الحكومة المصرية ما بين إدارة الأزمات وصناعتها ..!!
الحكومة في أي دولة ما هي إلا خادمة للشعب بكل مكوناته وخاصة الفئات المطحونة والمعدومة الدخل "خلوا بالكم من عبارة المعدومة الدخل دي"، وكل حكومة يغيب عنها المواطن المطحون وأزماته حكومة تفتقر للشرعية وتحنث بالقسم الذي أقسمت عليه والذي يرتكز في الأساس على رعاية مصالح الشعب رعاية كاملة وحماية الوطن وسلامة أراضيه واحترام الدستور والقانون.
ومن الملاحظ أن الحكومات المصرية المتعاقبة بعد ثورتي 25 يناير 2011 و 30 يونيو 2013 ما زالت تسير قدما وبشكل ممنهج وغبي على نهج النظامين السابقين بغشم يحسدهما عليه كثيرون ممن لا يبتغون مصلحة الوطن والمواطنين في التعامل مع أزمات الشعب وقضاياه الملحة، وهو ما يجعل المشكلات تتصاعد وتتفاقم كل يوم وقد تصل حدة تفاقم هذه الازمات إلى اندلاع ثورة عارمة إن لم تتدارك الحكومة خطورة النهج والسياسات التي تسير عليها في التعامل مع ازمات الوطن والمواطن.
فمن الملاحظ بشدة وبعد ثورتين أن المواطن المعدوم الدخل والفئات المحدودة الدخل والطبقات الأشد فقرا ما زالوا يعانون الأمرين ولم تظهر عليهم بركات هذه الحكومة التي كثيرا ما تصدعنا بانجازاتها ، ولعل من أهم اسباب الكوارث المتلاحقة "اللي مش عارفين نلاحق عليها كل يوم" هي غياب الرؤية الاستراتيجية لدى الحكومة وتمركز القرار في يد رئيس الجمهورية وحده الذي يرى كثيرون أن السلطات ما زالت تدور في فلكه وإن كان الامر قد تغير تدريجيا وبشكل ايجابي نسبيا في عهد الرئيس السيسي عن سابقيه في تفويض الحكومة والوزراء في بعض المهام اللازمة للقيام بعملها اللازم لخدمة الشعب ، ولكن من المفجع أن هذه الحكومة لغياب الرؤية تسلم الوطن من مشكلة إلى مشكلة ومن ازمة إلى أزمة.
ومن أسباب غياب الرؤية السليمة لدى الحكومة أنها تمتلك رؤية خاصة بها تخدم مصالح كبار القوم من امبراطوريات الفساد والإفساد المتحالفة مع بعض المسئولين في الحكومة على حساب المواطن الغلبان والمسكين والمُعدم الذي ليس له اي استحقاق في الانجازات والقرارات التي تطرحها الحكومة ، أو انها مكبلة في اتخاذ قرارات تخدم المواطن في الامور الجوهرية التي تخدم وتمس قوت يومه وسكنه وعمله ، أو انها حكومات تتاجر بأزمات الشعب وهمومه وآلامه، ومن المثير للضحك برغم توالي الازمات التي يعاني منها المواطن المصري المطحون والمعدوم أن هناك وزارة للتخطيط موجودة في مصر.
ويبدو انها وزارة تخطط لنفسها ولصالح بعض اصحاب المصالح ورجال الأعمال في الداخل والخارج وليس للشعب البسيط الذي يبدو حاليا انه خارج حساباتها ، يا سادة ما يصحش كدة واسمعوا مننا ومن الغلابة والمطحونين في المناطق العشوائية وساكني المقابر بدلا من التقارير الديلفري التي تأتيكم وانتم في مكاتبكم المكيفة وتتقاضون رواتبكم من دماء هذا الشعب.
فمن الواضح أن الحكومات المصرية المتعاقبة حتى حكومة المهندس شريف إسماعيل ما زالت تتعامل مع أزمات الوطن والمواطنين بأسلوب رد الفعل وليس الفعل ، فنراها تتعامل مع ردود الافعال والنتائج وتضع اسباب لتلافيها دون التعامل برؤية وجدية مع الاسباب الجوهرية التي أدت إلى هذه الأزمات ، وهو ما يجعل الوطن يدخل في دوامة من المشكلات لا يستطيع الخروج منها ـ أبداً ـ طالما ظللنا على التعامل بهذه الاساليب الغشيمة والمتعمدة مع الازمات التي تواجه الدولة المصرية على الصعيد الامني والسياسي والاجتماعي.
ولعل غياب "إدارة الازمات" عن حكوماتنا هو احد اسباب تفاقم الازمات ، فالحكومات الرشيدة التي تخدم شعبها بجد وتنحاز للوطن و للمواطن المعدوم والاشد فقرا هي التي تتنبأ بالمشكلات قبل وقوعها من خلال معطيات أو مؤشرات مبنية على دراسات وتقارير عن الشارع المصري وعن الاوضاع الامنية والسياسية والاجتماعية والدولية، وبالتالي تتخذ كافة الإجراءات الاحترازية والاستباقية للحيلولة دون وقوع هذه الازمات، فوجود إدارة فعالة للازمات في مصر اصبح مطلبا جوهريا وملحا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
ولعلي كنت أول من طالبت من عدة سنوات بإنشاء وزارة لــ "إدارة الازمات والطوارئ" بمصر وها أنا اعيد تكرار هذا المطلب للرئيس عبدالفتاح السيسي الذي أثق في وطنيته، فوجود هذه الوزارة سيجنب مصر ملايين بل ومليارات الجنيهات التي تنفقها الحكومة في التعامل مع نتائج الأزمة وليس اسبابها، وسيجنب مصر كثيرا من الأزمات الاجتماعية التي قد تدفع الشارع المصري للغليان مستقبلا بسبب تفاقم الكوارث والازمات الناجمة عن التعامل المهين والمضحك للحكومة مع رد الفعل والنتائج فقط.
ومن هنا فإنني اطالب السيسي شخصيا بسرعة التفكير وبشكل جدي في تأسيس هذه الوزارة للتعامل مع كافة المشكلات والازمات والطوارئ التي تواجه مصر وشعبها على كافة الاصعدة الامنية والسياسية والاجتماعية والخارجية والعسكرية على أن تكون هناك أقسام بالوزارة كل فيما يخصه من شخصيات مشهودا لها بالخبرة والنزاهة والوطنية ، بحيث ترفع هذه الوزارة لرئيس الجمهورية والحكومة التوقعات المبنية على دراسات ومؤشرات الازمات التي ستواجه الدولة المصرية وشعبها وبالتالي اتخاذ كافة الاجراءات الاستباقية لمنع وقوعها أو في حال وقوع بعضها يكون بأقل تكلفة وأكثر أمنا على الوطن والمواطن ، فهل يستجيب الرئيس لهذا المطلب قبل وقوع مزيد من الكوارث والازمات التي تصنعها الحكومة بسبب غياب الرؤية في الإدارة ؟؟؟ !
[email protected]