الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

كاتب بريطاني لـ «روسيا»: مرحباً بكم في المستنقع

صدى البلد

قارن الكاتب البريطاني ديفيد غاردنر بين مغامرة روسيا في الشرق الأوسط ومغامرة أمريكا في ذات المنطقة من حيث التهور والمجازفة.
ورصد غاردنر، في مستهل مقال نشرته "الـفاينانشيال تايمز"، ذهاب جنرال روسي إلى السفارة الأمريكية في بغداد مؤخرا للإعلان عن اقتراب بدء سلاح الجو الروسي في شن غاراته في سوريا وأن على الأمريكيين وحلفائهم التنحي جانبا.
ورأى الكاتب أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إنما أراد عبر هذا توجيه رسالة معينة مفادها؛ أن هذه السفارة، التي هي مدينة صغيرة متجانسة تحيط بها الفوضى العنيفة في مدينة أكبر هي بغداد، كانت بالقطع يُنظر إليها كأثر واضح للقوة الأمريكية، بعد اجتياح العراق الذي كان من المفترض أن يعيد تشكيل الشرق الأوسط .. لكن ما حدث هو أن المنطقة انزلقت إلى أتون حرب طائفية بين شيعة بقيادة إيران وسُنة عرب، ما هيّأ مع ظروف أخرى الفرصة لظهور تنظيم "داعش" العابر للحدود في العراق وسوريا.
وأكد أن الجرأة المحسوبة الخاصة بذهاب الجنرال الروسي إلى السفارة الأمريكية تتناغم مع نبرة بوتين في خطابه بالجمعية العامة للأمم المتحدة مشيرا بإصبعه إلى الأمريكيين: "هل تدركون الآن حقيقة ما فعلتم؟".
وأضاف غاردنر أن بوتين ربما كان يعتقد أن باجتياحه سوريا قد انضم إلى صفوف الائتلاف الظافر في المنطقة بل وربما تولى بجدارة قيادة هذا الائتلاف. ربما كان الأمر هكذا في الوقت الراهن، لكن لن يمضي وقت طويل في تلك المنطقة حتى يتعلم رجل روسيا القوي ما يعلمه الأمريكيون بالفعل: أن الانتصار هو مسألة نسبية للغاية.
ورأى الكاتب البريطاني أنه من غير المنطقي القول بأن اجتياح العراق هو الذي: حول إيران إلى قوة عظمى إقليمية تمتد أذرعها من بغداد إلى بيروت، وأوجد تنظيم "داعش".
وأضاف أن بوتين يُحسن صنعا لو تدّبر الأمر .. إن كلماته الرنانة في الأمم المتحدة تبدو على الأرجح غير مقتصرة التوجيه إلى أمريكا، ولكن أيضا إلى العرب السُنة المحبطين للغاية من التهور الذي تعامل به الرئيس السابق جورج بوش الابن، ثم الجعجعة بلا طحن التي تعامل بها الرئيس بارك أوباما مع أزمات المنطقة.
لكن بوتين اختار الانضمام إلى المحور الشيعي، وكان السبب الأدعى والأكثر مباشرة لاستعراضه القوة هو تعرُّض هذا التحالف لنكبة في سوريا، حيث بدأت ديكتاتورية أقلية بشار الأسد تتداعي أمام زحف المعارضة السُنية. وقد بدأت التعزيزات الروسية في الظهور على القطاع الساحلي شمالي غرب البلاد حول اللاذقية في يونيو، وقد تزامن مع تلك التعزيزات الروسية قيام قوات تابعة للحرس الثوري الإيراني وذيله في لبنان المتمثل في ميليشيا حزب الله بمضاعفة وجودها على الأرض. وبحسب مصادر استخباراتية، فإن ميليشيا حزب الله حصلت مؤخرا على نحو 75 مدرعة روسية.
وأكد غاردنر أن استهداف الطائرات الروسية مواقع للمعارضة السورية التي هي خصم مشترك لكل من "داعش" ونظام الأسد، يصب على المدى القريب في صالح نظام الأسد.
وقال "فيما يبدو التحالف الذي تقوده أمريكا أقلّ حيلة ويعاني حالة من الفوضى لا تخطئها العين .. إن هذا المعسكر المناوئ للأسد هو متردد بين إمكانية وجود الأخير في أي عملية انتقال سياسية محتملة من عدمه".
ورأى أن ما تفعله روسيا حاليا إنما هو ملء الحيز المحدود الذي كان متاحا للسوريين بين براميل النظام المتفجرة من ناحية ووحشية "داعش"، وهذا ينذر بفرار أعداد ضخمة من المزيد من اللاجئين السُنة، في وقت فاض فيه كيل دول الجوار السوري أمثال لبنان والأردن وتركيا بينما دول أوروبا تتعثر في التعامل مع الأزمة.
ونقل الكاتب عن وليد جنبلاط، زعيم الأقلية الدرزية في لبنان، وإلى حد ما في سوريا، القول إن الخريطة السُكانية في سوريا، ذات الـ 70 بالمئة أغلبية سُنية، تتعرض للتغير: إن المهاجرين البالغ تعدادهم نحو 8 ملايين لن يستطيعوا العودة إلى أوطانهم وقُراهم - لقد تعرضوا لعملية تطهير عرقي.
وحذر غادنر من أن المُحصّلة النهائية لسياسة بوتين الانتهازية قد تكون كسْب عداوة أبدية مع السُنة، وهذا كفيل بإثارة قلق دولة يعيش ضمن تخومها عشراتُ الملايين من السُنة، الآلاف منهم معظمهم شيشانيون يقاتلون بالفعل في سوريا، ويدشنون حاليا بالتعاون مع داعش قواعد في القوقاز الشمالية.
واختتم كاتب مقاله بالتأكيد على أن "تذْكير أمريكا بفشلها ربما يكون مُرضيا، ولكن إذا كانت أمريكا بقوتها العسكرية التي لا نظير لها في العالم قد فشلت في تشكيل المنطقة لصالح أهدافها، فإنه لا يوجد سبب للافتراض أن دولة تئن تحت وطأة الرهون العقارية مثل روسيا قادرة على النجاح في عمل فشلت فيه أمريكا .. مرحبا بــ روسيا في المستنقع".