امسك فساد!!! (2)

تحدثنا في المقال السابق عن الفساد الإداري وكيف يمكن له أن يؤثر سلبيًا على عجلة التنمية الاقتصادية، فوفقًا لمؤشر الفساد العالمي، والذي يضم 178 دولة، يتم تصنيف الدول وفقًا للفساد في مؤسساتها، عبر مؤشر يتدرج من الصفر أي الدولة الأكثر فسادًا في العالم، وحتى المؤشر رقم 100 وهو عدم وجود فساد في الدولة مطلقًا.
والجدير بالذكر أن أول الدول على مستوى العالم في انخفاض معدل الفساد وهي فنلندا، لم تحصل على الدرجة 100، بل حصلت على 90 من 100، أي أن هناك نسبة من الفساد، وحينما نتحدث عن الفساد على مستوى العالم فيجب أن نذكر أن التقرير قد أشار إلى أن أكثر من ثلثي دول العالم تعتبر فاسدة.
"علشان ما نزعلش أوي، ونشيل في نفسنا".
وسنركز في هذا المقال على مكونات مؤشر الفساد ووضع مصر في التقرير، على أن نركز في المقالات القادمة على جهود مصر في مكافحة الفساد، واقتراح آلية لمكافحة الفساد الإداري، وإلقاء الضوء على الأنواع الأخرى من الفساد.
فمن الجدير بالذكر أن هذا المؤشر قد أصدره البنك الدولي عام 1995 بهدف تعزيز الشفافية الدولية ويسمىCorruption Perceptions Index ويرمز له (CPI)، ويقوم بتعريف الفساد على أنه إساءة استغلال السلطة من اجل المصلحة الشخصية، ويقوم بترتيب الدول حول العالم بحسب توغل درجة الفساد بها.
ويدير هذا المؤشر حول العالم مؤسسات عالمية، منها (جامعة كولومبيا، مجلة الإيكونوميست، بيت الحرية، المعهد الدولي للتنمية الإدارية، والمنتدى الاقتصادي العالمي"دافوس").
وتستخدم تلك الجهات استقصاءات للرأي يتم ملئها بواسطة الخبراء الاقتصاديين من اجل تقييم البلد المراد.
وتركز تلك الاستقصاءات على إظهار الفساد بدءًا من الرشاوي، ووصولًا إلى حقوق الإنسان في الدول، فهو مؤشر في ظاهره رصد الفساد الدولي، ولكن في باطنه تتبع التوجهات العالمية في مختلف دول العالم.
والشيء بالشيء يذكر أن البلدان الأعلى تصنيفا هي التي تتمتع بدرجات أعلى من حرية الصحافة، وسهولة الحصول على معلومات عن الإنفاق العام، ومعايير أقوى لنزاهة الموظفين العموميين، والنظم القضائية المستقلة، إلا أن التقرير أقر بأنه حتى في أكثر البلدان نزاهةً، فإنها ليست في مأمن من الصفقات المغلقة، وتضارب المصالح، والتمويل غير المشروع، وعدم استقلال القضاء الذي يمكن أن يشوه السياسة العامة ومن ثم تفاقم الفساد.
وبالنسبة لمصر فقد تراجع مؤشر الفساد بها درجتين، لتحصل على 34 درجة من 100 ،عام 2017 مقارنةً بالتقدير 36 عام 2016، لتحتل المرتبة رقم 108 وتنضم إلى قطار الدول التي يتوغل فيها الفساد، وأرجع التقرير ذلك "بحسب رأيه" إلى غياب الإرادة السياسية المعنية بمحاربة الفساد، وارتكز التقرير على إقالة رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات السابق بقرار رئاسى، وعدم وجود حرية للصحافة والإعلام، وعدم استقلال القضاء، ولنا في نقد تلك النقاط مقال قادم منفصل.
واستنادًا إلى تلك المعلومات يمكن أن نقول أن تقديرات تلك التقارير ستساهم بكل تأكيد في التأثير على حركة التنمية العالمية، نظرًا لقدرتها على توجيه دفة الاستثمارات الأجنبية، فكلما علا شأن الدول لتحصل على تقديرات تصفها بأنها تنتمي إلى مصاف الدول الأقل فسادًا فحتمًا سيؤثر ذلك على تدفق مزيد من الاستثمارات الأجنبية إليها لتتمتع بمزيد من التقدم، في حين ستساهم تلك التقديرات في تراجع تدفق الاستثمارات الأجنبية إلى الدول الأخرى التي وصفها التقرير بأنها "دول فاسدة".