- "جزيرة إلفنتين" كنز من الآثار في أسوان
- اكتشاف غرفة دفن كاملة يفتح صفحات جديدة في التاريخ
- عبد اللطيف يرصد تاريخ مصر من خلال "شقفات الفخار"
- قطع الفخار تضم كتابات ترصد مظاهر الحياة اليومية في الحضارة الإسلامية
- البعثة الإسبانية تعثر على مومياء كاملة مغطاة بكرتوناج وتابوت من خشب الأرز
تفتح الاكتشافات الأثرية الجديدة في جزيرة إلفنتين بأسوان صفحات جديدة في تاريخ مصر، وذلك بعد الإعلان عن العثور على مقبرة كاملة وسليمة لشقيق أحد حكام جزيرة إلفنتين، فقد أعلن الدكتور محمود عفيفي، رئيس قطاع الآثار المصرية، عن اكتشاف غرفة دفن سليمة لشقيق أحد أهم حكام جزيرة الفنتين من عصر الأسرة الثانية عشر، وذلك أثناء أعمال الحفائر التي تقوم بها البعثة الإسبانية التابعة لجامعة خايين في منطقة قبة الهوى الأثرية، غرب مدينة أسوان.
ووصف عفيفي هذا الكشف بأنه مهم ليس فقط لثراء الدفن، ولكن لأنه يلقي الضوء على الأفراد الذين كانوا تحت ظل السلطة والذي لا تتوفر عنهم الكثير من المعلومات.
من جانبه، أوضح نصر سلامة، مدير عام منطقة آثار أسوان، أن القطع التي عثر عليها داخل حجرة الدفن فريدة لأنها تحتوي على جميع الأثاث الجنائزي للمتوفى، والتي تتكون من أوانٍ من الفخار وتابوتين داخلي وخارجي من خشب الأرز، بالإضافة إلى مجموعة من النماذج الخشبية والتي تمثل القوارب الجنائزية، ومشاهد من الحياة اليومية.
وقال الدكتور اليخاندرو خيمنيز سيرانو، رئيس البعثة الإسبانية، إن البعثة عثرت على مومياء داخل غرفة الدفن ولكنها مازلت قيد الدراسة وهي في حالة جيدة من الحفظ ومغطاة بكارتوناج ملون مع قناع جميل وقلادة، أما النقوش الموجودة على التوابيت تحمل اسم المتوفى "شماي" متبع باسم والدته وأبيه على التوالي "ساتت حتب وخيما"، وقد كان هذا الأخير حاكم جزيرة إلفنتين في عهد الملك أمنمحات الثاني .
وأكد سيرانو أنه مع هذا الكشف تضيف بعثة جامعة خايين المزيد من المعلومات المهمة عن الاكتشافات السابقة في منطقة قبة الهوى لأربعة عشر عضوا من الأسرة الحاكمة لجزيرة إلفنتين خلال عهد الأسرة الثانية عشرة، حيث يوفر هذا العدد الكبير من الأفراد فرصة فريدة لدراسة الأوضاع الحية للطبقة الراقية في مصر منذ أكثر من 3800 سنة.
من ناحية أخرى، كشف الدكتور محمد عبد اللطيف، أستاذ الآثار الإسلامية والقبطية بجامعة المنصورة والرئيس السابق لقطاع الآثار الإسلامية والقبطية بوزارة الآثار، تفاصيل جديدة عن تاريخ عن جزيرة إلفنتين ودورها في الحضارة الإسلامية، في ضوء المراجع التاريخية والاكتشافات الأثرية للمنطقة.
وقال "عبد اللطيف" إن قطع الفخار الأثرية إحدى مصادر كتابة التاريخ المصرى منذ أقدم العصور، ولما كانت الحضارات المصرية المتعاقبة تكمل بعضها بعضًا فقد استخدم المصريون الشقافات الفخارية للكتابة عليها باللغة العربية أيضًا، وذلك بعد الفتح الإسلامى لمصر، خاصة بعد انتشار اللغة العربية منذ نهايات القرن الأول الهجري / السابع الميلادي.
وأضاف: "وجدت البعثات الأثرية المصرية والأجنبية الآلاف من القطع الفخارية المكتوب عليها باللغة العربية، وذلك فى عدة مواقع فى شمال وجنوب مصر، ومن أهم تلك المواقع هو موقع جزيرة إلفنتين بأسوان، والتى تمثل آثارها عرضًا رائعًا للحضارة المصرية منذ أقدم العصور وحتى العصر الإسلامي، وقد قمت بعملية مسح لحوالي 1000 قطعة من الشقافات الفخارية الأثرية الموجود عليها نصوص كتابية وذلك حتى الآن".
وأشار إلى أنه وجد من بين تلك القطع حوالى مائة قطعة مكتوب عليها كتابات باللغة العربية، وتم نشرها جميعها فى سلسلة من المقالات والأبحاث داخل وخارج مصر، ويعود معظمها إلى القرن الثاني والثالث الهجري / الثامن والتاسع الميلادي، وقد تلاحظ فى بعض القطع أنه يوجد عليها كتابات من الوجهين، ولكن غالبيتها عليها كتابة على وجه واحد فقط، والمعهد الألماني للآثار بالقاهرة يجري حفائر أثرية فى الجزيرة بالاشتراك مع المعهد السويسري للأبحاث المعمارية والأثرية لمصر القديمة، وذلك منذ عام 1969م وحتى الآن فى مواسم عمل سنوية تمتد من ثلاثة إلى ستة أشهر.
واستطرد: "هذه النصوص الكتابية باللغة العربية على الشقافات الفخارية رغم صغر حجمها وقلة محتواها، إلا أن دراستها دراسة متأنية ودقيقة أمدتنا بمعلومات مهمة جدًا عن حضارة مصر فى العصر الإسلامي المبكر بصفة عامة وعن جزيرة إلفنتين بأسوان خاصة، ومن أهمها الموضوعات المتعلقة بالنواحي الاقتصادية والمعاملات التجارية بين الناس مثل عقود بيع وشراء، وموضوعات خاصة بالأراضى الزراعية، وتجارة فى الأسماك، وهناك أيضًا بعض الشقافات الفخارية التي أفادتنا نصوصها بموضوعات اجتماعية مثل خطابات شخصية وهي الغالبية العظمى، وكتابات قرآنية، ورقية من المس من الجن (ووصفات سحرية)، وحكم محكمة".
وقال: "ومن خلال الدراسة وجدت قطعة فخارية فى غاية الأهمية، حيث تفردت فى موضوعها الذي يتحدث عن رحلة الحج إلى مكة من خلال الذهاب إلى الفسطاط التى تم ذكرها صراحة فى نص القطعة، والتى تعد من أهم القطع التى نتوصل منها لمعلومات مهمة وإضافة جيدة عن إحدى طرق الحج من مصر إلى مكة والمدينة، وشقافات الفخار رغم صغر حجمها وقلة المتاح من المادة الكتابية عليها نظرًا لمادتها التى تساعد على انشطارها إلى أجزاء صغيرة متفرقة، فإن الشقافات الفخارية التى عُثر عليها فى جزيرة الفنتين بأسوان أمدتنا بمعلومات غاية فى الأهمية من الناحية الاقتصادية، نظرًا لموقع جزيرة إلفنتين الذي ساعدها على أن تكون فى ملتقى جزر نهر النيل وإحدى المحطات الرئيسية للتبادل التجارى الذى شهد رواجًا كبيرًا بها منذ القدم واستمر فى العصر الإسلامى أيضًا، وقد قيل إنها كانت سوقًا يباع فيها العاج وسن الفيل".
وأضاف: "لهذا فقط تنوعت الموضوعات المكتوبة على شقفات الفخار المكتشفة فى الفنتين وشملت معاملات تجارية، وعقود بيع، وعقود إيجار أراضٍ زراعية، ورسائل متعلقة بالزراعة، وتسليم نقود، وإيصالات بديون ونقود، وتجارة أسماك وصيد، وقائمة أسعار حيوانات وتجارة جلود وأصواف، وبعضها يتحدث عن الاحتكار التجاري ونقل البضائع وأيضًا إيصالات استلام مواد غذائية".