الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

عندما بكت جولدا مائير وتريزا ماى فى مواجهة ابن كوم حمادة وبلاتوف !


بكت جولدا مائير رئيسة وزراء إسرائيل السابقة بحرقة حزنا على مصير الجاسوسة هبة سليم المصرية التى اختطفتها المخابرات المصرية من باريس ما لم تبك على أى شخص آخر !

وقالت وقتها: "إن ما قدمته هبة سليم المصرية لدولة إسرائيل أكثر مما قدمه زعماء إسرائيل" !

فقد كانت هبة عبد الرحمن عامر سليم وشهرتها هبة سليم أخطر جاسوسة جندها الموساد الإسرائيلي ضد مصر فى الفترة من 67 و73 بعد ان تم غسل مخها عقائديا وايديولوجيا لدرجة أنها كانت ترفض أن تحصل على أى أموال وتزوجت مما تكرهه او لا تميل له المقدم مهندس فاروق عبد الحميد الفقى فقط لانه يشغل منصب عسكرى حساس وهو رئيس اركان حرب سلاح الصاعقة فقط من اجل عيون اسرائيل التى زارتها وعند زيارتها رافقتها طائرتان حربيتان كحارس شرف وتحية لها وهو إجراء لايقدم الا لرؤساء وملوك الدول الزائرين !

لذا كان حرص وزير الخارجية الامريكى هنرى كيسنجرعلى التدخل لدى الرئيس انور السادات لتخفيف الحكم على هبة سليم ابنة حى المهندسين وكان والدها وكيل وزارة فى التربية والتعليم بينما كانت تعليمات السادات تنفيذ حكم الاعدام عند زيارة الوزير الأمريكى !

فقد تنبه السادات وأدرك أن هبة سليم يمكن ان تكون ورقة ضغط فى ايدى الامريكان والاسرائيليين فى مفاوضات السلام القائمة فأمر بسرعة اعدامها لحظة وصول هنرى كيسنجر ليسدل الستار على قصة الجاسوسة التى باعت مصر وقد جسدت السينما المصرية قصتها فى فيلم الصعود إلى الهاوية !

كان الفضل لاصطياد هبة سليم من باريس داخل تابوت إلى القاهرة للفريق أول رفعت عثمان جبريل ابن قرية شبرا اوسيم مركز كوم حمادة محافظة البحيرة هذا الثعلب المصرى الذى رصدت إسرائيل مليونى دولار ثمنا لرأسه !

ورفعت عثمان جبريل الذى وصل الى رئاسة هيئة الامن القومى من الشخصيات المخابراتية التى تدرس اضافة الى غيره من رجال المخابرات المصرية الذين قدموا الكثير والكثير لمصر وكان للفريق اول رفعت عثمان جبريل دورا فى زرع رأفت الهجان فى قلب إسرائيل وقام بخطف الجاسوس الاسرائيلى " باروخ مزراحى " وهو يهودى مصرى مولود بحى الازهر الشريف عام 1928 وانهى دراسة كلية التجارة عام 1948 وتم تسليمه لاسرائيل فى اطار إتفاقية تبادل جواسيس مقابل 65 فدائى فلسطينى من سكان الضفة والقطاع من بينهم اثنبن من رجال المخابرات المصرية دون ان تعلم بهما اسرائيل وهما عبد الرحمن قرمان وتوفيق فايد البطاح !

فحرب الجواسيس حرب مشتعلة دائما بين كافة أجهزة الاستخبارات فى العالم رغم التعاون المستمر بينهما ! وهى حرب غير معلنه , ربما هى التى تصنع الاحداث السياسية وتعيد ضخها وتوجيهها , وتساهم فى إعادة رسم العلاقات الدبلوماسية والسياسية وهى حرب مستعرة مستمرة لاتنتهى الا باحداث دراماتيكية مثلما حدث بين روسيا وبريطانيا فهما دولتان اصبحت العلاقات الدبلوماسية والسياسية على المحك فى ظل ادوار تلعبها حفنة جواسيس !

ولان لعبة العملاء والجواسيس لعبة قذرة او " ديرتى جيمز " فنهاية اى عميل هى التصفية واذكر اننى كنت فى حوار طويل نشر على حلقات مسلسله بجريدة الانباء الكويتية مع احمد الهوان الجاسوس المصرى المزدوج والمعروف بجمعة الشوان فى مسلسل قدمه الفنان عادل امام " دموع فى عيون وقحة " قال لى احمد الهوان انه استغاث بالرئيس السادات حتى لايتم تصفيته من قبل اجهزة الموساد الاسرائيلى !

ومثلما بكت رئيسة وزراء اسرائيل جولدا مائير على مصير هبة سليم بكت رئيسة وزراء بريطانيا تريزا ماى على مصير الجاسوس الروسى سيرجى سكريبال 66 عاما وابنته يوليا 33 عاما بعد ان تم تسميمهما باستخدام غاز اعصاب فى سالسبيرى جنوب شرق بريطانيا قالت عنه بانه روسى الصنع وذلك فى 4 مارس الماضى ,حتى ان بريطانيا تصعيدا لما حدث دعت الى جلسة طارئة لمجاس الامن الدولى بعد اتهام روسيا باستخدام سلاح كيماوى تم منعه لاغتيال ضابط المخابرات الروسى المتقاعد تحت رعاية بريطانية وعلى اراضيها !

وقد اعلنت بريطانيا حزمة من الاجراءات فى مواجهة إتهام روسيا حيث ارجأت لقاءا كان مقررا مع وزير الخارجية الروسى فى لندن , وأعلنت تريزا ماى طرد 23 دبلوماسيا روسيا وصفتهم بأنهم ضباط إستخبارات غير معلنين , وهددت بسحب منتخبها من كأس العالم المزمع تنظيمه فى روسيا هذا العام , وعدم مشاركة وزراء او أفراد من العائلة المالكة فى كأس العالم , مع تجميد إصول الدولة الروسية فى بريطانيا

هذا عدا ما أعلن عن النظر فى الترخيص الممنوح لشبكة " روسيا اليوم " بإعتبار انها أداة دعائية موالية للكرملين فيما حذرت فيه الناطقة بإسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا من انه لن يسمح لاى وسيلة إعلام بريطانية بالعمل فى روسيا فى حال إغلاق محطة " روسيا اليوم " فى بريطانيا

وسكريبال عقيد سابق فى المخابرات العسكرية الروسية كان عميل مزدوج حيث جندته المخابرات البريطانية وقد حكم عليه بالسجن فى بلاده لمده 13 عام بعد كشف امره والقى القبض عليه عام 2006 ثم اطلق سراح سكريبال فى إطار صفقة تبادل جواسيس بين الغرب وروسيا منذ نهاية الحرب الباردة عام 2010 بعد صدور العفو عنه من قبل رئيس روسيا فى ذلك الوقت ديمترى ميدفيدف ليعيش فى بريطانيا حيث تم تبادل عشرة جواسيس لروسيا مقابل اربعة جواسيس لبريطانيا برعاية أمريكية وهى اكبر عملية تبادل بين البلدين منذ انتهاء الحرب الباردة فى عام 1991 وتمت على مدرج مطار فيينا حيث توقفت طائرتان روسية وامريكية جنبا الى جنب لانجاز العملية ولان الموضوع جد خطير فان الشرطة البريطانية ولاول مرة استعانت بالجيش فى التحقيقات الجارية التى يشارك فيها مايقرب من 250 من أفراد شرطة مكافحة الارهاب ! خاصة وان سيرجى حاول البقاء والعيش بعيدا عن الاضواء منذ وصوله الى بريطانيا قادما من أمريكا ومنذ قدومه الى بريطانية وهو يعيش مآسى من حين لاخر حيث توفيت زوجته فى جادث سيارة ببريطانيا . كما توفى ابنه فة حادث سيارة مماثل لكنه بروسيا ! وقد اعترفت ابنه شقيق سكربيال ان ابنته كانت الهدف هذه المرة !!

على الجانب الروسى قامت روسيا بطرد 23 دبلوماسيا بريطانيا وإغلاق المركز الثقافى البريطانى فى روسيا والقنصلية البريطانية فى سانت بطرسبيرج على أثر ما فعلته بريطانيا حتى ان وزير الخارجية البريطانى بوريس جونسون أعلن صراحة :" من المرجح ان يكون الرئيس فلاديميربوتين هو من أمر بعملية التسميم بغاز الاعصاب "!! نفس ماحدث من تعليمات السادات بسرعة اعدام هبة سليم !

رغم ان تقارير غربية قالت ان المادة التى استخدمت هى مادة فنتانيل وهى مادة افيونية قوية للغاية ويقدر مفعولها باكثر من 50 مرة من الهيروين فى حين ان مندوب بريطانيا فى جلسة مجلس الامن قال ان سكريبال تعرض للتسمم بمادة الاعصاب " نوفيتشوك " هو وابنته وهى مادة مصنوعة فى روسية بسبب هذا التضارب كان رد بوتين من ان بريطانيا يجب ان تكشف حقيقة ماحدث للجاسوس الروسى السابق قبل ان تتحدث الى موسكو واتهمها بانها تمارس " لعبة خطيرة جدا " !

وهو مادفع السفير الروسى لدى الامم المتحدة فاسيلى نيبنزيا لنفى تورط موسكو فى الهجوم وطالب بدليل مادى من بريطانيا وقال : اننا تلفينا إنذارا نهائيا وطلب فى خلال 24 ساعة الاعتراف باننا ارتكبنا جريمة وبعبارة اخرى : اعترفوا !!

وتابع : فنحن لانتحدث بلغة الانذارات ولن نسمح بالتحدث الينا بهذه اللغة ايضا !

وهذه ليست المرة الاولى الذى يحدث صداما بين جهاز الاستخبارات الروسية وجهاز الاستخبارات البريطانية ( ام اى 6 ) والذى يقع فى تقاطع فوكهول بينما جهاز الامن الفيدرالى الروسى فيقع فى ميدان لوبيانكا وسط العاصمة موسكو .

ففى عام 2006 عندما قضى العميل السابق فى اجهزة الاستخبارت الروسية الكسندر ليتفينيكو متسمما بمادة البوليونيوم 210 المشعة وذلك بعد معاناة دامت لاسابيع ووقتها وجهت لندن نفس الاتهامات شديدة اللهجة لموسكو وصفتها الاخيرة بالمهزلة بالاضافة الى شخصيات روسية اخرى منها رجل الاعمال الروسى الكسندر بيربيبليتشى والملياردير السابق بوريس بيرزوفسكى وكلها حالات كانت فيها الشبهات تحوم حول موسكو ضمن ملف اغتيالات فتحته بريطانيا استهدفت 13 شخصية روسية فى بريطانيا مستخدما غاز الاعصاب وهو الغاز الذى استخدمته روسيا فى 2006 لانهاء عملية احتجاز رهائن من طرف إرهابيين فى مسرح موسكو وهو ماادى وقتها الى وفاة مئات الاشخاص وهو ماينسحب على مايحدث فى روسيا بايدى روسية !!

وقد سبق واتهمت رئيسة وزراء بريطانيا تريزا ماى روسيا باطلاق حملات " للتجسس المعلوماتى " والتأثير على الانتخابات من خلال بث ونشر معلومات خاطئة على الانترنت وهى نفس التهمة حول التدخل الروسى فى الانتخابات الرئاسية الامريكية ومدى اتصال حملة ترامب الانتخابية باطراف روسية لتقويض حملة المرشحة الديمقراطية هيلارى كلينتون وتعزيز حظوظ دونالد ترامب ورغم التحقيقات التى تجرى الا ان مدير وكالة المخابرات المركزية الامريكية ( سى اى ايه ) ماك بومبيو استقبل مدير الاستخبارات الروسية سيرجى ناريشكين الذى عين فى 5 اكتوبر 2016 وكان رئيسا لمجلس النواب الروسى ( الدوما ) بدورته السادسة بعد اعفاء ميخائيل فرادكوف من منصبه كرئيس للاستخبارات الروسية رغم ان اسم ناريشكين على القائمة السوداء منذ عام 2014 ردا على ضم روسيا لشبه جزيرة القرم الاوكرانية !!!

كانت ذروة الصراع بين جهازى الاستخبارات الروسى والبريطانى منذ عام 1949 حين تم تعيين كيم فيليبى كضابط اتصال بين الاستخبارات البريطانية ووكالة الاستخبارات الامريكية المركزية ومكتب التحقيقات الفيدرالى كان قد جعله يقف على كل الخطط التى تدبرها وكالة الاستخبارات الامريكية ضد موسكو وكذلك ابلاغه للسوفيات باسماء الجواسيس الامريكية والبريطانية الناشطين ضدهم فى مختلف انحاء العالم . الطريف انه لو لم يتم اكتشاف فيلبيى وتجسسه لصالح السوفيات وهو ما اضطره للهروب الى موسكو عبر خطة تهريبه الى لبنان ومن بيروت عام 1963 تم نقله على متن سفينه سوفياتية توجهت خصيصا لانقاذ اخطر واعم عميل عرفته البشرية وقد كان مرشحا لمنصب مدير جهاز الاستخبارات البريطانية !!

فقد كان زعيم لخلية التجسس السوفيتية تضم دونالد ماكلين وجاى بورجيس صديقيه وقد اطلق عليها " كا جى الهارفارديون الخمسة " نسبة لتخرجهم جميعا من جامعة هارفارد الطريف ان والد كيم فيليبى كان ضابط بالجيش البريطانى وكان مستشرقا ومؤلفا وقد اعتنق الاسلام واتخذ الاسم ( الشيخ عبد الله ) وقد لعب دورا محوريا فى عام 1967 وعمل مستشارا للملك عبد العزيز ال سعود وشركة ارامكو !

ويبقى التساؤل حول اسباب التوتر بين روسيا وبريطانيا سواء من خلال تحرشات عسكرية واختراق واقتراب الطائرات والسفن الروسية من المياه الاقليمية البريطانية او صيد الجواسيس الروس الذين يتمتعون برعاية بريطانية وعلى ارض بريطانيا ؟!!
فهناك ملفان مهمان يمثلان احد اسباب هذا التوتر موقف بريطانيا من اوكرانيا ومنذ بدء المواجهات اواخر 2013 وبريطانيا من الاصوات الاكثر انتقادا لضم روسيا لشبه جزيرة القرم وكذا تدخلها فى سوريا ويذكر ان بريطانيا بادرت فى عام 2017 الى تعزيز الكتيبة المنتشرة فى قاعة للحلف الاطلسى فى استوانيا كاحدى اكبر عمليات الانتشار للقوات البريطانية فى اوروبا الشرقية منذ عقود فى خطوة اعتبرها بعض المراقيبين استعدادت للحرب مع روسيا

ومنذ ان تقلد إليكس ينجر منصبه كرئيس للاستخبارات البريطانية ( ام اى 6 ) عام 2014 وهو الجهاز الذى تاسس عام 1909 رغم انه عاشق للموسيقى والملاحة وتسلق الجبال وكان على راس عمليات جهاز الاستخبارات الخارجى قبل الالعاب الاوليمبية التى احتضنتها لندن وجاء خلفا للسير جون سويرز الا ان كانت له تصريحات حادة تجاه روسيا حيث قال : " ان روسيا والاسد يحولان دون تحقيق النصر على تنظيم داعش وانهاء الحرب الاهلية باعتبار كل معارضى الاسد ارهابيين وان روسيا والنظام السورى يسعيان الى تحويل سوريا الى صحراء ويسميان ذلك سلاما !! وهو ما زاد التوتر بين البلدين اشتعالا وبدات معها حرب الاجهزة الاستخباراتية تاخذ منحى آخر !

ولان الرئيس الروسى فلاديمير بوتن ( القيصر ) خريج اكاديمية الكى جى بى التى كانت تمثل اكبر جهاز استخبارات فى العالم بلغ عدد العاملين فيه 480 الف موظف منهم 200 الف فى حرس الحدود عدا الملايين من العملاء السريين والمخبرين وكان اسمه بالجهاز( بلاتوف ) وقد عمل فى جمهورية المانيا الديمقراطية قبل الوحدة الالمانية وسقوط حائط براندن بيرج من العام 1985 حتى عام 1990 ومعه ناريشكين رئيس جهاز الاستخبارات الروسى رغم نفيهم للتورط فيما حدث للجاسوس الروسى وابنته الا انهم اعلنوا مواجهة الحالم الرومانسى والماتادور اى مصارع او صائد الثيران إليكس ينجررئيس جهاز الاستخبارات البريطانى ( ام اى 6 ) وتريزا ماى رئيسة الوزراء والمتشبهة بالمرأة الحديدية مارجريت ثاتشر , بينما انضم لهما ترامب بعد ان اعلنت الولايات المتحدة تضامنها مع بريطانيا فيما اعلنته المندوبة الامريكية فى مجلس الامن نيكى هيلى : "ان واشنطن تقف فى تضامن مطلق مع بريطانيا " والحق ان امريكا تلعب على الجانبين ويبقى الملف مفتوحا وكل الاحتمالات واردة وراسبوتين ذلك الناسك الروسى الذى اعتبروه قيصر روسيا فى الظل فى حالة استنفار وتربص للملك هنرى الرابع حينما يقول : كم هزتنا الاحداث وعذبتنا الهموم تعالوا نلتقط انفاسنا برهة وراء السلام المفزوع !

فهل يستمع ناريشكين او حتى راسبوتين لنداء الملك هنرى الرابع لالتقاط الانفاس بعيدا عن هذا التصعيد الذى يديره " فولستاف " ملك الرذيلة فى رائعة شكسبير !؟
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط