الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

ما هذه السكينة التي ينزلها الله على أسر شهداء الوطن ؟


ما هذه السكينة و الرضا و الطمأنينة التي ينزلها الله عز و جل على قلوب أسر شهداء الوطن ؟ تساؤل لم أتوقف عن ترديده منذ أن أديت واجب العزاء منذ نحو أسبوع في الشهيد النقيب ، عمرو صلاح الدين، شقيق الصحفي شادي صلاح الدين زميلي بوكالة أنباء الشرق الأوسط .

فعندما وصلت لأداء واجب العزاء في النقيب عمرو ، أحد شهداء الوطن في عملية الواحات ، لم أجد شادي فبدأت أستفسر عن سبب تغيبه عن الأنظار فتقدم إلي رجل وقور ، ترتسم على ملامح وجهه علامات الرضا و السكينة ، و يشع النور من وجهه مصحوب بإبتسامة بشوشة تنم عن إيمان عميق ، فشد على يدي و أبلغني بأن شادي بصدد إجراء حديث تلفزيوني يسرد فيه بطولة أخيه و كيفية تلقيه الرصاص في صدره و وهو يقاتل بعزة و كرامة و ليس في ظهره كما روج الإرهابيون و من يتعاطفون معهم .

 وعندما سألته عن والد الشهيد عمرو صلاح الدين، لكي أقدم له واجب العزاء ، أبلغني بأنه هو صلاح الدين ، والد الشهيد العريس النقيب عمرو صلاح الدين ، مؤكدا أنه يشعر بسعادة بالغة وهو يتلقى التهاني بإستشهاد ابنه في سبيل الله و الوطن .

وتابع بفخر قائلا " إن الشهيد النقيب عمرو إنضم للعمليات الخاصة منذ تخرجه حتى لحظة إستشهاده ورفض كل محاولات الضغوط التي تعرض لها لترك العمليات الخاصة و الإنتقال لمهمام أخرى أقل عرضة للمخاطر" .

ولم أجد في هذه اللحظة كلمات أعبر بها عن حالة الذهول التي إنتابتني من جراء تماسك والد الشهيد عمرو وفخره بابنه ، فقررت أن أنتظر الزميل شادي حتى أستفسر منه عن سبب سعادة والده بإستشهاد ابنه فسألته قائلا " هل يدرك والدك مقدار الفاجعة التي ألمت به ، أم أنه تحت وطأة الصدمة و لا يزال يعتقد أن الشهيد عمر حي يرزق".

 فرد شادي قائلا " إن والدي هو أول من علم بإستشهاد عمرو ، بل هو من تولى مهمة إبلاغ والدتي بالحدث الجلل، و طالبها بضرورة الرضا بأمر الله خاصة وأن عمرو قد غنم بالشهادة و هو يقاتل بصدره كما كشف جثمانه الطاهر ، خلافا لما روج له أعداء الوطن بأن الشهداء قتلوا وهم يهربون أو وهم مستلقون على بطونهم بعد تخليهم عن أسلحتهم.

وفي واقع الأمر ، لم أكن لأكتب هذه الكلمات، إلا بعد أن قمت أمس بتقديم واجب العزاء في ابن صديق لي، شاب في مقتبل العمر ، لقي مصرعه في حادث سير على الطريق الصحراوي على متن سيارته الجديدة التي إشتراها له والده من طراز بي إم دبليو الفاخرة . وعند وصولي الى دار المناسبات، و كانت بالمصادفة نفس الدار التي قدمت فيها واجب العزاء لأسرة الشهيد عمرو صلاح الدين في التجمع الأول ، توقعت أن أجد صديقي متماسكا على أقل تقدير، بعد أن عقدت في مخيلتي مقارنة سريعة بين وضعه كأب مكلوم و بين وضع والد الشهيد عمرو . لكن دهشتي تحولت لذهول لا حدود له من حالة صديقي الذي بدا أكبر من عمره بعشرين عاما بعد مصرع ابنه الشاب ، المتخرج حديثا ، لدرجة أنه لم يعد قادرا حتى على الوقوف على قدميه جراء حالة الانهيار التام التي يعاني منها.

وهنا إضطررت رغما عني لعقد مقارنة بين الرجلين، فالاثنان فقدا فلذة كبديهما ، لكن والد شهيد الوطن يزف ابنه للجنة بسعادة غامرة ، في حين أن والد ضحية حادث السيارة منهار لا يقوى على الوقوف على قدميه . و لم أجد تفسيرا آخر سوى أن الله عز و جل ملأ قلب والد شهيد الوطن بالسكينة والرضا و الطمأنينة في حين أن حالة الانهيار التي يعاني منها الثاني هي الوضع الطبيعي الذي ينبغي أن يكون عليه أي أب فقد ابنه في زهرة شبابه .
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط