عرفات ويوم القيامة

يوم عرفة يذكرنا بيوم القيامة، ولذلك كانت أول آيات سورة الحج تتحدث عن يوم القيامة، مع أن السورة تسمى سورة "الحج" وتتحدث عنه وليس الحشر، قال تعالى "يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ) آية 1-2 من سورة الحج.
أيها الإخوة المؤمنون: إن في اجتماع الحجيج في عرفات من جميع أقطار الدنيا على اختلاف أجناسهم، واختلاف ألوانهم، وتعدد لهجاتهم، وتفاوت درجاتهم.. إن اجتماعهم في صعيد واحد في مكان واحد، وفي زى واحد وهدف واحد وبموسم واحد، غنيهم وفقيرهم، رئيسهم ومرؤوسهم، شريفهم ووضيعهم.. إن في هذا تذكيرا للجميع، بحال وقوف الخلائق بين يدي الله –تعالى- يوم القيامة، منذ خلق الله آدم وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وقوف الخلائق يوم القيامة بين يدي الله -عز وجل-، وما هم فيه في ذلك اليوم العظيم الرهيب العصيب، من الأهوال، منتظرين ما يقضى عليهم من جنة أو نار.
تذكر -أيها الأخ-: أحوال الناس يوم عرفة، وهم بين راكع وماشي وعاجز، حالهم يوم القيامة، فمنهم من يحشر راكبا على النجائب، ومنهم من يحشر ماشيا، ومنهم من يحشر على وجهه، تذكر -أيها الأخ المسلم-: انتظار أهل عرفة في ذلك اليوم غروب الشمس كانتظار أهل المحشر فصل القضاء، ومجيء الرب -عز وجل- للفصل بين الخلائق يوم القيامة. تذكر: انصراف الحجيج من عرفة إلى مزدلفة انصراف الناس يوم المحشر إلى منازلهم، بعد فصل القضاء، فالسعداء إلى الجنة، والأشقياء إلى النار.
ومن مات يوم عرفة فى إحرامه أو مات وهو محرم يبعث يوم القيامة ملبيا، أى يشعرك بأنه مازال يؤدى مناسك الحج، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: ((بَيْنَا رَجُلٌ وَاقِفٌ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَةَ إِذْ وَقَعَ عَنْ رَاحِلَتِهِ فَوَقَصَتْهُ أَوْ قَالَ فَأَقْعَصَتْهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ أَوْ قَالَ ثَوْبَيْهِ وَلا تُحَنِّطُوهُ وَلا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ فَإِنَّ اللهَ يَبْعَثُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُلَبِّي)) رواه البخاري ومسلم.
قال النووي: "فَإِنَّهُ يُبْعَث يَوْم الْقِيَامَة مُلَبِّيًا وَمُلَبِّدًا وَيُلَبِّي"، مَعْنَاهُ: عَلَى هَيْئَته الَّتِي مَاتَ عَلَيْهَا وَمَعَهُ عَلامَة لِحَجِّهِ وَهِيَ دَلالَة الْفَضِيلَة، كَمَا يَجِيء الشَّهِيد يَوْم الْقِيَامَة وَأَوْدَاجه تَشْخَب دَمًا، وَفِيهِ دَلِيل عَلَى اِسْتِحْبَاب دَوَام التَّلْبِيَة فِي الإِحْرَام. شرح مسلم.