الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

العظماء و"قناة السويس - دبي - سنغافورة"


لا أشعر بأي دهشة وأنا أتابع الجهلاء والمغرضين الذين يوجهون سهام الانتقاد للرئيس عبدالفتاح السيسي وهو بصدد تحويل قناة السويس إلى محور للتنمية، فقد تعرض من قبله عظماء خلدهم التاريخ لانتقادات مماثلة لا تقل قسوة، فتحمل حاكم دبي، الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم  رحمه الله، لنفس هذه الانتقادات وهو يبني ميناء دبي ليكون أحد أهم أذرع التنمية التي تشهدها الإمارات العربية المتحدة . كما تحمل زعيم سنغافورة الراحل، لي كوان يو، نفس انتقادات الجهلاء وهو بصدد تحويل ميناء سنغافورة المتواضع، إلى كنز لهذه الجزيرة الصغيرة التي حول ميناء شعبها من أفقر شعوب العالم إلى أغنى شعوب العالم.

فعندما بدأ الراحل الشيخ راشد آل مكتوم في التفكير في إنشاء ميناء دبي، تشاور مع مجموعة من كبار مستشاريه، و مع العديد من أبناء الإمارة ، بخصوص تحقيق حلمه الرامي لتحويل الإمارة إلى مركز رئيسي للتجارة العالمية، فكانت نتيجة التشاور صادمة بالنسبة له ، حيث قال معظمهم له " كيف لك أن تحول يا شيخ راشد هذه الإمارة البدوية الصحراوية إلى مركز عالمي تلتقي فيه مختلف الحضارات و العقول و الثقافات و اللغات و الأموال من كل الألوان و الأشكال " . وقال أخرون " يا شيخ راشد ، حتى و إن كانت دبي ليست بقدر ثراء ، أبوظبي عاصمة الإمارات ، من حيث الثروات البترولية فإن الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ، هذا الزعيم العربي العظيم ، لن يبخل عليك بشيء و لا على أبناء دبي من ثروات أبو ظبي البترولية وقت الضرورة ، و يكفي صلة الرحم التي تربط علاقتهما" .

و لكن بفضل رؤية الرجل و بعد نظره ، رفض الشيخ راشد كل هذه التحفظات ، و توجه فجر أحد أيام منتصف السبعينات من القرن الماضي إلى منطقة جبل علي ، وصعد الجبل الصغير، و ظل ينظر من فوقه على مياه البحر متخيلا هذا الجبل وقد أشرف من قمته على واحد من أهم موانئ العالم.... ثم أستيقظ فجأة من حلمه صائحا بأعلى صوت مطالبا أحد معاونيه بالاتصال بالمهندس البريطاني، نيفل آلن، ليأتيه على الفور . و لم يكن المهندس البريطاني نيفل ألن قد إنتهى من صعود جبل علي إلا وقد رأى الشيخ راشد و هو يشير له بيده ناحية الساحل القريب قائلا " هناك أريد إنشاء الميناء ...و بطريقته شرح الشيخ راشد للمهندس البريطاني فكرته ، فأجاب و متى تريد أن نبدأ ؟ فأجابه الشيخ راشد فورا ، و بالفعل أنجز المشروع خلال 4 سنوات ، لتستهل دبي حقبة الثمانينيات من القرن الماضي بميناء أسطورة ، أصبح بمرور السنوات، ملتقى عالمي ، تتناغم و تتمازج فيه ثقافات العالم، ليحول إمارة دبي من قرية صغيرة منزوية على البحر ، إلى أكبر ميناء في الشرق الأوسط .

و تؤكد آخر الإحصاءات الصادرة عن دائرة التنمية الاقتصادية لدبي ، أن البترول يسهم بأقل من 2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في دبي، مشيرة إلى أن العمود الفقري للإقتصاد في دبي أصبح يرتكز على قطاعات التجارة ، و الخدمات اللوجيستية ، و المالية ، و العقارات .

كما ساهم ميناء دبي في جذب ملايين السائحين ، ليرتفع عدد السائحين الذين زاروا إمارة دبي خلال 2017 إلى ما يقرب من 17 مليون سائح ، في وقت لا يزيد فيه سكان دبي عن 5ر2 مليون نسمة فقط . كما يتوقع أن يرتفع دخل الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في دبي في سنة 2018 إلى 44 ألف دولار ، و هو دخل يزيد عن دخل كثير من الدول الاوروبية الصناعية الكبرى ، مثل ألمانيا 32 ألف دولار، و فرنسا 29 ألف دولار .

و في نفس التوقيت و أيضا في السبعينات من القرن الماضي ، بدأ الزعيم لي كوان يو ، تحديث ميناء سنغافورة ، بعد أن كان قد أنتهي من إقامة بنية تحتية ترتكز على شبكة حديثة من الطرق ، ساهمت في جعل ميناء سنغافورة كعبة لكل السفن العابرة سواء لماليزيا ، أو أندونيسيا ،أو أستراليا، أو اليابان ،أو الصين، أو أوروبا ، أو أمريكا . و لم يأبه لي كوان يو في بداية مشروعه القومي الكبير بالإنتقادات من داخل سنغافورة ، لدرجة أن الكثيرين حذروه من أن ماليزيا سوف تعيد إبتلاع سنغافورة من جديد لو فشل مشروعه ، بسبب ما أنفقه على تعزيز قدرات القوات المسلحة و الشرطة فضلا عن الإستدانة لإنجاز بنية تحتية فائقة التطور لتحقيق حلمه في بناء ميناء عالمي خاصة و أن سنغافورة دولة بلا ثروات طبيعية . و خلافا لتوقعات المتشائمين ، تمكن لي كوان يو ، بفضل هذا الميناء ، و البنية التحتية التي أقيمت لخدمته في مجال الخدمات و صناعة البتروكيماويات و الإلكترونيات و بناء السفن و اللوجيستيات من تحويل سنغافورة ، من جزيرة متهالكة يسكنها الفقراء و تعاني من تدني مستوى دخل الفرد ، إلى دولة مزدهرة، حيث بلغ الناتج الإجمالي فيها إلى 340 مليار دولار و ووصل نصيب الفرد فيها من الدخل القومي إلى نحو 54 ألف دولار بعد أن كان لا يزيد دخل الفرد عن 450 دولارا فقط في بداية السبعينات .و تعتبر اليوم سنغافورة رابع أهم مركز مالي في العالم ، و مدينة عالمية ، تلعب دورا مهما في الإقتصاد العالمي ، بفضل ميناء سنغافورة الذي أصبح خامس مرفأ في العالم ، من حيث النشاط حيث يستقبل ميناء سنغافورة نحو 70 في المائة من تجارة السفن و الحاويات في العالم .

و للأسف الشديد ففي الوقت الذي تحولت فيه دبي و سنغافورة إلى دولتين من أغنى دول العالم بفضل مينائيهما ، ظلت مصر تتعامل مع قناة السويس ، و بحريها الأبيض و الأحمر، معاملة "الكمساري" الذي يقطع التذكرة للسفن لتمر من أهم ممر مائي في العالم دون الإستفادة منها ، لترسو في دبي و سنغافورة، للتموين و الصيانة و الإصلاحات و تفريغ البضائع و المنتجات و السياحة .

و لكن بعد أن فوض الشعب المصري ، عبد الفتاح السيسي، بالحفاظ على أمن مصر و سلامتها داخليا ، ، و خارجيا ، في ثورة شعبية عارمة في 30 يونيو 2013 ، أبى الرجل أن يستمر الوضع على ما هو عليه، رافضا مواصلة التعامل مع أهم شريان تجاري في العالم بمنطق الكمساري . فأتخذ نفس الخطوات التي أتخذها قبله الشيخ راشد ، و لي كوان يو ، فشرع في إقامة بنية تحتية حديثة ، و شبكة هائلة من الطرق لخدمة مجموعة موانيء في غاية التطور ، على البحرين الأبيض و الأحمر . و بدأ الرئيس السيسي تنفيذ رؤيته الثاقبة ، لتكون منطقة قناة السويس ، بموقعها الإستراتيجي، محورا للتنمية، ليس فقط من أجل تنمية الإقتصاد المصري، و لكن أيضا من أجل المساهمة في تعمير سيناء، التي ظلت بدون كثافات سكانية ما سهل الأمر للغزاة لإحتلالها دون عناء كبير .

و رغم الإنتقادات التي تعرض لها الرئيس عبد الفتاح السيسي من الجهلاء و المغرضين ، إلا أنه لم يستمع لهذه الخزعبلات ، و أتخذ نفس الخطوات التي إتخذتها قبل 30 عاما زعماء دبي و سنغافورة، مع دراسة كل إيجابيات و سلبيات التجربتين الإماراتية و السنغافورية حتى يبدأ من حيث انتهينا .

و بادر الرئيس السيسي بزيارة دبي ، كما حرص على زيارة سنغافورة، و أتذكر جيدا هنا أن الرئيس السيسي ، و قد كنت ضمن الوفد الصحفي المرافق له في سنغافورة ، أنه توقف كثيرا و هو يزور ميناء سنغافورة ، في نهاية أغسطس 2015 ، عند تشديد رئيس ميناء سنغافورة ، فوك سيو وا ، على أهمية عامل الوقت للحاويات في مجال، سرعة الشحن ، و التفريغ . فكل دقيقة توفرها السفينة في الميناء يرفع من تصنيف الميناء، فالسفن أصبحت عبارة عن مدن متحركة ، تتكلف تشغيلها عشرات الملايين من الدولارات في الرحلة ، و لذلك فإن كل ثانية و ليس كل دقيقة لها أهميتها .

و أكد رئيس ميناء سنغافورة فوك سيو واه أن أسلوب العمل في الميناء يتم إلكترونيا ، حيث يتم الإنتهاء من إجراءات تفريغ الحاويات في نحو 25 ثانية ، نظرا للوجيستيات المبهرة للميناء ، و النقل الإلكتروني الذي أصبح أساس تقدم النقل البحري .و أتذكر جيدا هنا رد فعل الرئيس السيسي بعد أن إستمع إلى شرح رئيس ميناء سنغافورة و كان قد إفتتح في بدايات أغسطس 2015 مشروع إزدواج قناة السويس قائلا " القناة الجديدة توفر 11 ساعة للسفن و الحاويات و في مصر البعض ينتقد المشروع رغم أنه يوفر 11 ساعة، و هنا في سنغافورة ، يتحدثون عن أهمية توفير الثواني و ليس الساعات " .

و إذا كان لقب عظماء يطلق على الشخصيات التي تنجز الأعمال الخالدة, إلا أن هناك زعماء يستحقون لقب " الأعظم" لنجاحهم في تحقيق إنجازاتهم وسط ظروف صعبة و قاسية و في خضم تحديات داخلية و خارجية خطيرة ... فالشيخ راشد آل مكتوم من العظماء لأنه حول قرية صحراوية إلى واحدة من أهم بقاع الأرض و أكثرها تطورا ، لكنه في المقابل ، وجد مناخا مواتيا ساعده على تحقيق إنجازه الكبير فقد كان يحظى بدعم الراحل العظيم، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ، رئيس دولة الإمارات، بما تملكه إمارة أبوظبي من ثروات بترولية هائلة ، سهلت له كثيرا تنفيذ إنجازه . كما أنه لم يكن يعاني من عبء الإنفجار السكاني حيث لم يكن يزيد عدد سكان إمارة دبي في بداية السبعينات عن 30 ألف نسمة فقط ، و هو عدد قليل يمكن أن يستوعبهم اليوم بسهولة إستاد مثل إستاد القاهرة الدولي و تبقى أكثر من نصف مدرجاته خالية .

كما أن لي كوان يو، زعم سنغافورة، يستحق هو الآخر لقب عظيم، لأنه حول سنغافورة من دولة فقيرة إلى دولة ثرية ، لكنه كان يحظى أيضا هو الآخر بدعم كبير و غير عادي من دول كبرى خاصة من أمريكا ، و بريطانيا، و أوروبا ، تقديرا لنجاحه في الإنفصال بسنغافورة عن ماليزيا الإسلامية ، فضلا عن تمكنه من حماية سنغافورة من مطامع الجار العملاق المسلم الآخر و هو إندونيسيا .

أما لقب الأعظم ، فيستحقه دون منافس الرئيس عبد الفتاح السيسي، فقد أوشك السيسي على الإنتهاء من مشروعه التنموي العملاق في منطقة قناة السويس وسط تحديات داخلية و خارجية غير مسبوقة . فداخليا ، كانت مصر تعاني من فوضى عارمة ووهن شديد في مؤسسات الدولة المصرية بعد ثورة 25 يناير و كنتيجة لضعف فترة حكم الإخوان المسلمين . كما تتعرض مصر ، مثل الدول العربية الأخرى، لمخطط التقسيم الذي طال حتى الآن 6 دول عربية بدأ بالسودان ثم فلسطين و مرورا بالعراق و سوريا و ليبيا و أنتهاء باليمن .

كما أن الرئيس السيسي، ينجز حاليا مشروعه العملاق، و هو يتولى مسئولية واحدة من أكثر دول العالم كثافة في السكان ، حيث تخطى عدد المصريين حاجز المائة مليون نسمة بأكثر من أربعة ملايين. و تقديرا لكل هذا الإنجاز العظيم ، فإن الرئيس السيسي يستحق من المصريين أن يشاركوا بإرادتهم الوطنية في المضي قدما لجني ثمار تثبيت أركان الدولة المصرية بالتصويت بكثافة عالية في الانتخابات الرئاسية التي ستجرى إعتبارا من غدا .....فالأوطان لا تتقدم إلا بإرادة مشتركة بين القيادة السياسية والشعب.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط