الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

مصر كانت غنية بنسيجها الاجتماعى


مجتمعنا المصرى تغير تغيرات متلاحقة وسريعة ، على مدار الأربعين عامًا الماضية ، أصبحنا مجتمع إستهلاكى بشكل موحش ، أصبحنا نقييم الأشياء من حولنا تقييم قائم على المادة والمنفعة البحتة ، أصبح مجتمعنا يثمن الأشياء من حوله تثمين مادى ، فلان عنده شقه ملك ، فلان عنده سياره أخر موديل ، فلان بيسافر بره ، فلانه زوجها أحضر لها شغاله فى البيت أجنبيه ، فلانه بتروح الهايبر بتجيب حاجات كتيره ، فلانه أشترت ذهب وألماس وغيرت مجوهراتها ، لديها غسالة أطباق ، عندهم شاليه فى الساحل ، لديهم أكثر من سياره ، غيروا عفش المنزل بالكامل .

أتذكر زمان ، زمان قبل الهايبر ماركت ، قبل الأيباد والموبيل والفيس بوك ، زمان أيام المواصلات ، أيام الذهاب لسوق الخضار ، أيام السينما مره فى الشهر ، أيام الزيارات العائليه الفسحه الكبيره ، أيام المصيف مره فى السنه ، أيام شراء ملابس العيد البسيطه .

تذكرت نسيج الشعب المصرى ووحدته فى التغلب على المصاعب المعيشية التى كانت تواجهه ، تذكرت ان المصريين كان لديهم صمود نفسي أمام الأزمات من خلال شبكة العلاقات الإجتماعيه القويه ، التى كانت سائدة فى المجتمع .

المصريين من ملاحظتى هم أول من عرف التدعيم النفسي الجماعى ، هم من عرفوا معنى المسانده وتبادل الخبرات من خلال الفكر الجمعى ، فنجد أن المصريين كانوا يتغلبون على ظروفهم المعيشية المتقاربة من خلال ما يعرف بالجمعية والجمعية كانت منتشره فى كل منطقه وفى كل هيئة حكومية وبين التجار ، والجمعيه الغرض منها فك الضائقه الماليه من خلال الأشتراك فى دفع مبلغ شهرى بين الأفراد وكل شهر من يأتى عليه الدور يحصل على المبلغ ، والغريب أن الجمعيه كان يدخل فيها بعض الأفراد الغرباء أو المعارف والأجمل أن هناك ثقة متبادلة بين الناس وليس هناك وصولات أمانه أو شيكات أو تعهدات بل الكل يثق فى بعضهم البعض ، تكافل اجتماعى غير مشروط إلا بشرط الألتزام بالكلمه .

المصريين كانوا يجتمعون على المقاهى فى آخر اليوم مجتمع الرجال يتبادلون الأحاديث والكل يفرغ همه للأخر تبادلون النكات والضحكات مع بعض الألعاب المسليه ، يقمون بأداء الواجبات الخاصه بأهالى منطقتهم من واجب عذاء أو فرح أو مناسبات تحتاج الدعم والمسانده من رجال المنطقه ، وعلى الجانب الأخر يظهر دور المرأة المصريه القويه كلنا نتذكر أن المرأة المصريه كان لديها الأكتفاء الذاتى من تربية الطيور وتدبير شؤن المنزل ، وكانت تحصل على الدعم والمسانده من خلال جلسات النساء فوق أسطح المنازل أو فناء المنزل أو مايعرف بحوش البيت وجلسات السمر فى ليالى الصيف وبجوارهم الأطفال يلهون ويمرحون وكانت النساء تتباحث فى شؤنهم وأيضا يقومون ببعض الأعمال اليدويه أو تنظيف الخضار او عمل بعض المخبوزات للاطفال الصغار ، كانوا يتبادلون الحكايات والخبرات فى الطهى وأنواع المأكولات الجديده .

كان حقًا مجتمع مشارك متلاحم يخلو من المشكلات النفسيه لحد كبير ، بسبب ما يلاقيه أفراده من تدعيم نفسي ومشاركه ومسانده من الأهل والجيران والأصدقاء مجتمع تسودة المحبه والتقارب والألفه .

أصبحنا حاليًا مجتمع يعانى من فقر النفوس ، نمتلك الأجهزه الحديثه ، والسيارات والأسواق العامره بالمنتجات ، المطابخ مليئة بأحدث الأجهزه ولكن الطعام ليس له النكهه الطيبه ، نمتلك فى منازلنا طاولات الطعام التى تتسع للأفراد ولكن خاويه من الضيوف ، أصبح لدينا الصالون ولكن لم نجد من يجلس عليه ، نسكن فى الأبراج الشاهقه ولكن لم نعرف من يسكن بجوارنا ، نمتلك السيارات الفارهه ولكن أصبحنا مشلولى الحركه لايرى بعضنا الأخر إلا فى المناسبات لو سمحت الظروف ، أصبحنا نقابل الضيوف فى النوادى والمطاعم على الرغم من أتساع منازلنا نوعا ما ، أصبح هناك عدوى الخوف أو الأقتراب من الأخر ، أصبح الموبيل هو الصديق بدلا من الكتاب أو الأهل أو الجيران .

أصبحنا فقراء أجتماعيًا ، بعد أن كان يضرب بأهل مصر المثل فى حفاوة الأستقبال ، أصحاب الضحكه البشوشه ، ولاد البلد الجدعان .

هكذا كانت مصر غنيه ، غنيه بأهلها وصمودهم النفسي ، ووحدتهم الأجتماعيه ، التى تصدت للكثير من المحن والصعاب
أتمنى أن يجلس كلًا منا ويراجع حساباته من جديد ، فى شكل علاقاته بالأهل والأصدقاء ودائرة المعارف الخاصه به ،على كل فرد أن يبدأ بنفسه أولًا ، ثم تتسع الدوائر من جديد لتخلق الفكر الجمعى فى حب بعض أولًا ثم حب الوطن الذى يجمعنا .
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط