دستور فى الخفاء

يساورنى قلق كبير بشأن دستور مصر المقبل. الشذرات التى تخرج من مناقشاته
السرية لا تبشر بأمل. خرج الناس فى مصر بالملايين طلباً للتغيير الذى يبدو
أن الدستور الجديد لن يلبيه. استخلاصى من القراءات المبعثرة حول ما يدور فى
اللجنة التأسيسية أننا بصدد كارثة سوف تتراجع بمصر إلى الوراء. التغيير
الذى طلبه المصريون كان تقدمياً. ما أصادفه فى التقارير الإخبارية يعنى
أننا سنحصل على وثيقة متخلفة.
لا أريد أن أصدر حكماً لا رجعة فيه. ليست لدى معلومات. من وقت لآخر يقول البعض إن التسريبات من لجان مناقشة الدستور غير دقيقة.
إذن
ما هو الدقيق؟ أقرأ مقالات تعلق على مواقف فى اللجنة التأسيسية. بعضها
يرفض. بعضها يؤيد. لا أحد لديه معلومة محددة. أشاهد الدكتور معتز عبدالفتاح
من حين لآخر يمتدح المناقشات على قناة «سى. بى. سى». آخرون يقولون كلاماً
مناقضاً. قد لا أثق فى الانحيازات الأيديولوجية. أبحث عن معلومة خام. لا
الصحافة توفرها ولا المتناقشون يريدون أن يكشفوا عنها!!
لست أدرى ما
هو سبب هذه التعمية حول مناقشات الدستور. لماذا قررت اللجنة أن تعيش وراء
الستار بينما هى تطبخ المستقبل. لماذا لا تنقل قناة صوت الشعب ما يدور فى
الجلسات بدلاً من إذاعتها أغانى وطنية ومثل ذلك طوال الوقت. هل المناقشات
يجب أن تكون بعيدة عن الشعب. هل هناك وصاية عليه من أعضاء اللجنة؟! مصداقية
المناقشات لن تتحقق إلا بكشفها. محاضر الجلسات لابد أن تنشر حرفياً.
الصحافة لا تطالب بحقها فى ذلك. السياسيون يتواطأون مع بعضهم لإحاطة الأمر
بالكتمان، كما لو أنهم يدبرون أمراً فيما بينهم. ليس هذا الإجراء صحيحاً.
المناقشات
حول الدستور تتداول أموراً تخص رغبة بعض الاتجاهات فى تطبيق الشريعة
حرفياً. الشريعة قيم وقواعد ومبادئ. العصور تتطور. ما هى أدوات التيارات
الرافضة لذلك المنهج فى تعديل مواقف من يطلبون هذا؟! بالتأكيد وسائل
الإقناع ليست هى الجدل السياسى وحده. لابد أن تكون هناك أوراق ضغط. لو سمع
الناس ما يدور لأعلنوا موقفاً. لماذا يريد أعضاء اللجنة التأسيسية عرض
وثيقة كاملة على الناس بعد أن يكونوا قد تفاوضوا. ما هى علاقات التفاوض بين
الحاضرين فى غرف بعيدة عن الأضواء والشفافية؟!
أين الأحزاب. أين
بقية ممثلى المجتمع المدنى. أين خبرات المجتمع؟! بعض الأحيان أشاهد فى
نشرات القناة الأولى شهادات واقتراحات لعدد من الخبراء الذين تستمع إليهم
اللجنة. تستمع إليهم ولكنها لا تقول هل سوف تأخذ بما يقترحون أم سوف ترفض.
الشعب لابد أن يدرى بكل شىء. طلب الشفافية والعلانية. حجبها عنه كل من
اختاروهم ليمثلوه فى تلك المناقشات الغامضة!!
الأحزاب لا تحشد من
أجل عرض وجهات نظرها. النقابات لا تتكلم فى الأمر. المنظمات غير الحكومية
فى حالة سُبات. البرامج التليفزيونية تناقش معلومات غير مكتملة. أطراف تحضر
إلى تلك البرامج، فى حين لا تحضر أطراف أخرى. الكلام مبتسر. الصورة ناقصة.
لا يمكن للرأى العام أن يكوِّن موقفاً أو مواقف بناء على هذه الحالة من
الكتمان الغريبة. لا أعتقد أن مناقشات صياغات الدساتير تتم بهذه الطريقة فى
أى ديمقراطية.
ننتظر من اللجنة أن تكشف للمواطنين الذين سيدير هذا
الدستور حياتهم ما يدور بين أعضائها. إذا تعذر نقل المناقشات على الهواء -
ربما لأن فيه ما يشين - لابد من ظهور ملخصات وافية يومية أو أسبوعية. ننتظر
أن تعلن مواقف كل طرف لكى يعرف الناس حقيقة كل شىء. الأمر ليس هيناً. هذا
دستور يفترض فيه أن يصمد سنوات وعقوداً. مصر تحدد طريقها من خلال تلك
الوثيقة. لماذا إذن يكون ما يخصها سرياً؟
[email protected]
نقلا عن المصري اليوم