علم البيانات.. مولود جديد للإحصاء

تناولت فى مقال سابق بعنوان " البيانات الضخمة ومفردات التنمية" أهمية البيانات وجداوها التنموية والاقتصادية كونها المادة الخام للمعرفة، والتى بدأت تتراكم وتتزاوج لتنجب مولود جديد ينتمى لعلم الاحصاء وعلوم الحاسب كأم وأب يحمل صفاتهما الوراثية، والآن دورنا التعرف على تلك الصفات الموروثة من الأبوين وأى منها سائد وأى منها متنحٍ. أى ببساطة ماهى الصفات التى تغلب على الأخرى فى المولود الجديد "علم البيانات Data Science " وكيف أن العلم الجديد يتطلب أداوت جديدة للتعاطى مع فلسفته كعلم مستقل قبل أن يكون امتدادًا لأبويه سابقى التعريف.
ولتقريب الصورة دعونا نستخدم فرضية الفيلسوف الجزائرى مالك بن نبى، ومحاولة اسقاطها على علم البيانات، الفرض الأول: نفترض أن مولودًا سئل قبل ولادته ( على سبيل الفرض الرياضى والهندسى) أين تريد يا مخلوق أن تكون؟
الاجابة على السؤال فى اطار فرضيته مع تنحية القضية الدينية جانبًا، ونسأل أين تريد أن يكون مسقط رأسك؟ فإذا قرر هذا المولود واختار أن تكون ولادته على محور ( واشنطن – موسكو) وذلك بامتداده إلى طوكيو، فحينها نستطيع أن نحدد حظًّه فى الحياه بالطريقة الاحصائية التى لا يستطيع التحكم بها. والحصيلة أن نسبته فى حدود التعليم والرعاية الصحية فى طفولته مثلًا، وكافة الضمانات الاجتماعية قبل الولادة، الخدمات المقدمة للأم ما يمنح الجنين أفضل الظروف، لذا تتحقق له نسبة من الحظوظ فى التعليم وفى الرعاية الصحية بوصفه طفلًا، ثم فى العمل رجلًا، تتجاوز 90%، وهذه نسبة الأشياء فى المحور الشمالى محور (واشنطن –موسكو) الممتد إلى طوكيو.
الفرض الثانى: فإذا قرر الطفل أن يولد على محور (طنجة – جاكرتا)، وقبل أن نتساءل عن اسمه ولونه وامكانياته الجسمية والعقلية ولغته التى ينطق بها، قبل السؤال عن مجمل هذا، فهو بادئء ذى بدء يقع مباشرة بمجرد ولادته تحت قانون الأعداد الكبيرة وفقًا للقانون الاحصائى، وسيكون له فى محور (طنجة – جاكرتا) من الحظوظ 40% فى التعليم، أما الرعاية الصحية فأقل من ذلك 25-30%، أما فى العمل فيكفينا المعرفة: أن الهند مثلا، إذا ولد فى الهند طفل سيكون له 25% من الحظ ليكون منبوذًا، ما يعنى انطباق تلك الصفه على ربع السكان بالهند.
إذًا السؤال المحورى هنا ماعلاقة الفرضيتان السابقتان بعلم البيانات؟ العلاقة تكمن ببساطة أن البيانات وهى فى رحلتها عبر تراكمها وتحولها إلى معلومات وبالتبعية تخليقها معرفة لها قيمتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، هى التى تحدد موضع الفرد / المواطن فى الجغرافيا والتاريخ معًا، ويتوقف رصيده المستقبلى بناءً على متانة بنيان تلك المعرفة ودرجة دقتها وحقيقيتها، أما الأهمية لعلم البيانات ذلك السياق المعرفى المبنى على بيانات سبق التعرف على دقتها، هو أنه يمكِن صانعى ومستخدمى البيانات من صناعة/ تفصيل أنساق اجتماعية واقتصادية وثقافية مثل: التنمية، الرفاهية، النهضة...الخ شريطة العلم بمنهجيات وطرق الاستخدام المثلى، أما حالة الجهل بقيمة البيانات واهمالها وعدم تحرى الدقة فيها أثناء مراحلها البنائية ( التعداد السكانى مثال على تلك المراحل)، وبالتبعية القرار المبنى عليها يكون وليد الصدفة والفهلوة، ففى هذه الحالة يكون الناتج المتوقع هو مضادات التنمية (الفقر والجهل والمرض)، وحينها لا أمل فى تنمية ورفاهية؟! لماذا؟..لعدم سيرنا كمجتمع فى الطريق المؤدى لتلك النتيجة (الرفاهية)...الطريق يتجلى فى السير الجماعى أقصد المجتمع كله يسير فيه، وهذا لم يحدث ولن يحدث إلا بنماذج ناحجة سريعة المردود تعطى الأمل وتطرد اليأس من نفوس العامة أولًا، من خلال تعزيز الثقة وتجسيرها بين الحاكم والمحكوم.
وأخيرًا... التحكم بمستوى الأسعار، وحركة الاقتصاد وتحقيق التنمية وجودة الحياة والرفاهية والنهضه، كل تلك المفردات الايجابية تتحقق شريطة إعلان الحقيقة...والحقيقة وليدة المعرفة وبالضرورة البيانات فى اطارها الواسع كمادة خام لعلم واعد ...بالحقيقة يحيا الوطن والمواطن.
الخلاصة: كل بلد سيتشكل مستقبلها وفقًا لما تنتجه وتستهلكه من بيانات وبالتبيعة معرفة...أكرر المستقبل سيتشكل بالمعرفة وليس بالنفايات المعلوماتية المُنتجة فى بير السلم المعلوماتى: مواقع الاتصال الاجتماعى والهدم الأسرى الجديدة.