة العربية اليوم كانت تدعى بالبحرين أو الهجر حيث تقع الإحساء في داخل هذه المنطقة كذلك.
هذا، ولما خرج القرامطة من مكّة حاملين معهم الحجر الأسود والأموال التي غنموها من النّاس متوجّهين إلى هجر، تعقَّب "ابن محلب" أمير مكّة من قبل العبّاسيين القرامطة مع جمع من رجاله وطلب منهم ردّ الحجر الأسود إلى مكانه على أن يملّكهم جميع أموال رجاله. إلاّ أنَّ القرامطة رفضوا طلبه مما اضطرّه إلى محاربتهم حتّى قتل على أيديهم.
ويعتبر القرامطة أنفسهم جزءاً من الإسماعيلية، ولذا فقد خطب القرامطة في مكّة باسم عبيدالله المهدي وهو نفسه أبوعبيد الله المهدي الفاطمي العلوي الذي خرج في أفريقيا، ثم كتبوا إليه كلّ ما حدث في مكّة، فكتب عبيدالله المهدي جواباً شديداللهجة إلى أبوطاهر القرمطي يقول فيه: لقد اعترتني الدهشة والعجب من رسالتك التي بعثت بها إليَّ إذ تمنُّ فيها عليَّ بأنّك ارتكبت جرائم وحشية باسمنا في حرم الله وأهله، وفي مكان لم ترق فيه قطرة دم واحدة منذ الجاهلية، ولم يُهن أهله أو تُنتهك حرمهم فيه. بل وتجاوزت حدّك بأخذك الحجر الأسود الذي هو يدالله اليمنى في الأرض فاقتلعته وحملته إلى بلدك. فهل كنت تنتظر منّا الشكر والتقدير على عملك هذا لعنة الله عليك.
وأورد ثابت بن سنان نصّ ومضمون الرسالة بشكل آخر، إذ أرسل عبيدالله المهدي كتاباً إلى أبوطاهر القرمطي بعد أن اطّلع على الأحداث المذكورة يقبّح فيه عمله هذا ويلعنه على فعلته، فمن جملة ما كتب: "لقد لطّخت صفحتنا في التأريخ بنقطة سوداء لايمحوها مرور الزمن ولا يزيلها غبار المحن... لقد وصمت بعملك هذا دولتنا وشيعتنا والدّعاة لنا بالكفر والزندقة..." واستطرد عبيدالله المهدي في رسالته إلى أبوطاهر القرمطي يحذره من أنّه إن لم يَرُد أموال أهل مكّة التي سرقها وإرجاع الحجر الأسود إلى مكانه ووضع ستار الكعبة عليها مجدّداً فإنّه سيأتيه بجيش لاقِبَلَ له بهم. ثمّ ذكر أخيراً بأنّه بريءٌ منه ومن أعماله كما يبرأ من الشيطان الرجيم.
وظلّ الحجر الأسود بحوزة القرامطة مدّة (22) سنة في البحرين، ولم تجد كل المحاولات والمساعي التي بذلها قطبا السياسة الإسلامية (أي القطب العبّاسي في بغداد والفاطمي في أفريقيا) من أجل الضغط على القرامطة وإجبارهم على إعادة الحجر الأسود، وقد عرض الخلفاء على القرامطة مبلغاً قدره (50) ألف دينار مقابل إرجاعهم للحجر الأسود، لكنّ القرامطة ظلّوا يخوضون في عنادهم.
ويقول ابن سنان الذي كان معاصراً لتلك الأحداث: لقد عُرِضَت الكثير من الأموال على القرامطة كثمن لردّهم الحجر الأسود لكنّهم رفضوا كلّ تلك العروض، وكان السبب الحقيقي وراء امتثال القرامطة للأمر هو التهديد الذي وجّههُ المهدي العلوي الفاطمي إليهم ممّا أجبرهم على ردّ الحجر الأسود إلى مكّة ثانية.
وعلى أي حال فقد أرجع الحجر الأسود إلى مكّة سنة (339) وقد حمله رجل من القرامطة يُدعى سنبر والذي يحتمل أن يكون حمو أبوسعيد القرمطي ويُقال إن الحجر الأسود حمل قبل إرجاعه إلى مكّة إلى الكوفة ونصب في العمود السابع لمسجد الكوفة حتّى يتسنّى للنّاس رؤيته، وقد كتب شقيق أبوطاهر رسالة جاء فيها: أخذناه بقدرة الله ورددناهُ بمشيئة الله.
ولمّا رُدَّ الحجر الأسود إلى مكّة كان أمير مكّة حاضراً مع حشد من أهلها، وأرجع سنبر الحجر بيديه إلى مكانه، وقيل إن رجلا يُدعى حسن بن مزوّق البناء قام بنصب الحجر عند جدار الكعبة وأحكم مكانه بالجصّ54، هذا وقد ورد ذكر أسماء آخرين ممّن أسهموا في ذلك.
ونُقلَ عن الشيخ الجليل جعفر بن محمّد بن قولويه أحد أبرز العلماء المحدّثين المشهورين لدى الشيعة وأستاذ الشيخ المفيد، أنَّ في نفس السنة التي تمَّ إرجاع الحجر الأسود إلى مكّة من قبل القرامطة، قرَّر الشيخ السّفر إلى هذه المدينة المقدّسة. ولما كان عُلماء الشيعة يعتقدون بوجوب حضور المعصوم أو ولي الله; ليقوم بوضع الحجر بنفسه في مكانه، وأنه لايمكن ولايجوز لأي شخص غير المعصوم من وضع الحجر في مكانه، فقد عزم بن قولويه على السفر إلى مكة وأعدّ عدّته ليشهد حضور إمام العصر (عليه السلام). لكنّه وللأسف الشديد ساءت حالته الصحيّة أثناء الطريق ممّا اضطرته إلى التخلّي عن السفر والبقاء في بغداد. إلاّ أنّه بعث أحد أصدقائه المعتمدين لديه ويُدعى (ابن هشام) وأرسله نائباً عنه إلى مكّة وسلّمه رسالة وأوصاه بتسليمها إلى الشخص الذي يراه وهو يضع الحجر الأسود وينصبه عند جدار الكعبة.
فوصل ابن هشام إلى مكّة ولحسن الحظ كان حاضراً لمراسم وضع الحجر الأسود. يقول ابن هشام: لقد رأيت أنَّ كلّ من حاول أن يضع الحجر الأسود في مكانه أن الحجر يسقط من بين يديه، حتّى ظهر شابٌ حسن الصورة آدم الوجه فاستلم الحجر من الواقفين ووضعه في محلّه فاستقرَّ الحجر في مكانه وفرح الحاضرون بذلك. ثمّ خرج ذلك الشاب من المسجد الحرام وذهبت أنا وراءه حتّى تسنّى لي تسليم رسالة ابن قولويه إليه فنظر إليّ دون أن يفتح الكتاب أو يقرأه وقال: قل له لابأس عليك فستعمّر ثلاثين سنة أُخرى. ثمّ التفت فلم أجده معي ودهشت من ذلك.
على أي حال فقد رجع الحجر الأسود إلى مكانه ثانية بعد غياب استغرق (22) سنة وانتهت بذلك محنة المسلمين في الأرجاء كافة، وبقيت وصمة العار هذه مطبوعة على جبين القرامطة إلى انقضاء الدهر.
ولا يسعنا إلاّ أن نتصوّر زعماء القرامطة كأفراد وضعوا معتقدات النّاس فيما يخص المهدي وظهوره تحت تصرّفهم وسخّروها لأغراضهم الدنيئة، وكان همهم الوحيد هو الوصول إلى سُدّة الحكم والرئاسة والجاه والمنزلة، وكان السخط الشديد الذي عمّ المسلمين والنّاس عموماً ضد بطش وإرهاب العبّاسيين أرضية مناسبة للقرامطة لتنفيذ أغراضهم، والدعوة الكاذبة في كونهم دعاة المهدي الموعود ممّا حدا بالكثيرين ممَّن عانوا الظلم والقهر إلى الالتفاف حولهم.
واجتمع هؤلاء المخدوعون وكان أغلبهم من الفقراء ومتوسطي الحال حول القرامطة الذين ادّعوا زوراً أنّهم رجال المهدي والدعاة إليه، تجرّهم أوهامٌ وأمانيّ في أنَّ القرامطة هم المخلصون لهم من أيدي الظلم العبّاسي، حتّى إذا ما استوى القرامطة على كرسي الزعامة وتسلطوا على رقاب النّاس خيّبوا آمال الكثيرين ممن آمن بهم وصدّق إدّعاءهم، وما كانوا إلاّ شرذمة تركض وراء المال والجاه، واستخدموا أقسى الأساليب وأشدها وحشية في التأريخ.
ويلاحظ أن العلّة في ادّعاء القرامطة أنّهم ينتسبون إلى الفاطميين في المغرب، تكمن أولا في أنّ هذه المسألة تتيح لهم سهولة نشر دعوتهم، خصوصاً فيما يتعلّق بكونهم يدعون زوراً إلى الحركة المهدية باسم داعية الفاطميين وهو أبوعبيدالله المهدي العلوي. وثانياً العداوة والخصومة التي كانت بين الفاطميين والعبّاسيين ممّا هيأ لهم جوّاً مناسباً خصوصاً كونهم يعيشون في البلاد التي يسيطر عليها العبّاسيون مستفيدين من سخط النّاس على السلطة العبّاسية، فاستطاعوا تسخير هذا السخط لصالحهم، وقد يكون السبب في فتنة سنة 317 وهجوم القرامطة على مكّة في موسم الحجّ وقتلهم الأبرياء وسلبهم الحجر الأسود، هو تهيئة الأجواء لتسلط الفاطميين على مكّة والسيطرة عليها. نظراً لما كان يُشاع في تلك الفترة من أنّ "أمير المؤمنين" الحقيقي هو من يستطيع الاستيلاء على الحرمين الشريفين وتعيين أمير الحاج كذلك. لكنّنا لاحظنا كيف أن الخليفة الفاطمي وبّخ القرامطة على تلك الأعمال، وقبّح مسلكهم في الرسالة شديدة اللهجة التي بعثها المهدي العلوي، والتي أوردنا هنا قسماً منها، وكيف أنّه تبرأ منهم ومن أعمالهم واعتبرها وصمة عار لا يمحو آثارها مرُّ السنين.
وكرس القرامطة موضوع المهدية لخدمة أغراضهم الدنيئة. فقد اندحر جيش القرامطة مرّة أمام الجيش العبّاسي سنة 316 وذلك قرب مدينة الكوفة، وسقطت رايات القرامطة من أيديهم وفرّوا هاربين، وقد لوحظ أن الآية الكريمة التالية قد كُتبت على تلك الرايات وهي: "ونريد أن نمنّ على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمّة ونجعلهم الوارثين"، ونحن نعرف أن هذه الآية لها علاقة بخلاص قوم موسى من أيدي الفراعنة في مصر، ثمّ فُسِّرت أيضاً بعد ذلك بكونها تصف ظهور الإمام المهدي(عليه السلام) وتخليص المجتمع البشري من فراعنة الزمان والطغاة. وهكذا فقد استغل زعماء القرامطة هذه النقطة والاعتقاد السائد حول المهدية، وغدت أُلعوبة بأيديهم في تلك الفترة.
وبعد أُفول نجم القرامطة قامت الحكومات في ذلك الوقت بملاحقتهم وقتلهم، ونخصّ بالذكر السلطان محمود الغزنوي الذي كان أشدّ المناوئين للقرامطة. ويُنشد شاعر البلاط الغزنوي "فرخي سيستاني" في ذلك فيقول:
قد أخذتَ الرَّيَّ فانظر
مُلككَ اليومَ منىً وكذا الصفّا
ثم أنشد الشاعر نفسه بعد وفاة السلطان محمود الغزنوي يرثيه قائلا:
أبكي وقد فرحَ القرامط إثْرَ موتك فلاخافوا شجاعاً ولابطشاً كبطشك.