الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

تخفيف معاناة الناس اليومية


لم يعد الحديث عن البدائل العملية لتقليل عجز الموازنة العامة للدولة بعيدًا عن فرض المزيد من الأعباء على المعدمين والفقراء يجدى نفعًا , فلا أحد يسمع سوى صوت نفسه , فى ظل حالة من الاصرار على الاعتقاد بأنه ليس بالامكان أفضل مما كان , وفى ظل الاصرار على السير على نظريات اقتصادية تقليدية بالية عفا عليها الزمن, كان لزامًا علينا البحث عن كل ما يمكن عمله لتخفيف معاناة الناس الاقتصادية غير المباشرة .

لذا سأتناول فى مقالى هذا موضوعًا آخر مرتبط بمعاناة الناس الاقتصادية غير المباشرة , وهى معاناتهم فى الدوائر الحكومية المتنوعة , سواء عن طريق سداد رسوم مع الخدمات لا تذهب للخزانة العامة للدولة بل تذهب الى صناديق خاصة تتولى الانفاق بسخاء على من يدير هذه الصناديق أو ينتفع بها , أو معاناة إضاعة الوقت والجهد فى الجرى خلف قضاء مصالحهم .

فلا تكاد تخلو مؤسسة أو هيئة من الصناديق الخاصة , ولكل صندوق نظام الصرف الخاص به , وهو نظام يضعه المستفيدون منه , فاذا ذهب المواطن لترخيص سيارة سيجد نفسه يسدد رسوما تذهب لصناديق خاصة, واذا ذهب لزيارة مريض فى مستشفى سيجد نفسه يسدد رسوما تذهب الى صناديق خاصة , واذا ذهب لاستخراج شهادة ميلاد أو شهادة وفاة سيجد نفسه يشترى طوابع تذهب قيمتها الى صناديق خاصة , واذا ذهب الى محكمة للتقاضى سيجد نفسه يسدد رسوما تذهب الى صناديق خاصة وغيرها .

ففى مصر عشرات الصناديق الخاصة فى معظم ان لم يكن كل الوزارات والهيئات تجمع رسوم ليل نهار مع أى خدمة تقدمها , أينما تذهب عليك ان تدفع للصناديق الخاصة , هذا بخلاف المبالغ التى تذهب الى الجيوب الخاصة لبعض الموظفين فى صورة إكرامية أو هدية اجبارية أو غيرها من المسميات الحديثة للرشاوى والاتاوات , فهى معاناة دائمة وشبه يومية .

والعجيب أنك تجد ذلك بات شيئا شبه طبيعى , واذا اعترض أحد يجد نفسه غريبًا بين الناس الذين يعانون ولكنهم مضطرون لذلك , فنحن نعيش بمبدأ مشى حالك وادفع علشان تخلص مصالحك , وهو ما بات يشكل عبئا شديدا وسببا أساسيا من أسباب معاناة الناس دون ان يشعروا , فالمواطن يدفع دون أن يدرى جزءا كبيرا من دخله فى الرسوم والاتاوات بصفة شهرية , ولو لم يدفعها لاستطاع ان يوظفها لقضاء حاجاته الاساسية , والمؤسف ان كل من يُنشئ صندوق خاص لخدمة مصالحه الخاصة يعتقد أنه لا يشكل عبئا على المواطنين , لأنه ينظر الى المبلغ الذى تم تحصيله لصندوقه فقط , ولا ينظر الى أن هذا المواطن يسدد لعشرات الصناديق الاخرى أينما ذهب ومتى ذهب الى قضاء مصلحة ما .

هذا جانب , والجانب الآخر من جوانب معاناة الناس الاقتصادية غير المباشرة , وهى التعقيدات البيروقراطية والروتين الحكومى المميت , فالخدمة التى يتم تقديمها فى دقائق أو ساعات تـأخذ أيام وأسابيع , وفى كل زيارة للمصلحة أو الهيئة الحكومية يتكبد المواطن الوقت والجهد والمال , وهو ما يؤثر فى النهاية عليه اقتصاديًا ويرهقه ماديًا , فأقل تكلفة فى أى زيارة لمصلحة أو هيئة ما هى مصاريف الانتقال التى يتكبدها , فبصفة يومية يدفع المواطن تكاليف مواصلات كان من الممكن ان يوفرها , ويدفع رسومًا ما كان يجب ان يدفعها .

واذا كانت الحكومة عاجزة عن كبح جماح التضخم , فهى ليست عاجزة عن تخفيف معاناة الناس الاقتصادية بإيقاف استنزافهم فى مبالغ يسددونها ليل نهار , أو على الاقل توجيه أى مبالغ يتم سدادها فى أى جهة حكومية تحت أى مسمى الى خزينة الدولة , كى تعود بالنفع مرة أخرى على جموع المواطنين بدلًا من تخصيصها لمصلحة مجموعة صغيرة من المنتفعين , وكذلك محاربة الفساد بصورة حقيقية وليست إعلامية كى نوفر على المواطن البسيط مبالغ الرشاوى والاتاوات التى يدفعها دون وجه حق, سواء للحصول على ما يستحق أو ما لا يستحق .

هذه هى بعض الطرق السهلة والممكنة للتخفيف من متاعب الناس الاقتصادية , وبخاصة المواطنين محدودى الدخل دون أن تتكلف الحكومة جنيهًا واحدًا .
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط