الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أقباط المهجر.. تسليم سلاح


فى منطقة السر المطلسم لا يكاد يمر يوم دون أن تراق دماء زكية بريئة على ترابها الأسود، فيختلط لون الدم الأحمر بلون تراب الأرض الأسود، وتتكون عجينة دموية على الطرقات، كل من تتلوث قدمه بها يظل سنوات وسنوات يحاول أن يمحو آثارها دون جدوى، كفانا الله وإياكم لعنة الدم فى الصعيد.

وكل روح بريئة تذهب إلى خالقها لتتعلق بعرش الرحمن تطلب حقها من مجتمع صار فيه الإنسان أرخص ما فيه، حيث الأرواح تطير لمجرد خلاف بين طفلين يلعبان الكرة فى الشارع، فتبقى الكرة وتذهب أرواح الآباء والأمهات الذين دفعوا ثمنها إلى خالقها، أو بسبب حمار لا يفقه يلتهم حزمة من فول أو قمح مزروعة فى أرض غير أرض صاحب الحمار، فيبقى الحمار حيًا بينما يُقتل صاحب الحمار، فقد صار الإنسان هو أرخص الموجودات على الجهلاء.

ومع كل نقطة دم تروى تراب الأرض يظهر غربان البشر وشياطين الإنس من تجار الموت، فتنشط تجارة السلاح، وتباع الأراضى وتخرب البيوت من أجل دفع أثمان السلاح، سلاح لتسليمه للشرطة وسلاح لتسليم أرواح البشر لخالقها.

فنحن لدينا نوعان من رجال الأمن، نوع مجتهد وأمين وهم الأكثرية، ونوع محترف ترتيب أوراق، والنوع الأول هو الذى يبقى ويستمر رغم المعاناة التى يواجهها فى عمله، لكنه فى النهاية يأخذ حقه، فالله وحده هو الذى يدير كونه الذى خلقه وحده، أما النوع الثانى فبعد كل حادث يتصل بكبراء العائلات ليطلب تسليم سلاح مع كل متهم، وهو شيء صار عرفا سائدا فى عدد من قرى منطقة السر المطلسم، ولأن المتهم ليس هو الجانى، ولأن السلاح ليس هو السلاح المستخدم فالنتيجة هى البراءة فى المحكمة.

هذا ما لا يعرفه أقباط المهجر عن الواقع الذى يعيشه الجميع مسلمين ومسيحيين فى منطقة السر المطلسم، ولذا يعتقدون أن الأقباط وحدهم فى مصر يتعرضون لاضطهاد بسبب ديانتهم، سواء كان هذا الاضطهاد فى صورة قتل قبطى على أتفه سبب أو خطفه أو الاستيلاء على ممتلكاته لأنه ضعيف وعائلته ضعيفة، ولو أعلنت مديريات الأمن فى الصعيد عن عدد القتلى والمضطهدين بخطفهم أو الاستيلاء على ممتلكاتهم من المسلمين لعلم أقباط المهجر أن أحوال الأقباط فى الصعيد أفضل كثيرًا من أحوال معظم المسلمين من جميع النواحى، سواء كانت نواحى أمنية أو اقتصادية أو سياسية.

فالأقباط عندما يكون عددهم قليلا فى أى قرية فى الصعيد تجدهم يعيشون فى سلام ويهتمون بتعليم أبنائهم فى أرقى المدارس والكليات، فتجدهم أطباء القرية ومهندسيها ومعلمى أبنائها، تجدهم أصحاب المستشفيات والمصانع والمتاجر والكل يحترمهم، فى الوقت الذى تتفرغ فيه العائلات المسلمة الكبيرة العدد والعتاد للصراع على السيادة الوهمية فى القرية، وهى صراعات تأخذهم إلى عمليات التدمير الذاتى بالغوص فى بحور الدماء.

هذا هو الواقع فى الصعيد، فالعنف فى الصعيد يحكمه الانتماء للعائلة أو القبيلة بغض النظر عن الديانة، وضحاياه من المصريين المسلمين أضعاف ضحاياه من المصريين المسيحيين، وإن لم يكن هناك امتداد قبلى أو عائلى للصراع بحث البعض عن الانتماء الدينى لكى يجعله المحرك للعنف.

فمن اللافت للانتباه أن معظم القرى التى فيها ما نسميه مجازًا "فتن طائفية" هى القرى التى يقطنها عدد كبير من الأقباط، لأن بعض الأقباط يدخلون فى صراعات السيادة الوهمية سواء على القرية أو على الشارع أو حتى على جزء من الشارع مع بعض أبناء العائلات المسلمة، فالصراع فى الأصل هو صراع على السيادة ولكن بصبغة دينية.

وبكل تأكيد هذا لا ينفى وجود أقباط يتعرضون هم والعائلات المسلمة القليلة العدد إلى بطش وظلم بعض أفراد العائلات الكبيرة المسيطرة على القرى، سواء كانت سيطرة نفوذ أو عدد أو مال، فعندما تتراجع قيم العدل والحق والخير والسلام ويتأخر تطبيق القانون أو يتوقف، يدخل الجميع إلى الغابة.

لذا فإن حل بعض مشاكل أقباط الداخل يكون ضمن تفكيك منظومة العنف والظلم فى الصعيد بصفة عامة، وكما أشرت فى مقالى السابق منطقة " السر المطلسم" عن طبيعة الذين يتم نقلهم إلى الصعيد، فإننى أود أن يتم تعويض الصعايدة عن ذلك، بنقل الكفاءات الأمنية للعمل فيه، وكذلك عمل إدارة مستقلة فى كل جهاز أمنى سواء شرطة أو استخبارات يكون هدفها الرئيسى ضمان تطبيق عادل وحقيقى وسريع للقانون فى الصعيد وعلى الجميع، وأن تعمل هذه الإدارات بصورة مستقلة تمامًا عن بعضها كى نتجنب ترتيبا مشتركا للأوراق، وتكون خاضعة لرئاسة مجموعة عمل تضم رؤساء الأجهزة الأمنية فقط.

فالظلم الذى يقع على بعض الأقباط فى أى منطقة فى الصعيد هو ظلم عام فى هذه المنطقة وليس ظلما خاصا بالأقباط فقط، أما ما يختص بالعقبات الحقيقية التى تواجه بناء بعض الكنائس وحرية العبادة فهذا سيكون موضوع مقالى القادم إن شاء الله.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط