الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

ما هو غسل الدماغ .. ومن يقوم به ؟


غسل الدماغ هو استبدال ما في العقل من أفكار بأفكار أخرى غيرها قد تكون صحيحة وهدفها نبيل وقد تكون مغلوطة وهدفها خبيث.. وهي عملية معروفة منذ القدم وتستخدم كسلاح في الحروب، استخدمها النازيون والصينيون في حروبهم منتصف القرن الماضي لتغيير ولاءات الأسرى، ويمارسها المبشرون الدينيون لاستبدال أو فرض ديانة بعينها.. الخطورة تتأتى عندما تستخدم فيها طرق غير مشروعة وتستهدف شرائح ضعيفة كالأطفال والسجناء والعاطلين عن العمل والمشردين، تارة بالتهديد وتارة بالإغراء بالمال أو بوعود بالسلطة أو بالجنة.

في الماضي كانت عمليات غسل الدماغ تتم مباشرة في السجون ومعسكرات الاعتقال من خلال التجويع والتعذيب والتلقين، لكن مع تطور وسائل الاتصال هذه الأيام، أصبح "الغاسل" متخفيا يصطاد فرائسه وينشر أفكاره من خلال شبكات التواصل الاجتماعي أو بزرع العناصر، مستغلا غباء الطرف المقابل.

تجدر الإشارة إلى أن محاولة تغيير الاتجاهات والقناعات ممارسة عادية أيضا.. ففي مناقشاتنا اليومية كلنا يحاول غسل دماغ غيره، كما يحاول غيرنا غسل دماغنا. عندما نحاول إقناع الآخرين برأي معين نظن أنه الأصح، هذا غسل للدماغ، وكذلك عندما يقطع التلفزيون برامجه كل بضع دقائق لتكرار إعلان تجاري عن سلعة قد تكون فاسدة، وفي الدعايات الانتخابية تغرق الجدران والشوارع بصور المرشح ووعوده "الكاذبة"، وبعض رجال الدين يتلاعب بمشاعر البسطاء ويفرض عليهم رأيا محددا ويقول أنه لا بديل عنه، مع أن عشرات الآراء غيره قد تكون متاحة وأفضل منه.. كل هذا يندرج ضمن غسل الدماغ.

وفي السنوات الأخيرة قامت مواقع التواصل الاجتماعي بدور بارز في غسل الدماغ ودعم الإرهاب من خلال جمع الأموال وتجنيد الشباب والفتيات القاصرات للالتحاق بتنظيم داعش، وذلك بتقديم صورة وردية للحياة في دولة الخلافة وجهاد النكاح، والحور العين لكل مجاهد يقف معها.. تعددت المواقع تحت مسميات مختلفة تدخل على صفحاتنا دون إذن، ويتبادلها الأصدقاء بحسن نية.. من يدقق جيدا في اتجاهها العام يكتشف أن أكثرها يهدف إلى إلغاء العقل والتنطع في الدين والدفع إلى الدروشة الفارغة وكره الدنيا، ولا يذكرون كلمة واحدة عن قيمة العلم والعمل والابتكار والإعمار.

أغلب هذه المواقع مجهولة المصدر تقف وراءها جهات مخابراتية معادية.. وقد وصل الأمر بالمخابرات الأمريكية أن قامت بزرع رجال ملتحين يجيدون اللغة العربية من مواطنيها وسط داعش، يخطبون في مساجد وتجمعات السوريين ويدعوهم "للدعوشة"، وكانت تلقي لهم بالسلاح والمؤن وتقول أنه سقط بالخطأ، وبعد انتهاء مهمتهم وخراب سوريا، قامت بإنزال جوي منذ شهرين والتقطتهم وأعادتهم إلى بلادهم سالمين ! وما تزال في ليبيا مجموعة أخرى لم تنجز مهمتها بعد.

في زمن التكتلات والمنافسات الاقتصادية والتجارب الناجحة لدول مثل سنغافورة واليابان والصين وغيرها، نجد هذه المواقع تستهدف تغييب العقول، وإقحام الدين لإضفاء مصداقية على ممارساتها ، يقومون بنشر خرافات وأحاديث نبوية أجمعت كل مراكز الفتوى والشيخ الألباني على أنها كاذبة وموضوعة، ويقولون أن لمن ينشرها مثل أجر فاعلها.

حديث قدسي موضوع أنكره كل علماء الحديث، وقال عنه ابن تيمية أنه من الإسرائيليات، ينتشر بقوة أيضا هذه الأيام مرفقا بصور لشيخ معروف، يقول "يابن أدم ضمنت لك رزقك فلا تتعب".. فما الهدف من ورائه؟ إنها دعوة مباشرة لنا من أعداء الأمة للتوقف عن العمل.. ومنذ بضعة أيام دخل على صفحتى موقع غريب أخر أضاف إلى الأحاديث الموضوعة حديثا جديدا يقول "إذا اشتد عليكم الحر فبردوه بالصلاة" !! ورسالة تطلب ألف صلاة على النبي كل يوم، وهذه بدعة أخرى وضلالة حذر منها مركز الفتوى.. وموقع يقول لنا في عام 2017: "كن كالطائر يأتيه رزقه كل صباح ولا يهتم ليوم غد"..! وهكذا يدسون السم في العسل.

أما عن الوعود بجبال من الحسنات مقابل عمل بسيط جدا، فما أكثرها وهي كاذبة أيضا.. دعاء إذا دعوته تمضي ثلاث سنوات لا تستطيع الملائكة الانتهاء من كتابة حسناتك ! والعجيب أن هذا الدعاء مدته عشر ثوان فقط.. شىء لا يعقل.. واستنكر مركز الفتوى هذا الدعاء قائلا: "إن فيه إهانة للملائكة واستهزاء بقدراتهم"، وموقع آخر يقول أن الدماء مازالت تسيل من جثة سيدنا حمزة إلى اليوم، رغم أنه مدفون في صحراء رملية جافة حرارتها 50 درجة مئوية طوال أكثر من 1400 عام.. أكاذيب ومعجزات زائفة يزرعونها في عقول الشباب ليشعروهم بالعظمة الفارغة وينسوهم فكرة النهوض بواقعهم، ويدفعوهم دفعا إلى العمليات الانتحارية.

أصحاب هذه المواقع لا يتحدثون أبدا عن قيمة العمل والابتكار والإنتاج، لأن هذا ليس في مصلحتهم، ولا يريدون أن يستخدم المسلم عقله لينافسهم.. هناك دول تريد كسب حروب وتفتيت دول دون إطلاق رصاصة واحدة، وبأيدي أصحابها من خلال غسل أدمغتهم.. فهذا هو سلاح الجيل الرابع من الحروب.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط