الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

فوضى المعلومات فى مصر


العصر الحالى مليء بفوضى المعلومات مجهولة المصدر، فتطالعنا كبريات الصحف المحلية بمانشيت عريض عن دراسات حديثة عن فاعلية علاج جديد أو معلومة طبية أو معلومات نفسية، ولم تشير تلك الصحف عن اسم الباحثين القائمين بالدراسة ولا عن تاريخ نشر الدراسة ولا على حجم عينة الدراسة ونسبة النتائج التى توصلت إليها الدراسة.

كما أجد العديد من مقدمى البرامج فى الإعلام المصرى وبعض السادة الضيوف يتبعون أيضًا نفس المنهج الفوضوى فى نقل وتداول المعلومات مجهولة المصدر ويتحدثون بكل ثقة ويعممون النتائج وفائدتها على كل البشر دون مراعاة لظروف كل بيئة والفروق الفردية والعمرية والديموغرافية لكل فرد حسب ظروفه الخاصة وطبيعته.

والأغرب من ذلك هو إمكانية الحصول على معلومات موثقة وعلمية ودقيقة فى مصر، فالمشتغلون بالبحث العلمى يعلمون ماذا أقصد، عندما نريد الحصول على أحدث الإحصائيات أو البيانات عن قضية من قضايا المجتمع أو ظاهرة نتطرق لها بالبحث والتحرى عن نسب الانتشار فى المجتمع، نجد أن هناك تضاربا كبيرا فى المعلومات، فنجد بعضها بالزيادة وفى أماكن أخرى بالنقصان، مما يجعلنا نبتعد عن ذكر أرقام تعبر عن الواقع المعاش للقضية التى نبحثها.

ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد من الفوضى فى المجالات البحثية والإعلامية بل نجد الفوضى العارمة على مواقع "فيس بوك"، حيث تشتد الفوضى فى تداول المعلومات والأخبار سواء معلومات تمس الأمن القومى للبلاد أو معلومات سياسية أو اجتماعية عن خبر كاذب بالصور لوفاة فنان أو طلاق آخر أو زواج أخرى أو خلق نوع من التخبط فى القيم أو الثوابت الاجتماعية والعادات والتقاليد أو معلومات عن منتجات سحرية لعلاج الأمراض المزمنة وعلاجات شافية فى أقل من أسبوع، وبعضها علاجات تقضى على الألم فى أقل من ساعات وغيرها من المعلومات التى تبتعد تمامًا عن المنطق وإتباع الأسلوب العلمى فى تقصى الحقائق والمعلومات بشكل واقعى ومرتبط بأعمال العقل والمنطق.

ونجد من واقع تخصصنا فى العلوم النفسية أن كل ما ينجرف وراء تصديق تلك المعلومات أو الأخبار المغلوطة ويسبح فى فوضى الأكاذيب التى تغلف بشكل لا يصدقه العقل، إنسان مصاب بما يسمى التشوه المعرفى فى بناءه الفكرى، فنجد هؤلاء الأشخاص نمط التفكير لديهم ما يطلق عليه التفكير السحرى أو الخرافى المبنى على الجرى وراء المشعوذين والدجالين يؤمنون بالخرافات دون سند أو دليل، يضخمون ويكبرون من صغائر الأشياء وكما يقول المثل يعملوا من الحبه قبة، يمجدون ويضخمون فى أشياء لا تستحق كل هذا التمجيد أو التضخيم سواء كانت هذه الأشياء منتجات فى السوق أو أشخاص يتحدثون أو أعمال يقوم بها شخص ما، يسيطر عليهم أيضا فكرة كل شيء أو لا شيء الأبيض أو الأسود فهو لا يقيم الموضوعات أو الأحداث تقييم موضوعى قائم على النقد البناء اللإيجابيات والسلبيات بل قائم على التحيز لموقف واحد فقط أما كل شيء أو لا شيء.

وأجد أن فوضى المعلومات فى مصر، لها أثارها السلبية على تشكيل عقلية ووجدان وثقافة الأطفال والكبار، فهى تشكل وجدان وضمير الأمة، من حيث دقة وسلامة المعلومات المتداولة، من أين أتت المعلومات وما مدى حقيقتها ومرجعيتها العلمية، وأيضًا مدى توافر المعلومات الصحيحة والدقيقة التى لدى أجهزة الدولة ومؤسساتها التى تطالعنا عليها بشكل فورى ومتواصل سواء معلومات تخص الباحثين والخبراء فى المجالات المتنوعة، ومعلومات عن القضايا السياسية والأمنية بشكل موثق ورسمى، أو معلومات عن قضايا المجتمع، ومعلومات عن الأسعار الخاصة بالسلع الاستهلاكية والسلع المعمرة، دون تحرى دقة المعلومات المتداولة فى الصحف والقنوات الإعلامية بما فيها من الإعلانات التى تروج لمنتجات وهمية ليس لها أساس من الصحة، ويلهث ورائها البسطاء من أفراد الشعب المصرى، تفعيل سياسة غلق مواقع فيس بوك المروجة لبث الإشاعات والمعلومات المغلوطة أولًا بأول.

تفعيل ثقافة إعمال المنطق والعقل من خلال تداول المعلومات والبيانات الموثقة عبر قنوات التواصل "المرئ والمسموع"، حتى يتسنى للأجيال القادمة بناء عقول تتعلم كيفية تحرى المعلومة من مصادرها وتبنى الفكر الموضوعى العلمى فى تناول شتى القضايا، لبناء جيل واعى بقضاياه الشخصية وقضايا وطنه بناء على فكر موضوعى ومعلومات حقيقية، جيل قادر على البحث والاطلاع وبالتالى اتخاذ القرار الصائب فى شتى أمور حياته.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط