الفوضى على مبادرات المملكة الإسلامية

من ينعم النظر ويمعن الفكر في تحول الأحداث وتسارعها والبحث عن الجماهيرية والملايين من الأتباع والمريدين والمغردين وبخاصة بعد تفشي ظاهرة الإعلام الجديد يدهشه واقع مؤلم يخالف عما كان عليه السلف من نبذ لكل طرق الشهرة وصور الرياء التي تمحق بركات العمل والنية،
ولذلك يستحيل على عاقل جمع أطراف المعادلة لتكون النتيجة والمحصلة صحيحة في ظل التأزيم الذي يفتعله من لانشك في صلاحه وتقواه وورعه ولكن قد يكون اجتهاده وحماسته واندفاعه سببا في خروجه عن المألوف والمسار الذي حرص الشرع على ضبطه حبا في جمع كلمة أمة محمد صلى الله عليه وسلم، فنراهم يتدخلون في وسائل الإعلام بالتوجيه للمقام السامي ومقام وزارة الداخلية وغيرها من مؤسسات الدولة وجهاتها بفعل أمر لايدركون عواقبه ولايعرفون بواطن أموره، وضرورة تدرج تفاصيله الرسمية داخليا وخارجيا، وبعيدا عن العاطفة إن هذا الصراخ والتباكي والتوجيه العلني للدولة بإطلاق سراح سجناء أو بجمع تبرعات لشعب من الشعوب الإسلامية المنكوبة من طريق شخصيات متحمسة لاتحمل صفة في الجهات الرسمية لايخرج عن أساليب الإملاء المرفوض وبالتالي لايمكن أن يحقق الغرض السامي أوالهدف النبيل إن كان، وكان الأولى أن يتم كل ذلك بطريقة سرية في لقاء رجال الدولة في وزارتهم وحثهم على تجهيز حملات شعبية في وسائل الإعلام والأمارات والجمعيات كما سبق من قبل إصداره في حالات مشابهة أو بمكاتبة سرية للجهات المختصة بأهمية هذا المعروف ونتائجه الإيجابية على الأمة وأنا متأكد أن هذه الطريقة تشجع ولي الأمر على اتخاذ الخير وتقديم المصلحة وإبراء الذمة ولا أحد يستطيع أن يزايد على منهج ولاة الأمر في رعاية الإسلام والمسلمين منذ قرون سالفة وحتى اليوم ولله الحمد والمنة فلازالوا يطلقون سراح السجناء بعد مناصحتهم وتشجيعهم على أن يكونوا مواطنين صالحين على الرغم من أن الخطاب الحركي انتقائي وغير موضوعي حينما يصف العفو عن بعض السجناء كالعفو عن بنت القطيف تدخل في القضاء ثم يناشد ولي الأمر بعد صدور الحكم القضائي بالعفو عن المحكوم عليه من الحركيين كما أنهم لازالوا يتبرعون للمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، ولاينكر عاقل يستطيع بقدراته وملكاته أن يرصد في الواقع ما تحول إلى حالة ذهنية عند بعض طلبة العلم بكل أسف فيتسابقون على ذلك ويتباكون ويتطاولون ويناشدون بطرق علنية في وسائل الإعلام ليتم تسجيل الموقف لهم وحدهم دون غيرهم فإن تم لهم مقصدهم الشخصي وإلا فالحرج على الدولة وجهاتها الرسمية في صورة لاتعكس إنسانيا ولا إسلاميا ماهو على الواقع علما أن الأبواب مفتوحة لمن يريد أن يطرح مقترحاته وحينئذ يتحقق المأمول بيد ولي الأمر ورحمة الدولة فتجتمع القلوب ويتوحد الصف دونما ذم وتشويه واتهم في النوايا، ويمكن تلخيص ذلك المشهد فيما يلي:
1 - يجب على الجميع أن يعلم علم اليقين أن النصح والإرشاد ضرورة للكبير والصغير والراعي والرعية والحاكم والمحكوم لأن ذلك من التعاون على البر والتقوى، ولسنا ممن يعتقد العصمة للبشر كائنا من كان، ويرضى بالفساد ويشرعن الإفساد وكل يؤخذ من كلامه ويرد إلا من استثني وهو بأبي وأمي محمد عليه الصلاة والسلام ، ولاخير في قوم تركوا التناصح فيما بينهم، فالمؤمن قوي بأخيه كما ورد.
2 - خشية على هذه الشعيرة الإسلامية العظيمة من الانحراف عن سبيلها ضبط الإسلام قواعدها بين الإفراط والتفريط دون غلو يتجاوز الحد وسكوت يتجرأ فيه المفرطون والمذنبون، فنص على النصيحة السرية لمن هم في مراتب القوة والمنعة من الكفار فمابالك بمن هم من أهل القبلة وحماة الدين وظل الله في الأرض أئمة المسلمين وخلفائهم وملوكهم وسلاطينهم، فهم أولى الناس بالرحمة والدعاء على ماتحملوه من مسؤوليات، وخير دليل على ذلك ماورد في تفسير القرطبي عن قوله تعالى قوله: “اذهبا إلى فرعون إنه طغى فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى”.
ومن المسائل المستفادة التي ذكرها القرطبي من قوله تعالى: فقولا له قولا لينا دليل على جواز الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن ذلك يكون باللين من القول لمن معه القوة، وضمنت له العصمة، ألا تراه قال: فقولا له قولا لينا وقال: لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى فكيف بنا فنحن أولى بذلك.
وحينئذ يحصل الآمر والناهي على مرغوبه، ويظفر بمطلوبه؛ وهذا واضح.
وذكر القرطبي أيضا أن قوله (لينا) قد اختلف الناس في معناه فقالت فرقة منهم الكلبي وعكرمة: معناه كنياه ؛ وقاله ابن عباس ومجاهد والسدي.
ثم قيل: وكنيته أبو العباس.
وقيل: أبو الوليد.
وقيل: أبو مرة ؛ فعلى هذا القول تكنية الكافر جائزة إذا كان وجيها ذا شرف وطمع بإسلامه.
وقد يجوز ذلك وإن لم يطمع بإسلامه، لأن الطمع ليس بحقيقة توجب عملا.
وقد قال -صلى الله عليه وسلم- إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه ولم يقل وإن طمعتم في إسلامه، ومن الإكرام دعاؤه بالكنية.
وقد قال -صلى الله عليه وسلم- لصفوان بن أمية: انزل أبا وهب فكناه.
وقال لسعد: ألم تسمع ما يقول أبو حباب يعني عبد الله بن أبي.
وروي في الإسرائيليات أن موسى -عليه السلام- قام على باب فرعون سنة، لا يجد رسولا يبلغ كلاما حتى خرج.
فجرى له ما قضى الله من ذلك، وكان ذلك تسلية لمن جاء بعده من المؤمنين في سيرتهم مع الظالمين، وربك أعلم بالمهتدين.
وقيل قال له موسى تؤمن بما جئت به، وتعبد رب العالمين؛ على أن لك شبابا لا يهرم إلى الموت، وملكا لا ينزع منك إلى الموت، وينسأ في أجلك أربعمائة سنة، فإذا مت دخلت الجنة.
فهذا القول اللين.
وقال ابن مسعود القول اللين قوله تعالى: فقل هل لك إلى أن تزكى.
وأهديك إلى ربك فتخشى.
وقد قيل: إن القول اللين قول موسى: يا فرعون إنا رسولا ربك رب العالمين.
فسماه بهذا الاسم لأنه أحب إليه مما سواه مما قيل له، كما يسمى عندنا الملك ونحوه.
قلت (القول للقرطبي): فإذا كان موسى أمر بأن يقول لفرعون قولا لينا، فمن دونه أحرى بأن يقتدي بذلك في خطابه، وأمره بالمعروف في كلامه.
وقد قال تعالى وقولوا للناس حسنا.
على ما تقدم في (البقرة) بيانه والحمد لله.
3 - حينما ضبط الشرع طريقة النصيحة كان حماية للمسلم الناصح من الرياء وإرضاء الأتباع والبحث عن زيادة جماهيرية وخشية على النفس من العجب والكبرياء، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاء النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُواْ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}.
قال ابن كثير - رحمه الله - عند تفسيره لهذه الآية: لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كما تبطل صدقة من راءى بها الناس فأظهر لهم أنه يريد وجه الله، وإنما قصده مدح الناس له أو شهرته بالصفات الجميلة، ليُشكر بين الناس أو يُقال إنه كريم جواد ونحو ذلك من المقاصد الدنيوية مع قطع نظره عن معاملة الله تعالى وابتغاء مرضاته وجزيل ثوابه، ولهذا قال سبحانه: ولا يؤمن بالله واليوم الآخر.
4- الاهتمام بأمور المسلمين مطلب شرعي، والرحمة بهم عبادة، ويجب على أي جهة أن تخلص النية وتبادر بذلك دون النظر إلى تلبيس إبليس وتدخلات بعض المتحمسين، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصحيح: “مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكي منه عضو تداعي له سائر الجسد بالسهر والحمى”.
وعَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه في الصحيح قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا) وبوب عليه النووي بقوله: بَاب تَرَاحُمِ الْمُؤْمِنِينَ وَتَعَاطُفِهِمْ وَتَعَاضُدِهِمْ.
قال النووي - رحمه الله: “قوله صلى الله عليه وسلم (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدُّ بعضه بعضاً)، وفي الحديث الآخر (َمثَل المؤمنين في توادهم وتراحمهم) إلى آخره: هذه الأحاديث صريحة في تعظيم حقوق المسلمين بعضهم على بعض، وحثهم على التراحم، والملاطفة، والتعاضد، في غير إثم، ولا مكروه، وفيه جواز التشبيه وضرب الأمثال لتقريب المعاني إلى الأفهام.
قوله صلى الله عليه وسلم (تداعى لها سائر الجسد) أي: دعا بعضه بعضاً إلى المشاركة في ذلك، ومنه قولهم “تداعت الحيطان” أي: تساقطت، أو قربت من التساقط” وما أجمل ماقاله شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في مجموع الفتاوى: “ولهذا كان المؤمن يُسرُّه ما يُسرُّ المؤمنين، ويسوؤه ما يسوؤهم، ومَن لم يكن كذلك: لم يكن منهم! فهذا الاتحاد الذي بين المؤمنين: ليس هو أن ذات أحدهما هي بعينها ذات الآخر، ولا حلت فيه بل، هو توافقهما، واتحادهما في الإيمان بالله ورسوله، وشُعَب ذلك: مثل محبة الله ورسوله، ومحبة ما يحبه الله ورسوله”.
وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي في “فتح الباري شرح صحيح البخاري”: “وهذا التشبيك من النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث: كان لمصلحة، وفائدة، لم يكن عبثاً؛ فإنه لما شبَّه شد المؤمنين بعضهم بعضاً بالبنيان: كان ذلك تشبيهاً بالقول، ثم أوضحه بالفعل، فشبَّك أصابعه بعضها في بعض ؛ ليتأكد بذلك المثال الذي ضربه لهم بقوله، ويزداد بياناً وظهوراً.
ويفهم من تشبيكه: أن تعاضد المؤمنين بينهم كتشبيك الأصابع بعضها في بعض، فكما أن أصابع اليدين متعددة: فهي ترجع إلى أصل واحد، ورجُل واحد، فكذلك المؤمنون وإن تعددت أشخاصهم: فهم يرجعون إلى أصل واحد، وتجمعهم أخوة النسب إلى آدم ونوح، وأخوة الإيمان..”.
ولقد ضرب المسلمون المهاجرون والأنصار أروع الأمثلة في التعاون فعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه - أيضاً قَالَ: قَالَ الْمُهَاجِرُونَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا رَأَيْنَا مِثْلَ قَوْمٍ قَدِمْنَا عَلَيْهِمْ أَحْسَنَ مُوَاسَاةً فِي قَلِيلٍ وَلَا أَحْسَنَ بَذْلًا فِي كَثِيرٍ، لَقَدْ كَفَوْنَا الْمَئُونَةَ، وَأَشْرَكُونَا فِي الْمَهْنَإِ، حَتَّى لَقَدْ حَسِبْنَا أَنْ يَذْهَبُوا بِالْأَجْرِ كُلِّهِ، قَالَ: (لَا، مَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِمْ، وَدَعَوْتُمْ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمْ ) وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في “ مشكاة المصابيح”..
والله من وراء القصد.
نقلا عن الجزيرة