الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

عملية سيناء 2018 و"الهيموفيليا السياسية " لأردوغان


عملية سيناء 2018 جاءت ردا على رسائل هاكان فيدان السابقة لمصر وهو يتجرع نخب كل عملية إرهابية بكؤوس مملوءة بالدم ! , فقد أفشلت مصر مخططات تركيا الاستراتيجية بمنطقة شرق المتوسط وقطعت الطريق عليها , فلوحت تركيا بمزيد من التحرشات السياسية والارهابية والعسكرية , وها هو أردوغان ورئيس استخباراته ( إم آى تى ) هاكان فيدان ووزير خارجيته مولود جاويش اوغلو يلعقون تصريحاتهم بمزيد من الدم والحسرة .

ولم يخطئ آنفين آطلابى نائب رئيس الكتلة النيابية لحزب الشعب الجمهورى التركى عندما قال عن أردوغان بأنه "شخصية مصابة بعادة البذاءة والتحقير" تشخيصا للحالة النفسية السيئة التى يعيشها الشعب التركى التى اختفت من حياته الضحكة والنكته التى كان يشتهر بها بسبب بذاءات اللغة والعقيدة السياسية التى يتعاطاها أردوغان !

من المؤكد ان اكتشاف حقل " ظهر " الذى يعتبر أكبر حقل غاز طبيعى تم اكتشافه حيث يتوقع ان يصل إنتاجه اليومى الى 350 مليون قدم مكعب خلال العام الجارى فى حين ان احتياطاته تقدر بنحو 850 مليار متر مكعب.. كان القشة التى قصمت " ظهر " أردوغان وقد اصابته بحالة من " الهيموفيليا " السياسية التى تظل تنزف حقدا وكراهية وشر لمصر السيسى ولشعبها , ملوحا بين فينة وأخرى بالحرب وقد حذر وزير الخارجية الفرنسى جان إيف لودريان الرئيس التركى بعد توغله ونهمه التوسعى والتلويح من حين لاخر بالحرب مع من حوله : انه يجب الا تضيف أنقرة حربا لحرب ردا على تغوله فى الشمال الغربى السورى باسم " غصن الزيتون " وقال لودريان لقناة (بى إف إم ) التليفزيونية : ان ضمان أمن حدود تركيا لا يعنى ان تقوم طائرات اردوغان بقتل المدنيين فهذا أمر يجب إدانته لكنها البلطجة التركية التى جعلت لودريان يقول ان تركيا وحليفتها إيران يقومان بانتهاك القانون الدولى فى ظل " خرس " دولى غير مفهوم !

فى الوقت الذى فشل فيه أردوغان ورئيس استخباراته هاكان فيدان ان يحدث ما تمنوه من صناعة ازمة واحداث حالة من الارتباك والفوضى والنيل من نظام السيسى عبر تمريرهم لعمليات إرهابية سواء بالدعم المالى القطرى او الدعم اللوجيستى التركى او المعلوماتى او العملياتى فى محاولة لتركيع مصر !

فجاءت تصريحات وزير خارجيته مولود جاويش اوغلو للتحرش السياسى والعسكرى بمصر تصريحات غير مسئولة ولم تنتظر القاهرة كثيرا للرد عليها سواء عبر البدء بتنفيذ عملية سيناء 2018 لاستئصال رؤوس الارهاب التى تستخدمها تركيا وقطر من حين لآخر , او بشأن اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر وقبرص والرد على ادعاءاتهم , بل وأرسلت القاهرة تحذيرا لأنقرة من مجرد المساس بحقوق مصر الاقتصادية بشرق المتوسط .

وحتى نفهم ... دعونا نلتقط بداية الخيط ..
فتقسيم المياه على سطح الارض الى مناطق بحرية يتم تعريفها حسب ما يسمى بالجغرافيا الفيزيائية , وبدون الدخول فى التفاصيل والاسهاب فيها . فان المنطقة الاقتصادية ضمن اتفاقية ( مونتيجو باى ) عام 1982 الخاصة بقانون أعالى البحار هى المنطقة التى تمتد 200 ميل بحرى عن الشريط الساحلى , وترسيم الحدود البحرية يعنى وضع الحدود بين منطقتين بحريتين متشاطئتين تخضع لانظمة القانون الدولى , وفى حالة النزاع فان تحديد الحدود البحرية يحتكم فيها الى محكمة قانون البحار او التحكيم الدولى اذا قبل الاطراف المتنازعة او محكمة العدل الدولية .

وبالطبع لا إسرائيل ولا تركيا وافقتا على التوقيع على تلك المعاهدة او الاتفاقية لأن لدى كل منها بكل تأكيد أطماع توسعية , فى حين أن مصر وقبرص واليونان من بين الدول التى وقعت على هذه الاتفاقية .

ولان هناك ايضا مايقدر بـ220 تريليون قدم مكعب غاز بالمياه العميقة فى " أكدينز " وهو الاسم التركى للبحر الابيض المتوسط او " هيم هيتكون " الاسم العبرى له فهما فى صراع ومناورات واقتتال للفوز بنصيب اكبر من هذه الغنيمة !

وعلى الفور بدأت إسرائيل بتنفيذ خطتها مبكرا , فقام نزاع مع سوريا وقبرص ولبنان وتركيا ومصر وقطاع غزة , بل وحدثت تعديات إسرائلية متكررة على المياه الاقليمية فى المنطقة الاقتصادية المصرية بحوض البحر المتوسط , وطورت إسرائيل حقل " شمشون " البحرى الذى يقدر حجم إحتياطياته بحوالى 3,5 تريليون قدم مكعب من الغاز على عمق 1000 متر وهو يبعد 114 كم شمال دمياط و237 كم غرب حيفا ... وبالطبع كان هناك تقصير وتخاذل من الحكومة المصرية فى مواجهة أطماع اسرائيل وما تقوم به فى ذلك الوقت .

وحتى ندرك أهمية ماقام به الرئيس السيسى وضربة المعلم التى جعلت أردوغان يتلوى كالافعى هو ضرب محور إسرائيل وقبرص واليونان حيث كان يمثل لوبى خطيرا فى مواجهة مصر, فهناك كانت الزيارات المتبادلة واجتماعات مكثفة بين حكومات الدول الثلاث ولجان مختصة ونحن فى سبات عميق حتى انه كان يسمح للطائرات العسكرية الاسرائلية بالتحليق فوق المناطق المتنازع عليها لمنح الشركات العالمية العاملة فى تلك المناطق بنوع من الامان والقوة !

ونحن نائمون فى العسل !!
حتى ان تركيا هى الاخرى دخلت على الخط وازدادت شهيتها التوسعية وأدركت ما يدور حولها , فأرسلت سفن للتنقيب فى المناطق على الحدود التركية الغربية من الجزيرة القبرصية , فى حين ان اليونان سعت ان توقظ مصر وأن تأخذ اى رد فعل فأرسلت خطابا رسميا الى الخارجية المصرية فى ذلك الوقت تخطرها بأنها سوف تستعد لبدء عمليات المسح السيزمى لبعض المواقع البحرية فى المياه العميقة بالبحر المتوسط وارسلت خريطة تطلب تعيين إحداثيات حدود الجانب المصرى لعدم انتهاكها فى عمليات البحث, الا ان الخارجية وقتها لم يكن لديها معلومات فطلبت من اليونان خريطة تتضمن الاحداثيات المحددة من اليونان لعرضها على اللجنة العليا المصرية لترسيم الحدود, وبالطبع لم يتم لا ترسيم حدود مع قبرص ولا مع إسرائيل.

وعندما جاء الرئيس السيسى تدارك الموقف المصرى بسرعة فأجهض كل مشروعات محور إسرائيل قبرص واليونان واستطاع كسر هذا اللوبى بعد ان شكل معهم محورا جيو - استراتيجى بديلا ارتبط بتحركات دبلوماسية مصرية مكثفة حيال كل من اليونان وقبرص , استهدفت فى مضمونها توثيق العلاقات على مستويات مختلفة وصولا الى التصديق على اتفاقية ترسيم الحدود مع قبرص 2013 وهو ما سبب ارتباكا لتركيا ودخل اردوغان فى حالة من الاكتئاب السياسى خاصة وهو يريد التهام قبرص اليونانية من ناحية ومن ناحية أخرى المكاسب التى تحصدها مصر بعد ان أخذت العلاقات المصرية مع قبرص واليونان بعدا استراتيجيا ومؤسسيا يشمل العديد من الجوانب السياسية والاقتصادية والتأريخية والروابط العسكرية ..

ولا ننسى ان محمد علي كان قد اوقف اراضي يونانية لفقراء المصريين فى كافالا شمال اليونان على بحر إيجه وجزيرة ثاسوس او تاسوس على الحدود التركية مهملة من مصر وقد اعتدى عليها وهذه قصة أخرى ورسالة للرئيس السيسى فى مقال قادم !

فهذا المحور الاستراتيجى الجديد الذى تشكل بخطوات دبلوماسية مصرية واعية جعل أردوغان يسارع لأول مرة منذ 35 عاما لزيارة اليونان , فى محاولة خبيثة للنيل من هذا المحور الذى اشتد عوده عكسته المناورات البحرية المصرية اليونانية التى أجريت فى نوفمبر 2017 قرب سواحل جزيرة رودس اليونانية وبالقرب ايضا من الساحل الجنوبى لتركيا ..

وقد اعتبرت أنقرة حينئذ المناورات "خرقا واضحا للقوانين الدولية " كونها لا تعترف بسيادة اليونان على الجزيرة وفق بيان وزارة الخارجية التركية , بل وسارعت تركيا للاحتجاج خطيا للسفارة اليونانية فى أنقرة لاعلان معارضتها .

وزاد الغليان وارتفع ضغط الدم لدى أردوغان فقام على الفور وأعطى تعليماته لوزير دفاعه وللقوات البحرية التركية بتطبيق قواعد الاشتباك لمواجهة ما ادعته تركيا بـ "التوتر المتزايد مع دول الحدود الساحلية قبرص واليونان ومصر.

لذا كان التحرش التركى باليونان حينما منعت وزير الدفاع اليونانى بانوس كامينوس بزورق عسكرى من الاقتراب من جزر " كارداك " فى بحر إيجه , فهم يعتبرون ايضا جزيرة تركية نوعا من البلطجة السياسية !

ففى 25 ديسمبر 1996 رست سفينة تركية تحمل اسم " فيجن آقات " على تلك الجزيرة والتى تبعد 3,8 أميال بحرية من شواطئ مدينة " بودروم " التركية , وقتها أذاعت اليونان ان السفينة رست فى مياهها الاقليمية غير ان تركيا سارعت برفض ذلك , وأكدت ان الجزيرة تعود لها, ورفعت تركيا علمها على الجزيرة اليونانية فى 30 يناير 1996 مثلما تسعى لالتهام قبرص اليونانية !

ويأتى حقل " ظهر" تلك القشة التى قصمت " ظهر " اردوغان , حينما أعلن الرئيس السيسى فى حفل الافتتاح التشغيلى : انه يمثل احد مكاسب اتفاقية ترسيم الحدود مع قبرص عام 2013 , وكان هذا دافعا لمزيد من الشركات العالمية للتنقيب على الغاز فى الحدود البحرية لمصر سواء فى البحر المتوسط او البحر الاحمر بعد توقيع ايضا اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع السعودية .

وعلى الجانب القبرصى اعلن وزير الطاقة يورجوس لاكونريبيس عن إكتشاف مكمن ضخم للغاز الطبيعى مشابه لحقل "ظهر " المصرى وذلك خلال أعمال حفر ينفذها كونسورتيوم يضم " إينى " الايطالية و " توتال " الفرنسية فى منطقة بحرية شمال غرب الجزيرة فكانت فرحة الطرفين الموقعين على اتفاقية ترسيم الحدود لذا كانت المكالمة الهاتفية للرئيس السيسى لنظيره القبرصى نيكوس انستاسيادس !

وكانت قد سارعت كل من مصر وقبرص بعد الانتهاء من ترسيم الحدود بينهما واودعا نقاط الاساس لحدودها البحرية بالامم المتحدة لضمان سيادة كل منها وحفظا لحقوقهما.

وما أربك تركيا عبر تصريح وزير خارجيتها هو نجاح القاهرة فى عزل تركيا وإفشال مخططاتها التوسعية واستراتيجية " البلطجة " التى تمارسها والتى كانت تهدف ايضا الى توظيف مصر وتوريطها فى الصراع التركى القبرصى حول الحدود البحرية فى ظل عدم اعتراف تركيا بقبرص الجنوبية او قبرص اليونانية وهى عضو بالامم المتحدة وفى ذات الوقت الذى كانت تجرى فيه تركيا مفاوضات مع إسرائيل من أجل نقل الغاز الاسرائيلى عبر الانابيب التركية الى دول اوروبا .

وتجنبت القاهرة " الفخ التركى " وأمنت حدودها البحرية باسطول بحرى شمالى متنامى القدرات يتمركز بالقرب من خط الحدود البحرية , بل لعبت الدبلوماسية المصرية دورا أخر حين طرحت مبادرات بنقل غاز الدول المتشاطئة عبر انابيب الغاز المصرية شرق حوض المتوسط الى اوروبا وهو مايحرم تركيا من فرصة إخرى كانت تسعى الى تأمينها على نحو يشكل نقطة تحول جيو استراتيجى لصالح مصر بما يعطى زخما للعلاقات المصرية الاوروبية على حساب تركيا الذى يحزنها هذا !

لذا سارع اوغلو للتأكيد على ان بلاده تخطط لبدء التنقيب عن النفط والغاز فى المنطقة بما يخالف الحدود المدرجة فى إتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين قبرص ومصر . وكانت تركيا قد قدمت طلبا لرفض الاتفاقية بإدعاء انها تنتهك الجرف القارى التركى عند خطوط الطول 32, 16 ,18 درجة , وبالطبع تصريحات اوغلو نوع من التحرش السياسى والعسكرى لمصر متخذا دور الشرطى بشرق المتوسط ويهدد بمنع اى جهة اجنبية او شركة او حتى سفينة اجراء اى أبحاث علمية غير قانونية او التنقيب عن النفط والغاز فى تلك المنطقة الا بأمر من تركيا !!!

وإذا كانت العلاقات المصرية التركية تشهد توترا منذ عام 2013 بعد الاطاحة بمحمد مرسى معتبرا ان ما حدث للرئيس الاخوانى " انقلابا" باعتبار اردوغان احد اعضاء التنظيم الدولى للاخوان.

لكن حدة التوترات هذه المرة اخذت طابعا وزخما اخر تتطلب المواجهة وبدأت بعد تسليم جزيرة " سواكن " السودانية الواقعة على البحر الاحمر لتركيا مما يهدد الامن القومى لمصر بل وامن البحر الاحمر مع تردد انباء عن تدشين قاعدة عسكرية تركية فى الجزيرة ,علاوة على تصريحات اوغلو الاخيرة غير المسؤولة والمحرضة.

بينما يبقى هاكان فيدان على إتصال دائم بصديقه يوسى كوهين رئيس الموساد الاسرائلى لاثارة نزاعات ترسيم الحدود البحرية مع لبنان التى تقوم هى الاخرى عبر شركات عالمية للبحث عن الغاز والتنقيب فى مياهها الاقتصادية , وايضا لضرب الشراكة المصرية القبرصيةاليونانية حلفائهم القدامى , وماجعل فيدان يشد فى شعر رأسه ايضا هو الاتفاق الذى يسمح لاسرائيل وقبرص تصدير الغاز من حقلى " ليفياثان " الاسرائيلى و " افروديت " القبرصى اذا ماتم ربط هذين الحقلين بهاتين المحطتين من خلال شبكة أنابيب نقل الغاز المصرية.

مما دفع هاكان للاستغاثة بصديقه كوهين فى محاولة لاجهاض هذا المشروع ,ويبقى الغراب أردوغان طبقا للمثل التركى يرى فى هاكان وأوغلوا صقورا فإن لدينا من هم قادرون على اصطياد هذه الصقور ومنهم من يلتهم هذا الغراب !!
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط