الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

مازلنا نملك العدل


قد لا نملك تحسين أحوال الناس الاقتصادية فى مصر, وقد لا نملك رؤية ثاقبة لنقل الناس من الفقر إلى الثراء اعتمادًا على مواردنا التى لا تُعد ولا تُحصى , وقد لا نملك الموارد اللازمة لبناء مستشفيات تعالج كل المرضى بالمجان , أو نبنى مدارس وجامعات تسع كل الناس , أو ننفق بسخاء على البحث العلمى , وقد نكون حقًا فقراء لا نملك أى إمكانيات مادية لذلك .

ولكن بكل تأكيد نحن نملك تطبيق العدل بيننا , نعم نملك أن نعدل بين جميع المواطنين , والعدل مفهومًا واسعًا , وليس قاصرًا على ساحات التقاضى , فالعدل فى ساحات القضاء هو أبسط صور العدل , رغم بطء التقاضى نتيجة تراكم القضايا لتراجع تطبيق العدل خارج ساحات القضاء .

فكلما زاد الظلم بين الناس زاد زحام القضايا , ولأن هذه ليست قضية مقالى هذا فلن نتوسع فيها , فقضية مقالى هو تراجع قيم العدل بين الناس بصفة عامة , حتى صار غياب العدالة فى شتى أمور الحياة كالعرف السائد , ولم يعد ينتظرها أحد , وتراجع معها مبدأ تكافؤ الفرص حتى كاد أن يندثر .

ولذا سادت الواسطة والمحسوبية فى كل شيء , وأصبحت أسلوب حياة طبيعية فى مصر , ومع سيادة الواسطة والمحسوبية وغياب مبدأ تكافؤ الفرص , ساد معهما شعور بعدم الانتماء للمجتمع , وبات حلم الخروج من البلد أمل الغالبية العظمى من الشباب فى مصر , وهو شيء فى غاية الخطورة.

لأنه لم يعد هناك أمل , وغياب الأمل يؤدى إلى الإحباط , والاحباط يجعل الانسان ضعيفًا أمام كل شيء , وقد يأتى يومًا نجد أنفسنا أمام دولة ضعيفة منهكة غير قادرة على مواجهة أى تهديد سواء كان تهديد داخلى أو خارجى , بغض النظر عن كون التهديد هو حرب خارجية أو كارثة طبيعية , ولنقرأ جميعًا تاريخ الدول التى انهارت أو وقعت تحت الاحتلال , فلم تسقط دولة إلا بعد أن تفشى فيها الفساد , فهو أصل كل داء فى أى مجتمع إنساني .

الواسطة والمحسوبية وإهدار مبدأ تكافؤ الفرص بين الناس على سبيل المثال , من أسوأ أنواع الفساد فى المجتمعات , فالفساد المالى رغم حقارته , فخسارته محدودة بفقدان بعض أموال الدولة , أما فساد تغييب العدل فخسارته هى فقدان الدولة نفسها , فما قامت دولة الا بالعدل وما سقطت دولة إلا بالظلم .

ومن العجيب أننا نختزل الحديث عن قيم العدل وتكافؤ الفرص فى الحكم على الانظمة السياسية فقط , وهو منطق غريب وينبئ عن تناقض صارخ فى الشخصية , فقيم العدل والمساواة بين الناس هى فى الاصل أسلوب حياة , وليست قاصرة على أنظمة الحكم , وهذا لا يعنى أستثناؤها من الحديث , فالحكام مسئولون بحكم وظائفهم عن نشر هذه القيم فى المجتمع .

ولذا فأننى أعتقد أننا جميعًا بحاجة الى مراجعة مدى تطبيقنا لقيم العدل والمساواة فى تعاملاتنا اليومية , بداية من تعاملاتنا داخل البيت الواحد , وداخل العائلة الواحدة , وداخل العمل , وداخل وسائل المواصلات وفى كل أمور حياتنا اليومية , ولا يوجد شئ أسمه العدل الانتقائى أو العدالة القاصرة على ما نُريد فقط , فهذه القيم كل لا يتجزأ, فلا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه , كما قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم .

هذا هو دورنا كمواطنين ان نعدل فيما بيننا , أما دور الدولة , فهو تطبيق عملى لقيم العدالة بين الناس فى كل شئ , عدالة فى توزيع الامتيارات , وعدالة فى توزيع الاعباء , وفرض تكافؤ الفرص فى كل شئ , بداية من تساوى فرص حصول الجنين فى بطن أمه على رعاية صحية له ولأمه , وحتى ولادته ووصوله الى سن المعاش , مرورًا بكل مراحل حياته .

فيجد العدالة فى وجود مستشفى ولادة تساوى بينه وبين جميع المواليد , وفى مدرسة تقدم له تعليم حقيقى بغض النظر عن كونها مدرسة خاصة أو عامة , وفى جامعة يدرس فيها ما يتناسب مع قدراته بغض النظر عن أمكانياته المادية , وعند التخرج يجد نفسه خاضع لمعايير موحدة تساوى بينه وبين أقرانه بغض النظر عن وجود واسطة معه أو لا .

وعندما يجد فرصة عمل , يعمل يجد بيئة عمل عادلة , تحكمها معايير واضحة , لا تفرق بينه وبينه غيره على أى أسباب ليس لها علاقة بطبيعة عمله , وحتى قبل الالتحاق بأى عمل , تكون معايير الاختيار للوظائف موحدة وتساوى بين الناس , ولا تفرق بينهم على أساس المستوى الاجتماعى أو الاقتصادى أو الانتماء السياسى , ويكون معيار الاختيار هو الكفاءة الشخصية للمتقدم للوظيفة , وليس أى شئ آخر مما بات معروفًا فى عالمنا اليوم .

وأعود وأكرر , قد لا نملك الموارد لتحسين أحوال الناس الاقتصادية وخلق حالة من الرضا العام بين الناس , ولكننا بكل تأكيد نملك تطبيق قيم العدل والمساواة بين الناس , وهو كفيل بأن يجعل كل الناس على قلب رجل واحد فى العمل الجاد الذى يحولنا الى دولة قوية أقتصاديًا ومتقدمة فى كل شئ , فاليابان دولة بلا موارد تقريبًا ولكنها بالعدل والمساواة بين جميع المواطنين قامت أقتصاديًا , وسادت العالم أقتصاديًا متفوقة على كل الدول التى تمتلك موارد أقتصادية هائلة ولكنها لا تطبق قيم العدل والمساواة بين مواطنيها .
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط